رجال يرزحون تحت ظل الولاء الاجوف !

كنت أنقب في تاريخ الادارة السودانية وبدات بالدكتور الراحل جعفر بخيت رحمه الله وسلسلة مقلاته القديمة بمجلة الخرطوم كان يقول (أن السودان لا يمتلك عادات مرعية في شئون الحكم والسياسية وليست له أيديولوجية تتحكم في تسير دفة أمور الناس الحياتية ولم يحظ بزعامة قومية بل ظل يتأرجح ما بين سندان الديمقراطية الذي يختل فيه النظام الديواني وتفسد الحياة العامة ومطرقة الدكتاتورية التي تتسلط في السلطة وتذهب بالحريات (لقد صدر هذا المقال في فبراير عام 1969 وما أشبه الليلة بالبارحة
أن هذا الواقع المتصدع دفع باليأس لكل الطبقات في المجتمع وأصبحت القيم العليا
مزيجا من السلوك التعويضي لفقدان مشروع قومي يصنع النهضة و وحضور قوي لخطط لا تخدم الا صناعها ولصوص أموال التنمية وأصحاب الاهداف الذاتية من خلال العمل العام وخدمة الدولة في كل مراتبها الادارية وتسويف الواقعي وحاجات الانسان والوطن وجعل الممكن مستحيلا والمستحيل حلم نعمل لا جله ونبدد فيها كل المال والجهد
ليس هناك اليوم في الساحة السياسية طريق وسيطي يجمعنا في بوتقة واحدة لخدمة الوطن بقيم وطنية غير معنية بالولاء لحزب أو جماعة أو حركة وتظل الجهود من قلة خيرة بعيدة
عن أحلام شعبنا ونجد ذلك جليا في الخطاب السياسي ورؤية المعارضة ونهجها والذين هم الان أهل سلطة وحكم في حيرة من أمرهم يتحدثون تارة عن معاش الناس وتارة أخري عن الحوار ويقولون أن من أهداف المرحلة وقف الحرب الاهلية ولازالت السلطة في يد الاسلام السياسي حتي وأن فرضت المرحلة الخروج عنهم والتبراء منهم واعلان الدولة الوسيطة التي تخدم الاسلام المعتدل وتطرح تنمية مستدامة وتراعي الحقوق وهل ذلك من الممكن بعد أسس
أهل الانقاذ الدولة العميقة وتغللوا في كل جزء من الدولة والحياة العامة لكي يبقوا أمد طويل
قبل اليوم قلت أني لا أحفل بأي راية من رايات الاسلام السياسي لأنها تمثل التدليس في العمل السياسي والعمل بنهج الغاية تبرر الوسيلة وتسيد جهلاء والذين لا يملكون المعرفة والخبرة في أدارة الدولة وظهر ذلك جليا في هوجة التغيير الوزاري الاخير
كفرنا بالنظام الرئاسي الذي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة تجعل منه أمير المؤمنين وصاحب القرار الذي لا يفند أو يتم ألغاءه لا ترون أن احتكار هؤلاء السلطة احتكاراً بشخوصهم يضفون عليه طابع الحزب زوراً وبهتاناً؟ وسدّ هؤلاء ابواب المشاركة امام كل الشعب سوى اولئك الذين رضوا لأنفسهم الذل والخضوع وباعوا كرامتهم وتحولوا الى عبيد أذلاء لدي هؤلاء المتسلطين قد امتهنوا حتى كرامة كل وطني حر حيث عملوا علي تحويل الجميع لقطيع لمصلحة حزب ليس حزبا بمعايير الاحزاب المتعارف عليها بل هم الى عصابة تفرض الانضمام اليها والانتساب اليها بالقوة والإكراه وإلاّ فأي حزب حقيقي يحترم نفسه في العالم لا يفرض الانتساب اليه بالقوة؟ إنّهم أحسوا بالخوف حتى من الحزب نفسه الذي يدعون تمثيله انهم أحسوا بالخوف منه اذا بقي حزباً حقيقياً له قواعده التي تبنيها ولهذا أرادوا أن يدهموا قواعده بتحويله الى تجمع يقوم على اساس االتخويف والنفاق ليفقد اي مضمون حقيقي له كحزب وكيان يعمل علي أدرة شئون الناس ومدرسة للقيم الوطنية لا أقول الحزب الحاكم فقط جلهم تجمعات مصالح وطلاب سلطة يريدون المال والنفوذ يتشدقون بالولاء الاجوف للوطن ولهذه الكيانات الهلامية لا للوطن و هذه الارض الطيبة
أن الراصد لما يجري على الساحة السياسية من ممارسات وما يتخذ من مواقف أن كانت حزبية أو من منظمات مجتمع مدني وكذلك ما يكتب من مقالات يجد أن قضية الولاء والانتماء للوطن تمر بأزمة حقيقية لا يمكن السكون عنها أو التغاضي عنها وخطورة هذه الأزمة أنها بدأت تستشري بين النخب من أبناء الوطن الذين هم قيادة اليلاد بالقانون والعقل والحكمة
فما أن يحدث حادث دموي أو أزمة أو يحدث موقف يتسم بطابع قبلي أو طائفي أو فئوي حتى وان كان مخالفا للقانون إلا وجدت أن هناك طائفة سواء من نواب الشعب أو الكتاب أو النخبة المثقفة وقد هنا نجد الأنحياز الكامل لمعظمهم جليا إلى قبليته أو طائفيته أو فئويته أو جهويته لتبرير الحدث أو التخفيف من اثارة على حساب القانون ويكون الخسران لأعظم ولاء هو الولاء للوطن وتتراجع أجندته في مقابل أن نجد تقديم النعرة الطائفية أو الفزعة القبلية أو الجهوية ما أبغض ما يحدث الان والكل عاجز لا يبت في الامر كأن الحال هو الامثل !
وفي كل هذه الحوادث والمواقف يحق لنا أن نتساءل لمن الولاء والانتماء هل هو للوطن أم للقبيلة أم الطائفة أم للجهة نعم انه سؤال ملح هل الولاء مازال للوطن سؤال لا يحتاج فقط إلى قول أو ادعاء بقدر ما يحتاج إلى أن يصدقه العمل الذي انحسر وبانت حقيقة البعض وصدق توجهاتهم الذاتية والقبلية بل وحرصهم علي المغانم أكثر من العمل والاعمار
لن نسقط في دوامة الخوف والتردد ولن نصمت عن الحق
وأننا علي الدرب سائرون