قطار الصبر.. (متين توصل)

بينما لا يزال قطار الصبر يواصل المسير بلا زاد ولا هدى، ويسعى بأرض (التيه) لعله يجد جذوة نار فيصطلي من برد الحاجة القارس، ويسد رمق الجوع القاتل، ويضع حداً لتمدد الفقر (المصنوع)، إلا أنه لا أحد من المسؤولين يلقي بالاً لهذا العنت والشدة التي أخذت بتلابيب فقراء السودان ــ فالحقيقة التي لا مراء حولها أن الضائقة المعيشية، وحدة الغلاء لا تزال باقية ومتصاعدة، ولا أمل يلوح في الأفق بنهاية الأزمة، الأمر الذي يحتم على الحكومة ـــ على نحو فوري ــ مراجعة سياساتها الاقتصادية. وقبل ذلك عليها أن تقدم قدراً من التنازلات على الأصعدة السياسية، باعتبار أن (الكنكشة)، والاحتكار، هي (أُس) المشكلة التي ظلت ولا تزال تغذي الأزمة الاقتصادية التي وضعت المواطن تحت براثن الفقر والعوز. فمعدلات الفقر الآن اتسعت بسبب تراجع الزراعة، وتوسع نطاق النزاعات المسلحة.
قبل بضع سنين؛ أوردت وزارة الرعاية الاجتماعية أن عدد الأسر الفقيرة وصل لــ(2000000) أسرة، من بينها 300 ألف أسرة معدمة لا تجد قوت يومها ــ وما ننسى إنو دي إحصائية رسمية احتمالات النقصان فيها واردة ـــ الآن؛ أظن أن العدد زاد بصورة كبيرة، نظراً لارتفاع الأسعار، والغلاء الصاعق، والضائقة المعيشية القاتلة، وفوضى السوق، وتصاعد الدولار.
في ورشة نظمتها أمانة المرأة بالوطني ــ في وقت سابق ــ وفي اعترافات نادرة (انسربت) من صابر محمد الحسنـ أكد أن الإجراءات والمعالجات الاقتصادية والتي آخرها رفع الدعم قد طالت (المواطن)، ولم تطل الحكومة. وبهذه الاعترافات تكون (جهيزة) قد قطعت قول كل خطيب، وجاءت من سبأ بنبأ يقين، في وقت أقرَّ فيه أمين الأمانة الاقتصادية بالوطني، حسن أحمد طه، بتصاعد الانفاق الحكومي، بحوالى (9) أضعاف، أثناء تطبيق البرنامج الذي يستهدف خفضه، وأجمل التحديات التي صاحبت انفاذ البرنامج الثلاثي، هي عدم الاستقرار الأمني بمناطق إنتاج البترول، ما أعاق عمليات الاستكشاف والتوسع في الإنتاج، وما ترتب عليه من ازدياد في الانفاق على الدفاع والأمن على حساب التنمية، وبهذا يكون الحزب الحاكم قد اعترف بفشله في تنفيذ سياسة التقشف، وخفض الانفاق الحكومي، التي تضمَّنها البرنامج الثلاثي بالسرعة المطلوبة.
وخلاصة القول إن أسباب فشل المعالجات الاقتصادية والبرنامج الاقتصادي الإسعافي لها ارتباط وثيق بالممارسات السياسية التي أدت إلى عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي انعكس ذلك بالدرجة الأولى على الأوضاع الاقتصادية والأمنية. وهو في واقع الأمر صرف على الأمن والدفاع، ومحادثات السلام، وسفر وفود التفاوض. ولا شك أن كل هذه الأحوال الاستثنائية مصدرها الممارسات السياسية، والإقصاء، وكبت الحريات والقبضة الحديدية، وغياب الديمقراطية والحكم الرشيد، الذي يحاسب ويعاقب المخطئ، ويحفز المنتج، ويحمي المال العام من الضياع، ويقيم العدل بين الناس.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..
الصيحة