السيدة الكانسة على رصيف الأمان*

طارق يسن الطاهر
نهضت مبكرة ، مستجمعة قواها ؛ لتكسب قوتها ، وتطعم صغارها حلالا ، وطوَّفت أرجاء مدينة بلا قلب ، لا تجيد أن ترحم مثلها.
هل من باب الصدفة أنها اختارت المكانس تجارةً لها؛ لعلها تستطيع أن تكنس ما ران على قلوب القوم من قسوة ، وتنظف ما سكن أفئدتهم من غلظة؟.
يأتيها أحدهم ليشتري ، فلا يدفع سخاء ، وإنما يفاصل ويماطل ويقلل السعر ، بدلا من أن يمنحها قيمة ما اشتراه مضاعفة ، ثم يذهب هناك ليدفع سحًّا غدقا.
كَلَّ متنُها ، وانهدَّ جسدها ، وخارت قواها ؛ لتقع على نفسها مرهقة متعبة ، لتنام على الرصيف ، متأبطة بضاعتها.
هنيئا لها هذه النومة التي غشَّاها الله لها أمَنَةً مِنه ، نومة على رصيف الأمان الذي احتضنها ، حين لفَظَتِ السرير ، فقد أتعبت جسمها ؛ لأنَّ نفسَها كبيرة ، فالنفوس الكبيرة تُتْعِب الأجسام في مرادها ، ومِن القوم مَن لا ينام ، وهو على نمارق السندس ، ووسائد الحرير ، وفُرُش الإستبرق.
هل يدرك أولئك المتقاتلون على الكراسي حال هذه السيدة ؟، هل هي وأمثالها من ضمن أجندتهم ، وفي قائمة اهتماماتهم؟ .
هل يعلمون أنها أمانة ، ويوم القيامة خزي وندامة؟ هل يدركون أنها ستقف أمامهم ، وتقتص حقها الذي أضاعوه ، وتسترد راحتها التي نزعوها ، حيث لا ظلم اليوم، فعند الله تجتمع الخصوم؟ .