
* العدالة الإجتماعية الآن*
الاشتراكية روح الإسلام حيث الناس سواسية كأسنان المشط، وروح الاسلام هي جوهر الشخصية السودانية.. هذا ما ينبغي ان يفهمه ويبني عليه اليساريون الذين يحكمون السودان لا أن يقفزوا عليه كما فعل خصومهم الاسلاميون طوال ثلاثين سنة لم يطبقوا خلالها من الاسلام بإخلاص الا المكوس والجهاد المتقاطر دماً كل يوم على كل من يعترض حكمهم الاستحواذي حتى ولو كان من اولياء الله الصالحين.
لا دين بلا تقوى ولا تقوى مع اكتناز الذهب والفضة وعيشة الاثرياء بالمال العام.
وهل لمسلم حاجة الى من يخبره عن فضل من (يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) او عن أنه( ماجاع فقير الا بما متع به غني) او وجوب(من كان له فضل زاد) و (تعاونوا على البر والتقوى) ومن منا لا يعرف( الناس شركاء في ثلاث ) فذلك كله من أوضح قيم الاسلام المعلومة والتي تمثلتها تجربة الفاروق عمر بن الخطاب نبراساً لنموذج الدولة الاشتراكية العادلة.
فلا يمكن بأي حال اقامة دولة اسلامية خلواً من نزاهة الحاكم وزهده وإعمال مبادئ الاشتراكية (العادلة) كأساس لبناء النسق الاجتماعي والسياسي.
وعلى الجانب الآخر فمن العجب العجاب أن نضطر لأن ندعو اليساريين السودانيين، بعد ان ذهبت بهم النزعات الليبرالية كل مذهب، الى الاهتمام قليلا بتضمين مبادئ الفكر الاشتراكي ضمن ادبياتهم وخطابهم السياسي المبذول في مختلف المنابر بدل ان ينصب كل جهدهم وحيلتهم على غاية وحيدة هي ام الغايات ومنتهاها اعني: اجتثاث شأفة الاسلاميين والسعي لتعطيل مستقبلهم .. ندعوهم للالتفات الى بعض هموم الشعب المتعلقة بأسباب عيشه الكريم من خلال تقديم رؤى اشتراكية.إذ لا نسمع حساً ولا خبراً من ذلك في وقت شدما يتطلع فيه الشعب الى البديل لسياسات رأسمالية طفيلية اشاعت الفساد وافقرت المسلمين وجعلتهم يسألون الناس إلحافاً طوال حكم الانقاذ.
نظام الاقتصاد الاشتراكي (العادل) ليس ترياقاً للفجوة الطبقية والتمييز المريع الذي ساد وطغى حتى داخل العاصمة.. وانما هو العلاج الناجح لقضية التهميش وما تمخض عنه في كل اطراف البلاد حروباً وأوبئة وجهلاً ومجاعات نجمت كلها عن سوء توزيع الدخل القومي واهدار الموارد والثروات.
إن الاشتراكية الاقتصادية القاصدة التي لا تنفي دور وحقوق واسهامات الرأسمالية الوطنية ذات الاخلاق هي الحل والمخرج للطرفين… الاسلاميين واليساريين وقبل ذلك لشعب السودان.
فأما للشعب فلأن 90% منه يرزح تحت خط الفقر الدولي ( دولارين في اليوم تعادل 8000 جنيه في الشهر) بما يعكس سوء توزيع الثروة والدخل القومي على نحو ملحوظ وهذا هو مصدر الشعور بالغبن ومصدر الثورة ولا مخرج سوى العمل وبسرعة من أجل اعادة توزيع الدخل القومي بما يضمن الاستقرار والعدالة الاجتماعية وتوفير الحد المعقول من الكرامة وحقوق المواطنة المتساوية الأمر الذي يكفله النظام الاشتراكي اكثر مما تفعل الرأسمالية والخصخصة وسياسة التحرير الاقتصادي التي تنفض يد الدولة من مسؤولياتها التقليدية تجاه حقوق المواطن.
من هنا فإننا ندعو اليساريين ان يتبنوا الاشتراكية بصراحة ووضوح والترويج لها عبر برامجهم الاصلاحية بدلاً من إضاعة الوقت كله في ملاحقة عيوب الاسلاميين..كما ندعو الاسلاميين الى توخي اسس الاشتراكية في برامج مراجعاتهم لأسباب الفشل والفساد وفي نقدهم الذاتي واعادة بناء فكرتهم السياسية والاجتماعية على هذا الأساس لأن هذا هو الاصل في نمط الدولة الاسلامية الراشدة وليس نموذج دولة بني أمية.
إن الاشتراكية هي فرصتنا المتاحة لاستلام الدولة لزمام المبادرة والسيطرة على وسائل الانتاج وتوظيف وتوجيه مواردنا القومية والسيطرة على قنوات الاستيراد والتصدير وتوزيع الدخل القومي بطريقة عادلة والسيطرة على عشوائية السوق وطفيلياته دون المساس بحقوق الرأسمالية الوطنية البناءة.. وهي فرصتنا ايضا لتحويل احزاب اليسار واليمين معاً من خانة المكايدات العبثية وطواحين الهواء.. الى خانة الايجابية والارضية المشتركة تحقيقاً لطموحات الشعب ومصالحه.
والله إني لأعجب واتساءل: إذا لم تخرج الاحزاب اليسارية السودانية بضاعتها الاشتراكية وتطبقها الآن وقد واتتها الفرصة فمتى ستخرجها؟
د. محمد عبدالقادر سبيل
14 /4 /2020