السودانيون في(الدياسبورا).. وجدل الواقع والأحلام..!!

عبدالوهاب الأنصاري

(::)
اللجوء، أوالهجرة، بغرض الإستقرار في دولة أجنبية غربية في أوروبا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، أو أستراليا, ليس هي بالأمر الهين كما يتصور البعض، ويُمّني النفس، ويتصور ذلك حلماً بنفسجياً، لقلة خبرتنا، وهشاشة تجربينا في هذا المضمار، الذي فرضته حكومة التطهير العرقي، والإبادة، والإستبداد، وسوء الأحوال المعيشية، وإنسداد أفق الآمال، (مُجبر أخاك لا بطل).

(::)
بل هي مسألة بالغة الصعوبة، وشديدة التعقيد والمخاطر.. تبدأ ولا تنتهي حتى بعد (إكتمال أوراقك)، بنيل جنسية الدوله المعنية، أي بعد الإعتراف بك كلاجيء سياسي، ومنحك (إقامة دائمة)، وهي المرحلة التي تسّبق إكتساب )الجنسية)، بعد إستيفاء شروط تّعلم اللغة، وأداء ساعات العمل المطلوبة، حيث (الجنسية) هي المحطة النهائية، لهذا اللهاث، المارثوني الطويل، بعد (5) سنوات، وهي أقل مدة تُمنح بعدها الجنسية لتصبح بعدها (مواطن) مُتمتِع بحق المواطنه، وليست أجنبي مُقيم، وفقاً للقانون ومسجل في سجلات (البلدية) في الدولة المعنية، و مُقّيد حرية الحركة بالحدود المشروطة، ووفقاً للقانون أيضاً، و تحت (كفالة) ورعاية، أخصائيي مكتب الرعاية الإجتماعية، حتى يشب طوقك وتعمل.

(::)
ما يقابلك من سلوك حضاري، من موظفي الخدمة العامة في (البلدية) أو أخصائيي الدعم الإجتماعي، أو مكاتب العمل، أو المدارس، وتدريجك خطوة خطوة، بغرض الأندماج في المجتمع الغربي الجاف، من وجه صبوح طلق، وعبارات رقيقة، وإبتسامات مشرقة ودّوُدة، من خلال تَعاملهم اليومي معك، وما تِستشّعره من رقة، وأدب، وذوق راقي.. وما يطرب أذنك من كلمات مهذبة بين الفينه والأخرى، بمختلف اللغات الـ 25 في دول الإتحاد الأوربي.. مثل ( يوم سعيد، مساءك سعيد، ومن فضلك، وشكراً، وتفضل أجلس).

ثم يأتيك الموظف في غرفة الإنتظار ويأخذك لمكتبه لتجلس، ثم يبدأ في إنجاز معاملتك وتوجيهك بأدب جم. وإحترامٍ بالغ، وصبر مستحيل، ما هي في واقع الأمر، إلا مسحة مدنية، لإيقاع الحياة الغربية الجاف والقاسّي، مما يستقبله الوفداون، أمثالنا بدهشة ترفعنا مقاماً إنسانياً رفيعاً محموداً الذي ننشده.

ونحن القادمون من بلدان الجفاف، والجلافة، والتعامل الفظ، وعنف البادية، والقول المُجاف: “يازول إنت ماسامع، دة راسوا كبير يا جنابو، أقفلو عشان يعرف حاجة، تعال بكرة، إنت مابتفهم، ماقلنا الخزنة قفلت، الجماعة ديل مشو (بِكا) تعال بكرة، الشبكة طاشه.. ” كنا نرجم بهذا (الدُراب) ضُحى، ثم نسّمع فجاءة، ما يُوقع، فينا حبوراً آثر كأنه غزل لطيف فنُصرع بدهشه محببه للنفس، وفي بقعة، لا تجوع فيها ولا تعرى، فنصاب بالذهول !؟.

(::)
الغالبيه من اللآجئين والمهاجرين لم يسألوا أنفسهم ” ثم ماذا بعد الوصول، والحصول علي الإقامة الدائمة ؟.. في (فراديس) العالم الغربي، المُتصور والحُلم المُرتجى، الذي رسخ في عقولنا، ببراعة وحذِقة عبقرية هوليود السينمائية، في المسلسلات، والأفلام الأمريكية، ونظرائِهم سحرة صناعة السينما في أوروبا الغربية، وفي الميديا وتطبيقاتها الذكية.. ومِن روايات بعض السابقين في المهاجر ورواتيهم الأسطورية، المعلقة في جدار الخيال الواسع الخصيب، ونحن القادمون من قفار الدنيا، متدثرين بالمتربة، والمفقرة، والبداوة والبدائية في كل شيء، وحاملين هموم الدنيا، وحالمين بحزمة أمنيات ثقال، ومن خلفنا أُمة من الأهل والأصدقاء، تعشم وتنتظر، الفرج المأمول، وجيش من (الحارين) والمؤملين فيك، الجيرة، وفك الحيرة.. ونحن متحزمين، وفي ذاكرتنا بلاد الخليج العربي الثرية، وتجربة الإغتراب التي غيرت مجرى حياة الكثير منا، من مشقة العسر، إلي ميسرة اليسر، بشكل مدهش، و نحن نتجمل (كذباً)، عسى ولعل.. هنا المعادلة غير، والوسائل مختلفة !؟.

(::)
لعل الإجابة على هذا السؤال الماثل، ثم ماذا بعد الوصول إلي أوروبا، أو غيرها من الدول الغربية؟ يفرضه الواقع المعاش، وفي قلب دوامة الحياة الغربية الصاخبة، يتحتم ذلك، وهو سؤال يُقلق مضاجِع الكثيرين، من المعايشين لهذه التجربة الرهيبة.
فمثل ذلك التساؤل يضعنا وجها لوجه أمام مسئلة، مؤهلاتنا، وخبراتنا، قُصاد، قوم أشبه بالسحرة، أو ساكني وادي عبقر، في تخصصاتهم ومجالاتهم العملية، وصرامة نُظمهم الأكاديمية.

مع مصاحبة أهم عنصر وهو عنصر اللغة، الذي هو مفتاح الإندماج وسر الحياة، وعنصر الزمن الذي قد يطول، وغيره من العناصر الأخري المكملة للموضوع،إضافةً لذلك قُدرتنا على التعايش مع الآخر، في بيئه الحرية فيها مُشرعة تكاد تكون لا سقف لها.

(::)
فأول ما يكتشفه المرء، مِن الحائزين على درجة علمية، من جامعاتنا، عندما يتقدم لمعادلة شهادته، والتي تتطلب مجمل شروط، يكتشف بعدها، أن شهاداته غير معترف بها، وإن كان من الممكن العمل بها بعد تّكملت عدد من الكورسات المعادلة، ولكن ذلك بالطبع لا يمكن عملياً، دون إجادة لغة البلد والتمكن منها، مثل (الفرنسية، أو الألمانية، أو الهولندية، أو الإنجليزية، أو الإسبانية) أوغيرها من اللغات حسب البلد.

و مسألة التمكن من اللغة وإجادتها ليست أمراً متعلقاً بالعمل، وحسب بل هي شرط لنيل الجنسية والإندماج في المجتمع، والعيش بسلام، ومواكبة نسق الحياة السياسية، والثقافية، والإجتماعية، اللآهث، و(من عرف لغة قوم أمن مكرهم) وإستطاع العيش بينهم.

(::)
طريقة تربيتنا، ونشئتنا الفطرية تقوم على مبدأ، وإلية الوصايا والمعيشة الجماعية، بينما ترتكز لبنة الحياة في الدول الغربية و(الليبرالية) بشكل أساسي وجوهري، على الفردية والمسئولية الشخصية، التي تجسد الواقع المادي القاسي للحياة في الغرب الرأسمالي، يتطلب ذلك حسابات إقتصادية، صارمة ومحسوبة بدقة دوان الساعة، لتسديد سيل منهمر من الفواتير، بإنتظام وحزم لا يقبل الهّزل، وإلا ستتراكم عليك مبالغ مضاعفة بإضافة حساب الفائدة للفواتير المتراكمة، من جراء التأخير في السّداد وتظل في دوامة متوالية هندسية، من الديون، وتدخل حلقة جهنمية دائرية ما لها من غرار.

(::)
يرتبط إندماجنا في المجتمع الغربي بشكل جوهري، على مدى قدرتنا على التأقلم و التكيّف في المجتمعات الجديدة، بموارد إقتصادية شحيحة حد الكفاف، (منحة الدعم الإجتماعي)، وحتى بعد دخولنا سوق العمل الصعيب، في بدايته بحده الأدنى.

ثم يتوجب عليك أن توطن نفسك وتصبر، على فراق الأهل والصحاب، طويل الأجل، والأحباب، التي قد لا يَسعفنا الزمن لرؤيتهم مرة أخرى، أو نودع أعزئنا الراحلين إلى دار الخُلود، ونحن في هذا العالم الغيهب.. المشهد بِجد، ينطلق بسرعة عالية الوتيرة، بلا كوابح، ويعصف بالذهن في بلدان المهاجر ويستحضن القلق، والظروف السياسية، والمعيشية الصعبة، في بلادنا تعطل الوجدان، ونظل بين مطرقة الوطن الممزق، وسِندان المهاجر المتحجرة نُطحن.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. عرض واقعي … وبتجربة خصبة ( الكراعو في الموية )….
    وإن أضفت لها هم أولياء اﻷمور ( بتربية وتنشئة اﻷبناء) في المهاجر
    بعيدا عن ( ديار أم زين) …تصبح المهمة جبلا من ( الكوابيس ) تلاحقك
    في منامك وصحيانك …( والقفا أعوج ).. كما صرخة ( طارق بن زياد )…
    { البحر خلفي .. والعدو أمامي } ….تسلم يا [أنصاري].. ننتظر القادم { قادمك}

  2. الاخ الكريم عبدالوهاب رد الله غربتك

    قلت لى 5 سنوات كتيرة عشان تاخد الجنسية؟؟
    ياخى الخمسة سنوات دى بقضيها الخريج الجامعى فى السودان سواقة ركشة بس قبل ما يلقى حاجة عندها علاقة بتخصصه

    المغتربين غيروا حالهم الى ميسرة؟
    نقول ليك الجرى والطيران ما بتلموا.. المغترب عارف نفسه انه سنده فى الدنيا انه يعمل ليهو حاجة تستره وتستر عياله عشان غربته مهما طالت فهى “مؤقتة”
    اما الهجرة فهى تختلف تماما ..
    ثم ثانيا، النظام الاقتصادى فى الدول الغربية بيعتمد اساسا على الاستهلاك وكل شىء محسوب ،واظنك ذكرت موضوع الفواتير. ما تنسى الاقساط ، السيارة والتامين والبيت وهلم جرا .. يعنى انسى حاجة اسمها توفير عشان الاهل والجيرة .. واسال المهاجرين فى دول زى كندا .. تكون عايش مرتاح لكن من غير توفير .. فلازم تواجه حقيقة انو الغربة ماهى الهجرة.
    فى النهاية عندى ملاحظة وهى انو كلامك فيهو تعميم وكأنه حقيقة مطلقة، فكل انسان له ظروفه ودوافعه وامكانياته ، فهى حسابات فردية بحتة. وكل شىء له ايجابياته وسلبياته وعليك بالتركيز على الايجابيات والاستفادة من الظروف المتاحة اينما كنت.
    ما تعانيه من حنين، دى مشكلة معروفة فى الجيل الاول. اولادك حيكون حنينهم اقل بكتير “تعتمد على الصورة البترسمها ليهم عن الوطن الام”، اما اولاد اولادك بيكونوا بقوا مواطنين منتمين للبلد الاتولدوا فيهو.وبالمناسبة هم المقصودين من قبول هجرتك ، يعنى الخواجات عينهم على الوليدات اكتر منك انت.
    اركز ياخى وماتنسى انه اصلها العشرين سنة الاولى صعبة، بعدين بتتعود او بتتأقلم زى ما قالوا الناس الخبرة
    وماتنسى برضو انو مافى راحة الا فى جنة عرضها السموات والارض
    نسأل الله لنا ولكم نعيما لا ينقطع فى فرودسه الاعلى
    ودمت اخى

  3. شكرا عبد الوهاب علي ما ذكرته ولكنه لا ينطبق علي جميع المهاجرين. لان هدف الهجرة والرؤية المستقبلية يختلف من شخص لاخر ولا يشمله هذا التعميم في المقال. هناك عدد كبير هاجر وفي مخيلته ان يعود منتصرا للبلاد وهذه المجموعة خابت امالها كما ذكرت. المجموعة الاخري، هاجرت لوطن بديل يضمن الاستقرار والعمل وتربية وتعليم الابناء والبنات في افضل الجامعات لضمان حياة لهم افضل مما الفها والديهم. هذه المجموعة نجحت في المهاجر مثلما نجحت المجموعات المهاجرة من الدول الافريقية والاسلامية فى الغرب. علي السودانيين الذين لم يستطعوا مواكبة الحياة فى الغرب بدائل اخري، وعلي الذين يودون حذو خطي من سبقوهم من المهاجرين الى الغرب والنجاح لهم وابنائهم في ارض الله الواسعة ان يستفيدوا ويستغلوا كل الفرص التى لم تتوفر لهم في بلدانهم ولا في الدول العربية للمغتربين، وان يتصالحوا مع انفسهم يحددوا مستقبلهم ويمارسوا حياتهم الاجتماعية والدينية اينما استقر بهم المقام.

  4. شكرا ادارة الراكوبه علي رفع التعليقات العنصريه والي الامام نحو سودان موحد وحرية صحافه بادب شكرا

  5. كلامك أوقد نوستالجيا السودان فينا

    والله انا ماتميت سنتين في الخليج وكلو يوم ببكي داير ارجع وماقادر بسبب الكيزان والعملوهو في البلد..قولنا الروب ياعبد الوهاب..

    نحن المغتربين والمهاجرين بندفع أثمان لا يراها الشخص العادي –أنا لم أتجاوز الثلاثين لكن بسبب الغربة وهمها والبعد عن الوالدين أصبحت زبون دائم للدكاترة شي عدم نوم وأرق شي قلق شي عدم شهية شي جيوب أنفية

    والله ماضقت العافية من فارقت السودان ربنا يرفع عننا البلاء

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..