مقالات وآراء
من محن التمكين

بشفافية – حيدر المكاشفي
في الأنباء أن لجنة اعادة المفصولين للخدمة العامة، شهدت في اجتماعها الذي انعقد يوم الثلاثاء الأول من أمس بمقرها بدار حزب الامة القومي بأم درمان حدثاً لافتاً ومثيراً للدهشة، اذ وجدت اللجنة في الاستمارة المملوءة بواسطة استشاري الامراض النفسية والعصبية علي بلدو التي تقدم بها لاعادته للخدمة، أن البروف المثير للجدل علي بلدو كتب في خانة سبب الفصل انه تم نتيجة (للخيرة) ورؤية منامية ادعت فيها مديرة مستشفى التجاني الماحي السابقة وزوجة أحد أشقاء الرئيس المخلوع، حيث بررت فصل د.بلدو بسبب رؤيتها أن خيرة د.بلدو ماكويسة معاها فأصدرت خطاب فصله، وفي تعليقه على هذا الخبر لشبكة تاسيتي الاخبارية، قال د.بلدو انه تقدم باستقالته من العمل نتيجة لممارسات الكيزان ومضايقاتهم للكفاءات في الخدمة العامة، وفوجئ بعد عام من ذلك بخطاب فصله لهذا السبب الغريب المذكور، وأبان انه لا يرغب في العودة إلى العمل بقدر ما انه يريد حفظ حقه المعنوي والأدبي.
وما قاله د.بلدو عن سبب فصله من العمل يعد واحداً من محن سياسة التمكين في العهد البائد، ولكن لم يكن د.بلدو هو الوحيد الذي تم فصله لهذا السبب العجيب، فقد سبق أن تم فصل المرحوم البروفيسور فاروق كدودة من جامعة جوبا، وكان تبرير مدير جامعة جوبا وقتها لقراره المعيب ذاك بقوله: اني رأيت في المنام أني أفصله ففصلته، وخاض كدوده صراعاً طويلًا في المحاكم، انتهى بصدور قرار بإعادته للجامعة، ولكن كدوده تقدم باستقالته في اليوم التالي لصدور الحكم الذي أنصفه، وعندما سأله من استغربوا لاستقالته عن سببها، أجاب البروف بطريقته الساخرة: الله، يعني عايزني أنتظر لحدي ما يرى في المنام أنه يذبحني، ومن محن التمكين التي أذكرها وما أكثرها، حكاية الملازم الحطّابي والنقيب بتاع الأورنيش التي رواها على أيام هوجة التمكين الزميل الصحفي قرشي عوض ونشرتها احدى الصحف، وفحوى الحكاية أن الملازم الصادق وهذا اسمه بعد أن أحيل للمعاش وهو في هذه الرتبة الصغيرة والسن الباكرة لم يجد ما يفعله غير أن يصبح (فحامي) يبيع الفحم والحطب، وظل راضياً بهذه القسمة إلى أن أفحمه ذات يوم موقف عجيب وعصيب وذلك حين وجد أن حذاءه البالي قد تراكمت عليه الأوساخ واحتاج لتلميع فقصد الراكوبة القابعة إلى جواره وكان يشغلها شيخ كبير يعمل ماسحاً للأحذية، وعندما وقف أمامه كان الشيخ منكفئاً ومنهمكاً يعالج أحد الأحذية، وحين رفع رأسه يستطلع القادم، إذا بالصادق يقفز إلى الوراء خطوة من هول الصدمة، وبطريقة لا إرادية رفع يده مؤدياً التحية العسكرية ويقول (يا سعادتك دا شنو البتعمل فيهو دا)، لقد كان ماسح الأحذية العجوز هو قائده في السلاح الذي خدم فيه وكان وقتها برتبة النقيب…إنتهت حكايات بلدو وكدوده والملازم والنقيب، ولكن لم ولن تنتهي المآسي والفواجع والمظالم التي تسبب فيها الفصل التعسفي، وستظل مسؤولية هؤلاء وأسرهم وصغارهم معلقة في رقاب ممن تسببوا فيها إلى يوم الدين? ما لم تُزال جميع هذه المظالم..
الجريدة
______