الوطن .. والمواطنة: علاقة مختلة

الوطن .. والمواطنة: علاقة مختلة

أيمن مبارك أبو الحسن
[email][email protected][/email]

أكبر هدية قدمتها دولة جنوب السودان الوليدة لحكومة الشمال من خلال إحتلالها الغادر لمدينة هجليج، أنها ساعدت في إعادة بناء النسيج الوطني الداخلي… فالسودانيون اليوم بمختلف مشاربهم هم نسيج واحد ضد دولة الجنوب ومخططاتها التي أصبحت واضحة للعيان. فالروح العامة ضد ممارسات الدولة الوليدة هو أمر لن يكون في صالح مستقبل العلاقة مع هذه الدولة التي طالما سعت أن تلعب على تناقضات الواقع السياسي الداخلي، والاستناد على مؤيديها في الشمال. حتى أكثر التيارات السياسية قرباً لدولة الجنوب، وجدت نفسها في حرج بالغ إزاء أفعالها الأخيرة .. فلم تدع لهم شيئاً للإتكاء عليه من أجل إظهار التأييد أو التعاطف … فحينما يتعلق الأمر بالوطن، لا مجال للإختيار.
لكن إحتلال مدينة هجليج من قبل دولة الجنوب الوليدة، كشف عن خلل واضح فيما يتصل بمفهوم الوطن والمواطنة سواء على صعيد الوعي العام، أو على مستوى الممارسة الإعلامية التي ترمي لإحياء روح المواطنة في الناس من أجل شحذهم، وتوحيد أهدافهم تجاه القضية الرئيسية على الساحة اليوم، وهي الإعتداء على جزء من الوطن. إن محاولة إعادة تشكيل الوعي بالوطن في مراحل الأزمات خطوة تنطوي على مثالب كبيرة. لقد اعتدنا أن يكون الولاء للوطن حين الملمات والخطوب… وهو فهم شديد الإختلال، فالمواطنة ليست أناشيد نرددها في المناسبات…ولا هي مسكنات للألم نتناولها عند اللزوم … وليست أحاديث وخطب تحرض لحب الوطن حين وقوع الأزمة. المواطنة كفكرة لا يجب التعاطي معها على قاعدة الإستعدادات لموسم الخريف، فما أن ينتهي حتى تعود الأمور لعهدها الأول، ثم تتلاشى إلا في نشيد الصباح بالمدارس، أو إحتفالاتنا أثناء المناسبات الوطنية مرة كل عام. هي ليست مادة معلبة يتم اللجوء إليها حين الحاجة، وهي ليست مظاهر خارجيـة وشعارات جوفاء، بل عقيدة وإيمان … وولاء صادق ينمو في الداخل ويتمدد لكل المسام.

لن يكتمل مفهوم المواطنة ويترسخ بشكله الصحيح ما لم يتم تأسيس وعي ذهني وحسي يحيل فكرة الوطن والإنتماء إلى إحساس داخلي يتبدى في فعل كل ما يمكن من أجل الوطن، والمنافحة عنه، والدفاع عن مكتسباته في كل حين … رخاء وشدة … فرجاً وكرباً.

المواطنة كمفهوم يحتاج لمراجعة على مستويات إستراتيجية، تبدأ من التربية في مرحلتها الباكرة. وكما يرضع الطفل الحليب من ثدي أمه، يجب أن يتغذى على روح الوطن وحبه، والولاء المستدام له، وليس مجرد أناشيد يرددها حين الملمات والمحن.

الأزمة الأخيرة رغم ما صاحبها من ألم وأسى، يجب أن تعيد التفكير في مفهوم المواطنة … وهي رسالة بشكل خاص للمؤسسات الإعلامية التي طفقت تختزل معاني المواطنة في أناشيد وأهازيج تبثها أثناء الأعياد الرسمية، أو خلال الفترات التي تعصف بالوطن، ثم تعود هذه المؤسسات أدراجها لسمتها القديم. ورسالة كذلك للمؤسسات التربوية أن تسعى لتأسيس إستراتيجية مدروسة لترسيخ مفاهيم المواطنة الحقة من أجل تهيئة جيل صحيح معافى يعيد للمواطنة والوطن إعتباراتهما الحقيقيــة، ويصحح العلاقة المختلة بينهما.

تعليق واحد

  1. مشكور السيد كاتب المقال على تلك الأفكار النيره التى يتفق عليها الجميع ومن أحس بالشماته على هزيمة الجيش السودانى فليراجع قاموس المواطنه ويتأكد حقا أن أسلافه كانوا على هذا التراب وعاشوا المواطنه الحقه وليس دخلاء من الباحثين عن الخبز ولكن………..الأقصاء والإنفراد بل والسيطره والهيمنه على كل مفاصل السلطه مع حرمان الآخر من أبسط حقوقه فى المواطنه لاتصنع مواطن بدون وطنيه فحسب فقد تصنع عميل ومتآمر وخاين والتاريخ القريب والبعيد يخبرك بالكثير المثير الخطر على قول الشاعر…تنمية الوطنيه تبدأ فى الطفوله نعم!!!ولكن الطفل الذى يحس التمييز وهو فى تلك السن المبكره كيف تستطيع عن تزرع تلك البذره فى عقل إحتل فيه الحرمان حيزا كبيرا وتبقى منه القليل فهل يسع المتبقى الوطنيه والمواطنه وأسرة هذا الطفل والمجتمع الذى يعيش فيه وماترجوه أسرته منه؟؟؟قضية التهميش ليست جديده فهنا حزب يحتكر السلطه ويرى كل الأحزاب والمواطنين الذين لايدينون بدين حزبه خونه ومارقين ومأجورين؟؟الأحساس بالمواطنه والإنتماء للوطن يكون بالإحساس أن تحس بأنك تعيش فى وطن يحترم إنسانيتك بأحترام رأيك ولك حق وعليك واجب لا أن يكون عليك واجب وواجبك الأخير هو أن تصمت عندما يخطئ الآخر !!!الإقصاء ينتج الأعداء وأعداء الداخل أشد خطرا من عدو الخارج والمقوله عدو عاقل خير من صديق جاهل وهنا العدو جاهل والصديق جاهل فكيف يستقيم الأمر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..