حوار مع شيخ يطلب حباً

بقلم: جاسم المطوع

في جلسة خاصة مع رجل علم شرعي يعلم الناس الدين ويوجههم إليه، دار الحوار بيني وبينه حول المشاكل العــاطفية التي كثرت في زماننا هذا، وكأن شعار الحياة للكبار والصغار صار «البـحث عن الحب»، وازدادت هذه الظاهرة أكثر بعد انتشار وسائل التواصل الاجــتماعي «فيسبوك، تويتر، انستغرام، وغــيرها»، فصار الكبير والصغير يبــحث عن الصداقة والحب خارج المــنزل أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ولا يهمه إن وجد حبا صادقا أو كاذبا فالمهم أن يعيش الحب ويسمع كلمات الحب.

وبينما نحن نتبادل أطراف الحديث، التــفت الشيخ نحوي وقال: أود أن أصارحك بشيء في نفسي، فسكت، فـقال: ولكني متردد، فقلت: اطمئن وعــبر عـما في نفسك حتى تستقر وترتاح، قال: ولكن الموضوع حساس ومحـرج، قـلت له: هل قضـيتك عاطفــية؟ قــال نعم، قلــت له: إذن تـكلم وخذ راحــتك، فالــحب ليس عــيبا وإنما هو حاجة فطرية ومشــاعر داخلية تدفع الإنسان للعمل والإنـجاز والتفاؤل، ولولا الحب في الحياة لاسـودت الدنيا ومات الناس، فنظر إلي مبتسما وقال: صدقت ثم قلت له: لا تنظر لنفسك على أنك شخصية معروفة ومرموقة ولكــن انظر لهــا عــلى انك انسان، فقال: أنا متــزوج ولدي أبناء وملتزم بالفرائض والســنن وأعلّم الناس الدين.. ثم سكت، فسكتّ معه ثم قال في تردد: صراحة أنا أشعر بأني محتاج للحب، فابتسمت وقلت له: ولماذا أنت متردد؟ فطلبك هذا مشروع وليس خطأ، بل هو طلب فطري، فنظر إلي وتنفس الصعداء ورفع رأسه، ثم قال: ولكني أنا «مستحي» من نـفسي كيف أطلب هذا الطلب والمفروض أن حب الله ورسوله يغنيني عن كل حب، قلت له: كلامك صحيح فأساس الحب هو حب الله ورسوله ولكن هذا لا يلغي حاجة الإنسان لحب آخر، ثم أنه ما المانع من أن تستمتع بالحب ويكون حبك منبثقا من حب الله ورسوله، فالإنسان بحاجة لحب الأوطان وحب الوالدين وحب الزوجة وحب الأطفال وحب الرياضة وحب الترفيه وحب الطعام وحب ممارسة الهوايات، فهذه كلها أنواع من الحب لا غنى للإنسان عنها ولا تتعارض مع حب الله ورسوله.

ومفهوم الحب عندك غير صحــيح، فأنت خلطت بين الحب الإيماني والحـب الإنساني وهناك فرق بينهما، وإذا تأملت في سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تجده محبا لله ونصرة دينه ومع ذلك قال: حبب إلي مــن دنياكم ثلاث وذكر منها «النساء والطيب»، وقد حزن حزنا شديدا على فقد زوجته وحبيبته خديجة رضي الله عنها، لأن فقد الحبيب من المصائب الكبيرة، فما المانع من الجمع بين الحبين؟ ولماذا أنت محرج من التعبير عن مشاعرك؟ فأنــت لم تطلب أمرا خطأ أو مخالفا للفطرة، بل أنت تطلب ما فطرك الله عليه وهو حــاجتك للحب في حياتك. فالتفت إلي وقال: تعرف على الرغم من أني تحدثت عن الحب كثيرا ولكن هذا المعني في التفرقة بين الحب الإيماني والحب الإنساني لم أفكر فيه سابقا، قلت له مازحا: وهل تعتقد أن كل ملتزم بالدين لا يحتاج حبا في حياته؟ وهل الحب بضاعة صممت لغير الملتزمين بالدين؟ أم الحب بضاعة غير اسلامية ولم تذبح علي الطريقة الشرعية؟ فضحك وقال والله معك حق، وهذا ما لم أفكر فيه، فقلت له: إذن عبر عن حبك لمن تحب، وإذا كنت فاقدا للحب فابحث عمن تحبه ويعطيك حبا، وإن كان حبك ميتا فاسع لإحيائه، فحياة لا حب فيها كجدول لا ماء فيه، فالحديث عن الحب وطلب الحب ليس حراما مادام أنه كما أمر الله ورسوله، وأذكر بالمناسبة شيخا انتقد الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لأنه تكلم في الحب وقال له كيف تتكلم في الحب وأنت قاض وعالم، فرد عليه بكتاب ألفه عنوانه «غزل الفقهاء»، فلا مانع من البحث عن الحب.. وليـس أي حب وإنما هو.. «الحب الحلال».

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..