اللغة العربية تنتحب في الجزائر

لغة الضاد تتحول في الجزائر الى ضيف ثقيل الظل، واللغة الفرنسية صاحبة البيت المكرمة والمبجلة.
من ينقذ لغة سيبويه؟
الجزائر – “العربية في خطر”، “انقذوا لغتنا الام”، “عقد تاريخنا العربي الاصيل ينفرط تدريجيا”… صيحات فزع تطلقها النخبة المثقفة في الجزائر التي تحولت فيها لغة الضاد الى ضيف ثقيل الظل والفرنسية الى صاحبة البيت المكرمة والمبجلة.
وتقول المادة الثانية من قانون تعميم إستعمال اللغة العربية في الجزائر “إن اللغة العربية مقوم من مقومات الشخصية الوطنية الراسخة، وثابت من ثوابت الأمة يجسد العمل بها مظهرا من مظاهر السيادة وإستعمالها من النظام العام”.
وتعتبر اللهجة الجزائرية صعبه جداً لانها مزيج من اللهجات المحلية الامازيغية والبربرية والفرنسية والعربية.
وتناولت ندوة “الأمن اللغوي والاستقرار الاجتماعي” التي عقدت بالجزائر بمناسبة اليوم العربي للغة العربية في وقت سابق واقع لغة الضاد بالجزائر وتحدياتها، وتطرق عدد من المثقفين في مداخلاتهم إلى مخاطر ازدواجية اللسان على الاستقرار الاجتماعي.
وحذر الباحث الجزائري بومدين بوزيد من مخاطر ازدواجية اللسان على الاستقرار الإجتماعي بما يعد لصراعات تمزق المجتمع مستقبلا، مشيرا إلى أن الخطر آت من تحلل بنية المجتمع والتمزق النفسي والقيمي في الجزائر، والذي يتم تفسيره دائما من منظور نفسي أو سياسي، لكن التفسير من منظور لغوي لازال غائبا.
وسجلت اللغة العربية في الجزائر إنتكاسة خطيرة في العشرية الأخيرة، فمناهج التعليم التي تبنتها المنظومة التربوية التي وقع إصلاحها بعد 1999، قزمت العربية بشكل رهيب ووضعت اللغة الفرنسية في مكانة مرموقة بحيث يبدأ التلميذ الجزائري تعلم اللغة الفرنسية مباشرة بعد سنته الأولى الإبتدائية.
وإن المحاولات المحتشمة التي تقوم بها بعض الأطراف في الدولة أو على نطاق المبادرات الخاصة لمحبي اللغة العربية لم تنجح في اعادة لغة الضاد تاجها المفقود ورونقها المعهود.
واعتبر رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن العربية عثمان سعدي بمداخلته أن الأزمة اللغوية بالجزائر تكمن في هيمنة الفرنسية على كل نواحي الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، بينما يتم تشويه العربية اللغة الرسمية للبلاد، وهو “ما أدى إلى فشل منوال التنمية”.
وانتقد الدكتور سعدي تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية، الذي صدر عام 1990، وحمل “النخبة الفرانكفونية النافذة” في الدولة مسؤولية ذلك.
وقال إن “أعداء الحرف العربي استأسدوا في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة”، واعتبر أن “أسوأ فترة حكم عرفتها اللغة العربية هي فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة”.
وانتقد بشدة أيضا موقف الرئيس الراحل محمد بوضياف من اللغة العربية، معتبرا أنه “كان من أشد رؤساء الجزائر عداء للعربية”.
لكنه في المقابل أشاد بموقفي الرئيسين السابقين الشاذلي بن جديد واليامين زروال، وقال إن “اللوبي الفرانكفوني أنهى مهام الرئيس الشاذلي بن جديد لأنه وقّع قانون تعميم استعمال اللغة العربية.
ووقعت مجموعة من المثقفين في مقدمتها الكاتب الطاهر وطار الحاصل على جائزة الشارقة للإبداع والفكر عريضة يناشدون فيها الرئيس بوتفليقة للتدخل شخصيا لحماية اللغة العربية التي أصبحت تعاني في عقر دارها خطر الزوال أمام الزحف الهائل للغة الفرنسية الدخيلة على المجتمع الجزائري.
وراى هؤلاء الكتاب أن المجتمع الجزائري أخذ يبتعد رويدا عن لغته الأم بعدما تغير لسانه ودخلت مصطلحات كثيرة على لهجة الفرد الجزائري التي أصبحت خليطا من مفردات فرنسية وبعض الكلمات الدارجة التي لا محل لها من الإعراب.
وتعتبر الجزائر البلد العربي الوحيد الذي تستعمل في مقرراته الرسمية لغة اجنبية غير لغته الرسمية فالاجتماعات الوزارية والتخاطب بين المسئولين أصبح باللغة الفرنسية حتى لافتات المحلات بلغة عاصمة الانوار، بل اعضاء الحكومة انفسهم كثيرا ما يستعملون الفرنسية لمخاطبة شعب يعاني شق منه من الامية.
وكشف الديوان الجزائري لمحو الأمية وتعليم الكبار، ان نسبة الأمية في الجزائر انخفضت الى 22.1 في المائة بعد ثلاث سنوات من بدء تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحو الامية عام 2007، و التي تنتهي عام 2016.
في حين اعتبر باحث في علم اللسانيات “ان الوضع اللغوي في المغرب العربي بعامة، وفي الجزائر بخاصة، ليس على ما لا يرام، ولكنه ليس كارثيا”.
وقال “ان الفرنكوفونية لم تستطع أن تسجل في المغرب العربي إلا انتصارات هزيلة، ولو انتصرت حقاً لكانت استطاعت أن تمحو اللغة العربية من هذه الأقطار محواً كاملاً وقد اتيح لها أن تستعمرها لفترات متفاوتة الطول أطولها ما مكثته في الجزائر التي هيمنت عليها مائة واثنين وثلاثين عاماً”.
اعداد: لمياء ورغي
ميدل ايست أونلاين