لم تكن فرضية تحميل الشعب وزر السياسات الحكومية وليدة الجلسة البرلمانية الأخيرة

الخرطوم ? الزين عثمان

جالساً في مقعده النيابي تهب عليه نسمات أجهزة التكييف المركزية منتظراً المايكرفون، حين يصله يتذكر العضو البرلماني أن الحصول على قارورة مياه غازية يكلفه أربعة جنيهات، وأن الأموال التي كان يدفعها للحصول على ذات عدد الرغائف زادت الضعف، وأن كيلو اللحمة وصل إلى ستين جنيهاً، وأن أزمة الغاز تزداد في شوارع البلاد وأزقتها، وأن طلب الفول صار يساوي عشرة جنيهات؛ بالكاد يمكنها أن تساوي قيمة دولار واحد في السوق الموازي، وأن أرقام التضخم لا يمكن حسابها في اللحظة! مجموع ما يحدث يؤكد على وجود أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد.
لا يذهب النائب البرلماني عن حزب الاتحادي الديمقراطي طارق حمد الشيخ بعيداً ويجد المشجب الذي يعلق عليه أسباب هذه الأزمة؛ وبحسب طارق ونواب آخرين فإن أزمة البلاد الاقتصادية مسؤول عنها الشعب السوداني بشكل مباشر.. البلاد الغنية بمواردها أفقرتها سياسة شعبها.. يحسم النائب كل الجدل حين يقول: “منو القال ليكم الأزمة في الاقتصاد؟ الأزمة في الشعب المتراخي وغير الجاد”.. عدم جدية الشعب بحسب النواب هي السبب في الأزمات الاقتصادية في البلاد، والسؤال هنا: وماذا عن جدية المؤسسات الرسمية وعلى رأسها الدولة؟
الشعب (المحمول) بالأزمة الاقتصادية والذي يحمل في الوقت ذاته مسؤوليتها لم يجد ما يرد عنه التهمة سوى السخرية مما حملته الصحف.. البعض تجاوز السخرية لتحديد ما يجب القيام به، حتى ينالوا رضاء الحكومة، وذلك بتقديم اعتذار مكتوب، والتوقيع عليه من قبلهم.. يكتب راشد عبد القادر المقيم في السعودية في صفحة (السائحون) على فيسبوك: “لا أجد بدا من الاعتذار “للحكومة” التي “ظلمناها” ظلم الحسن والحسين ونعتذر عما نسببه لها من إزعاج وزحمة في مواصلاتها الوفيرة وشكوى من معيشتها الرخية ومن مرتباتها التي تفيض، ونشكرها على مشاريعها الضخمة التي تتجاوز سخافات “خط هيثرو والسكك الحديدية ومشروع الجزيرة وبواخر سودانلاين”.. ما يقرأ في تعليق راشد عبد القادر، المغادر لصف الحكومة، أن الأخيرة هي المسوؤلة عن التراجع الاقتصادي وليس الشعب المغلوب على أمره.
ولم تكن فرضية تحميل الشعب وزر السياسات الحكومية وليدة الجلسة البرلمانية الأخيرة، فكثيراً ما جرت ألسنة الساسة في اتجاه تحميله التجاوزات التي تحدث.
ويعلق البعض بأن القول بالمسؤولية (التضامنية) في التراجع الاقتصادي يمكن قبوله إذا تعلق بضعف معدلات الإنتاج لدى السودانيين، لكن هذا الضعف نفسه يرى البعض أنه وليد لسياسات حكومية وليس العكس.. خذ مثلاً ما يحدث في مؤسسات الخدمة العامة وتهرب الموظفين من القيام بواجباتهم، يمكن إرجاعه بشكل أساسي للتراجع العام في أداء مؤسساتها، وهو تراجع سببه سياسات (التمكين) الحزبية وباعترافات قياداتها.. ولربما تجاوز الأمر هنا الخدمة المدنية إلى التراجع في مشاريع الإنتاج السودانية، فسقوط مشروع الجزيرة كأكبر مشروع إنتاجي في البلاد والضعف الذي أصاب الناقل الوطني وتراجع أداء السكة حديد والحال السيء لمؤسسة النقل البحري، كل هذا السبب الأساسي فيه سياسات حكومية لم تكن مدروسة وهو ما يعني أن الشعب حتى الآن يبدو بريئاً مما يرميه به نوابه من تحت قبتهم الخضراء.
ويفسر أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي بجامعة النيلين الدكتور عوض أحمد سليمان ظاهرة إلقاء السياسيين اللوم على عاتق الشعب بأنها تعبير عن التراجع العام في الممارسة السياسية، ويضيف عوض أن الأمر يتعلق بعدم الحساب الموضوعي للكلمات التي يجب أن يتفوه بها السياسي باعتبار أنها محسوبة عليه، ويردف: تحميل الشعب مسؤولية التراجع في الاقتصاد هو تأكيد على عجز المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات الدولة، فالعملية الاقتصادية كغيرها من العمليات يجب أن تتم وفقاً لقوانين وقواعد ملزمة للشعب ومصدرها في الأساس الحكومة وغياب هذا النوع من القوانين وغياب أدوات الضبط في المجتمعات هو السبب الرئيس للتراجع الاقتصادي، كما أن قواعد العملية الإنتاجية نفسها يجب أن تكون مضبوطة بقواعد ثابتة تحدد الحقوق والواجبات، عليه فإن غياب هذه القيم الضابطة هو السبب الرئيس في خروج مثل هذا النوع من التصريحات غير الدقيقة وغير العلمية.
ثمة عبارة لبرلماني آخر في ذات الجلسة فحواها أن “السودان ليس فقيراً.. أفقرته سياسات الشعب”.
وبالقرب من ذات القاعة كانت جحافل الشعب تطارد الحصول على لقمة عيش شريفة يدفعون في سبيلها كل ما يملكون.. ويدوس (شعيب شيخ) في أواخر الخمسينيات بكل قوته على دواسة وقود حافلته التي ينقل عبرها الركاب وكأنه يفرغ غيظه فيها، ففي الشارع السابق كان عليه أن يدفع قيمة المخالفة المرورية التي يمكن أن يضيف عليها قيمة الحصول على رخصة تمكنه من أداء وظيفته، مع ذلك فإنه مطالب بدفع ضريبة الخط دون حتى أن يملك حق التساؤل: إلى أين تذهب هذه الأموال؟ ففي كل الأحوال هي أموال يدفعها بحكم واجب المواطنة ويسميها آخرون فاتورة البقاء داخل الوطن وعدم مغادرته. هو مطالب بأن يدفع الفاتور استماعاً للغة (المن) الحكومي على ما حدث طوال سنوات حكمها وأن يدفعها في مكان آخر تحمل مسؤولية التراجع الاقتصادي

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. * يا اخى, الشخص “المخبول!” لا يعنى انه “جاهل” إبتداءا..لكن يعنى انه شخص مريض “لا يفهم و لا يدرك ما يقول, و لا ابعاده, و لا ما يدور حوله”..و إن درى به, فذاك “لا يهمه و لا يعنيه فى شئ!”!!..و هذا بالضبط هو حال “نواب البرلمان” و عدد كبير من اعضاء “الحكومه” و “حزبها” الحاكم!!. و لا بد انك و القارئ الكريم قد لاحظتم مثل هذا “السلوك” مرارا.
    * لكن دعنى أسأل: عندما تصنف تقارير “المراكز البحثيه” الدوليه, مثلا, او تقارير وكالات الامم المتحده “المتخصصه”, او تقارير البنك الدولى, او “صندوق النقد الدولى”..عندما تصنف و تصف السودان(او اى دوله اخرى), بأنه “دوله فاشله!”..او “دوله فاسده!”..او ان “إقتصاد الدوله منهار!”..او تصنف امريكا السودان ك”دوله راعيه للإرهاب!” مثلا, فهل المقصود هنا هو “فساد الشعب! او فشله!” او ان “إقتصاد الشعب منهار”, او ان الشعب السودانى “إرهابى”!!
    * بداهة, المسؤليه تقع على الدوله, و بالكامل!!..و “الدوله” هى الأجهزه الرسميه السياسيه و الإقتصاديه و الاجتماعيه, و مؤسساتها, و قوانينها, و لوائحها و نظمها..و هى المسؤله, أولا و أخيرا, عن “توظيف” و “توجيه” موارد “ارض” السودان البشريه و الطبيعيه و الماديه, لتنمية و رفاهية “الشعب!”..و تذهب حال فشلها فى ذلك!.
    * ان “إنكار الخطأ!”, او “محاولات” التنصل عن ” تحمل مسؤليه الفشل!”, أو اسناده “لآخرين!”, هى ديدن “الأنظمه المتسلطه”!!..و هى ,ايضا, أردأ مراحل “الإنحطاط الأخلاقى” الذى عرفته البشريه..و لذلك, تتردى “احوال الشعب” من يوم لآخر..و يستمر “الخبال” و ينتشر!!.

  2. ( لو عثرت بغلة في السودان لسأل الله تعالى عنها الشعب السوداني
    : لِمَ لم تمهد لها الطريق يا الشعب السوداني )

    قرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقرقر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..