ثقافة الاستقالات

نحن نرجو كل من فيه بقايا خجل أن يستقيلا
نحن لا نسألكم إلا الرحيلا
وعلى رغم القباحات التي خلفتموها
سوف لا ننسى لكم هذا الجميلا
مفهوم ثقافة الاستقالات يتطلب تقبل مبدأ الشفافية والمصارحة حيال ذكر أسباب الاستقالة، وأن يتفهم الآخرون المبررات ويتقبلونها ، فمتى ما شعر المسئول المستقيل بتقدير خطوته، وبحفظ حقه، وصون كرامته، فإنه سيقدم على تحمل المسئولية وتقديم استقالته . أن غرس هذا المفهوم في المجتمع يتطلب الكثير من الجهد، والدراسة، والوعي للعمل على تحويل هذه النظرة الاجتماعية السلبية إلى خطوة ايجابية تصب في مصلحة المجتمع والوطن ، وكخيار مهم تحتمه ظروف إدارية صرفة واعتبارات عملية ليس إلا.. مع التوقف عن تصوير الاستقالة وكأنها هروب عن الجزاء القانوني أوخروج عن النص المألوف.
الا ان مبدأ الاستقالة غير مألوف عندنا في السودان ، لان الوازع بالشعور على الخطأ غير متوفر في النفسية المتسلطة بتاتا .
ويرى الخبراء أن هناك ثلاث حالات تدفع المسئول الإداري للاستقالة: أولاهما إرتفاع لمستوى الشعور الاخلاقي لديه مما يشكل ضغوطا داخليه تدفعه نحو الاستقالة والثانية هي إرتفاع مستوى الضغوط الخارجية على المسئول ممثلة في العوامل الادارية والاجتماعية والسياسية. أما الحالة الثالثة فهي سيطرة الضغوط الداخلية و الخارجية على المسئول الاداري مما يعني رحيله أسرع من الحالتين السابقتين، وعندنا مهما بلغ الامر من أسباب الفشل فلا يقدم المسئول على مثل هذا النوع من الادبيات ، بل ينتظر الاقالة واذا غض الحاكم عن الامر كأن شيئا لم يكن .
وفي السودان، يندر أن يستجيب المسئول الإداري لنداءات الضمير نتيجة فشله الذريع في إدارة ما كلف بها ، وذلك بسبب سيطرة المصالح المادية و السلطوية على النزعة الاخلاقية. والحالات الأكثر شيوعاً من ذلك فتتمثل في العوامل الادارية والاجتماعية والسياسية التي تدفع المسئول الاداري للتنحي كرهاً وليس طوعاً. وقد لاحظنا في مجتمعنا وجود عدد من حالات الفشل الاداري الذريع دون أن يتبع ذلك أي تفكير للتنحي من قبل المسئول ولولا تدخل القيادة السياسية العليا بقرارات حاسمة في بعض الاحيان لبقي الاداري في منصبه إلى أن يتقاعد دون أن يكون لديه أدنى شعور بتأنيب الضمير أو الحاجة للتغيير.
وكثير ممن تقدموا باستقالاتهم تدخلت فيها الضغوط الخارجية التى غالبا ما تكون من القيادات او المستفيدين من مثل هذه الحالات وتسمى حينئذ “إتاحة المجال للغير” أو نحو ذلك من الذرائع ذات الصبغة الاخلاقية وهي في حقيقية الامر لاتمت للخلق النبيل بصلة!! ولولا الثورة المعلوماتية وثورة الاتصالات في هذه الحقبة من الزمان ، والتي تسلط الضوء على كثير من الحقائق لبقي كثير من المخالفين والمتخلفين على سدة القيادة .
الاستقالة من العمل هي بالتأكيد قرار صعب؛ فهو يرتبط بأسلوب الحياة والطموحات، لكنه في أحيانٍ كثيرة يمثل القرار الوحيد المتاح لتلافي كثير من المعضلات ، وهذا ما أظن ما ذهبت اليه وزيرة الدولة بالعدل عندما تقدمت باستقالتها خوفا من الضغوط الداخلية بسبب متاجرة ابنها أو تعاطيه للمخدرات التي قبضت بحوزته في العربة التي تتبع للدولة . والتي رفض رئيس الجمهورية قبولها، لاسباب لا نعلمها .
عموما قبول استقالة المسئول المتهاون في مسئولياته أو رفضها لا تغنيه عن المسائلة القانونية ، او رد الحقوق لاهلها .
[email][email protected][/email]