أميركا وإيران ……اتفاق أم تأجيل للصراع؟

أوردت صحيفة انترناشونال نيويورك تايمز في عددها الصادر بتأريخ 15/7/2015 تقريراً سياسياً مفصلاً عن الاتفاق الذي توصلت إليه أمريكا والدول الأوروبية مع إيران حول برنامجها النووي أشارت فيه إلى أن الاتفاق قد نزع فتيل التهديد النووي الإيراني ولو كان ذلك لعقد واحد من الزمن أو أقل مما يتيح للرئيس الأمريكي أوباما وخلفائه فسحة من الوقت لإعادة هيكلة علاقات الولايات المتحدة مع إيران على الرغم مما كان يشوبها من عداء مستحكم وعميق مع أن ما أعلن من معلومات حول الاتفاق حتى الآن لا يدل على استبعاد مقدرة إيران على أن تصبح دولة نووية في نهاية المطاف إلا إنه قد يؤجل ذلك إلى حين! وأوردت الصحيفة في تقريرها آراء عدد من صناع القرار ممن أدلوا بدلائهم في هذا الملف الشائك عبر حقب مختلفة ولذلك لا غرو أن يصف رجل مثل هنري كيسنجر الذي تولى ملف اتفاق مشابه مع الصين سابقاً بأنه “قاتل” ووافقه في ذلك جورج شولتز الذي قال: إن الاتفاق ليس فيه ما يمكن أن يغير عداء المتشددين للغرب” بينما يرى آخرون أنه يمثل بداية حيث أن كبار المسئولين من البلدين الذين لم يتحدثوا مع بعضهم البعض لأكثر من ثلاثة عقود قد قضوا عشرين شهراً في اجتماعات مغلقة وهم يتناقشون حول أجهزة الطرد المركزي الإيرانية ولكنهم في نفس الوقت أدركوا كيف ينظر كل منهم إلى الآخر. في واقع الأمر لقد كان الاتفاق مؤلماً بيد أنه ضروري بحسب السيد نيكولاس بيرنز الذي وضع مسودة العقوبات المفروضة على إيران وهو لذلك يرى أن الاتفاق يمثل نهاية البداية لمسعى متواصل من أجل احتواء إيران وبالتالي لا تزال هنالك أحداث كثيرة قد تأتي لاحقاً. وعندما قال الرئيس أوباما في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة تنصيبه في يناير 2009 ” نحن نمد أيدينا إذا كانوا هم على استعداد لبسط قبضة أياديهم” إنما كان يعني ملالي طهران” وكانت تلك العبارة تدل من جانب آخر على أن فترة جورج بوش قد انتهت باستشراف مرحلة جديدة تقوم على العمل الدبلوماسي. ولكن عندما واجههم العناد الإيراني لجأ مساعدو الرئيس الأمريكي إلى فرض العقوبات التي خفضت دخل إيران من النفط وحرمتها من التعامل مع النظام المصرفي العالمي وعرقلت تقدمها في المجال النووي! الآن يتوقع كبار مساعدي الرئيس أوباما بأن تكون تجربة التعامل مع إيران أكثر تعقيداً من تعاملها مع كوبا وماينمار لأن كلا الدولتين لا تشكلان تهديداً كبيراً لمصالح أمريكا وحلفائها سيما وأن برنامج طهران النووي ما هو إلا واحدة من أدواتها لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وهنالك احتمال سيظل يشكل خطراً وتحدياً للولايات المتحدة مرده إلى أن ملالي طهران يمكن أن يعوضوا عن خسارة برنامجهم النووي بزيادة الدعم المالي لحزب الله وحكومة بشار الأسد في سوريا علاوة على استعراض عضلاتهم في مناطق الصراع الأخرى في الإقليم. فقد بدءوا الآن في تشكيل خلايا عبر شبكات الإنترنت لاستخدامها ضد المملكة العربية السعودية وأمريكا عند الضرورة. وخلال عام أو أقل من ذلك سوف يتوفر لطهران قدر كبير من التدفق النقدي من خلال تصدير وقودها النووي إلى الدول الأخرى كما أن عائداتها من النفط سوف تبدأ في التدفق مما يعزز علاقتها المالية دولياً. من جانبه يراهن الرئيس الأمريكي على أن إيران بعد أن يرفع عنها الحظر الاقتصادي سوف تعكف على تحسين المستوى المعيشي لشعبها الذي عانى الأمرّين جراء الحصار خلال السنوات الماضية! وهو لذلك يتوقع أن تكف إيران عن دعم الأنشطة والمنظمات الإرهابية مالياً وقد توقف الصرف في مجال النشاط النووي. ولكن هل فات على الرئيس أن ملالي طهران ملتزمون بمبادئ الثورة كما أعلنها آية الله الخميني في عام 1979؟ ولذلك قد يستخدمون المال والشرعية التي حصلوا عليها بعد توقيع الاتفاق لتحقيق مصالحهم. وإلى أي مدى يمكن أن يكون هنالك تعاون وتنسيق مشترك بين أمريكا وإيران في المجالات التي تتداخل فيها مصالحهما مثل الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية؟ عموماً هنالك نقطة مهمة جداً تخدم مصالح البلدين آنياً وهي الخروج من دوامة الصراع كما يقول بنجامين رودز أحد مستشاري الرئيس أوباما للأمن فقد ذكر أن الرئيس يريد أن يخرج من هذه “الحفرة التاريخية”. وفيما يخص حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط فإن إسرائيل ودول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية ينظرون إلى هذا الاتفاق بشيء من التوجس والحذر لأن الاتفاق سوف يساعد إيران على الحصول على الأموال والقوة وبالتالي التأثير في المنطقة الأمر الذي قد يدق إسفيناً في مجال تغيير حدود الدول التي تتمتع فيها أمريكا بقدر من النفوذ والمصالح ولذلك فإن التحكم في هذا التخوف لن يقل أهمية عن التحكم في المفاوضات والتعامل مع الملف الإيراني. وهذا ما يجعل الكثيرين يعتقدون بأن الاتفاق لا يعدو كونه تأجيلاً للصراع بين العدوين اللدوديين.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أما فيما يخص امريكا وإيران فان الولايات المتحدة و على لسان كل قادتها تقول للعالم بالفم المليان:
    ليست لنا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة ولكن لنا مصالح دائمة.
    فقط الولايات المتحدة قاطرة كبيرة كما يقولون هم أيضاً و تحتاج استدارتها لمساحة كبيرة لذا استغرق الامر كل هذا الوقت لان انتخاب اوباما كان لتنفيذ هذه الاستدارة و قد تمكن من بدء الاستدارة بعد حوالي ست سنوات من توليه الامر بيد ان الاستدارة مازالت في بدايتها و كما يرددون الان ان ماقيل اتفاق ڤينا ليس كما بعده.
    اما نحن في العالم العربي فنلطم الخدود و نشق الجيوب لان امريكا لم تفعل شيئاً لأجلنا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..