مقالات وآراء

سكة ضياع والمسكوت عنه

طارق يسن الطاهر

 

هو مسلسل سوداني يُعرض حاليا في رمضان ، تناول عددا من القضايا التي كانت تعد من المسكوت عنه ،ولا يناقشها إعلامنا، وكانت تدور في خبايا المجالس . تلك هي قضايا النهب وقطع الطريق والخطف و”كسر البضاعة” وسكن الطالبات في شقق وحدهم ، والتحكم في سوق العملات الأجنبية والخمر والمخدرات المنتشرة بين أوساط طلاب الجامعات ، وكذلك الزنا والإنجاب غير الشرعي والأطفال مجهولي الأبوين، والمشردين ، وسطوة طبقة الأغنياء على المجتمع ، والتفكك الأسري ..

تناول المسلسل تلك الظواهر بمهنية عالية ، وحرفية متقنة ؛ مما جعل المشاهد يدخل في مرحلة التطهير الدرامي لهذه السلوكيات غير المرغوب فيها .

فتح المسلسل الطريق لأن تتبعه أعمال أخرى، تناقش تلك الظواهر حتى تكشف مصادرها وأسبابها ؛ كي يعمل المختصون على كيفية محوها وإزالتها لينظف المجتمع.

مجتمع السودان شأنه شأن بقية المجتمعات ، فيه الخير والشر ، فمجتمع الصحابة لم يخلُ من سرقة وزنا وقتل – والرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم – كما حدثتْنا الأحاديث  النبوية ، ولكننا دائما نردد أننا بخير، ونظن أن مجتمعنا بمنأى عن تلك التأثيرات التي طالت جميع المجتمعات ، كنا كثيرا نتغاضى عن الحديث عن هذه السلوكيات حتى فرضت نفسها ، وفاحت رائحتها ، وطفت على السطح، وأصبح السكوت عنها جريمة لا تقل عن الجريمة الأصل .

سكة ضياع ، صرخة في وادي الصمت الأسري؛ حتى يتنبه الآباء لأبنائهم وبناتهم ، وصرخة في وادي الصمت الأمني؛ حتى تضطلع الجهات الأمنية بدورها في حماية المواطن؛ كي تتمكن الفتاة من السير على أرصفة طرقاتنا دون الخوف على حقيبتها ، وكي ينام الإنسان في بيته بلا خشية أحد يسطو عليه ليلا لينهبه، ولو قاوم لقتله.

سكة ضياع صرخة في وادي صمت أساتذة علم الاجتماع وعلماء النفس لدراسة أسباب هذا الانحراف السلوكي الذي خيَّم على مجتمعنا. والعمل على وضع الوصفات الناجعة لعلاج هذه الأدواء المجتمعية.

سكة ضياع صرخة في وادي صمت الساسة ؛ ليلتفتوا ويهتموا بشؤون الناس ، ويتركوا خلافاتهم وانشغالهم بقضاياهم الخاصة ، واللهث وراء الكراسي ، حتى تفكك المجتمع .

فنيا يعاب على المسلسل

الضعف في بعض جوانبه ؛ إذ إن الصوت ليس دائما واضحا ، فبعض الممثلين أصواتهم لا تكاد تبين ، وكذلك ضعف القدرات الدرامية لدى أكثر الممثلين رغم تميز بعضهم مثل أحمد الجقر وهاني عوض الله ومفاز بشرى ، وقلة أخرى .

كذلك يعاب على المسلسل بعض الأخطاء غير المنطقية ؛ إذ مرت أكثر من ثلاثين سنة من أحداث المسلسل ومن عُمْر الممثلين فيه ، وتجد بعض الممثلين لم تتغير هيئاتهم ولا أشكالهم “عوض نموذجا” .

ومما يعاب أيضا الحوار -في الغالب- كان ركيكا، ومفرداته متكررة ، ومضامينه هي هي ، ورغم ذلك يطول جدا بلا فائدة ، رغم واقعية الحوار -وهذا أمر جيد- بمعنى أن كل شخصية تتحدث باللغة التي تلائمها حسب تعليمها وحسب خلفيتها المجتمعية والثقافية رغم ذلك يبقى المسلسل فنيا مميزا ويتفوق على كثير من أعمالنا الدرامية التي سبقته، ومن هنا، يتوجب على فريق عمل “سكة ضياع” أن يسعى جاهدا للانطلاق من هذه النقطة للأمام، والبناء على هذا النجاح لتحسين الأداء أكثر وأكثر وعدم الرجوع إلى الخلف.

[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..