وزارة لأمريكا

وزارة لأمريكا

عبد الحفيظ مريود

* ذات عام، أعجبني مقال للأستاذ حسين خوجلي، حين كانت (ألوان) ألواناً، و(كانت أم درمان حكاية) كما يحلو (للمتسامرين) من مترفي أم درمان. حسين خوجلي قال في مقاله ذاك، عامئذ، إننا لا نحتاج إلى ذاك الكم الهائل من الوزارات. ذاك كان قبل أن تبلغ الوزارات نيفاً وثلاثين. قال إننا نحتاج إلى وزارات مرتبطة بحاجاتنا الحقيقية، وعدد منها، بلطافة جميلة (وزارة للزواج) و(وزارة لأمريكا) باعتبار أنهما القضيتان الأكثر إلحاحاً في حياتنا. ولو أعاد الأستاذ كتابة مقاله، لأدرج وزارة (للوحدة والانفصال) و(وزارة لبائعات الشاي)

* لكن الأمور تطورت، منذ ذلك الوقت، فجاء (حزب التحرير- ولاية السودان) يتظاهر الخميس الماضي أمام مبنى السفارة الامريكية الجديد، بسوبا، ضد افتتاح السفارة. باعتبار أن أمريكا دولة (محاربة)، ولا يجوز أن تقام لها سفارة في أي بلد إسلامي. وأظن أن منطق الحزب- كما جرت العادة- يضيق واسعاً من الفقه والسياسة والجغرافيا والتاريخ، ويحيلنا ? مثله مثل طروحات السلفيين- إلى متخيل، وهمي، غاية في النوستالجيا.

* المنطق الذي جرى، هو أن أمريكا تدعم إسرائيل، وإسرائيل دولة مغتصبة لأراضي من الرقعة الجغرافية المخصصة للأمة الإسلامية، وعليه، فداعم عدوك عدو لك. وعليه لا يجوز إقامة سفارة لها هنا أو في أي دولة إسلامية أخرى. لكن حزب التحرير ينسى أن بعضاً من الدول الإسلامية ذاتها، فتحت سفارات في دولة إسرائيل، أوسمحت لسفارات إسرائيلية ? وليس أمريكية- أن تقيم سفارات على أراضيها.

* لكن المنطق الآخر، الذي يحكم تفكير حزب التحرير، والكثير من الجماعات السلفية، هو أن تكليفهم الشرعي هو المقاطعة. أو التظاهر، أو التفجيرات، أو الحرب، أو الدعاء على أمريكا ومن لف لفها بالهلاك، والدمار وإيتان بنيانهم من القواعد. وهو فهم خاطئ ? دون شك- لحدود التكليف.

فالتكليف هو الدعوة بالحسنى، وسوق الناس جميعاً إلى عبادة الحي القيوم، إلا إذا اعتدوا عليكم. وهي مسألة مختلف في تقديرها. في دفع الأضرار وجلب المصالح. هذا فضلاً عن أن ثمة اتجاه كبير في الولايات المتحدة وأوربا إلى الإسلام، حتى ولو على تأثير أجيال المهاجرين من المسلمين، فالدعاء عليهم بإتيان بنيانهم من القواعد، دعاء على المسلمين هناك أيضاً، ودعاء على أهل الكتاب من النصارى، الذين هم أقرب مودة. ولو أن السلفيين جميعاً من صالحي عباد الله. أو لو أن دعوة صالح منهم ، استجيب لها. لتم دمار العالم (الأول) منذ أكثر من قرن. لكن حكمته ? تقدست أسماؤه- لا يمكن اكتناه دقائقها بـ(الهرجلة) والتسرع والتخبط في الجهل . (ولو كانت الدنيا تسوى عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافراً شربة ماء).

* المعطيات في العالم الراهن،لا تستجيب إلى مثل (أحفاد الراشدين.. اطردوا أعداء الدين) عن أي أحفاد يتحدث حزب التحرير، وعن أي راشدين؟ في تأمل سورة (الروم) سيجد حزب التحرير، أن (يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) هو فرح المسلمين بنصر إخوانهم من أهل الكتاب، النصارى، أي أن ثمة إخوة بيننا أقرها العليم- تقدست أسماؤه- غير خاضعة لأهواء السلفيين، ولو شاء الله لجمعكم على الهدى.

* استحث الأستاذ حسين خوجلي أن يكتب عن (وزارة لأمريكا) و(وزارة مكافحة السلفيين) بالتي هي أحسن، مثلما ابتعث الإمام علي كرم الله وجهه، عبد الله بن عباس، ليردهم إلى الحق، مشدداً عليه ألا يجادلهم (بالقرآن لأنه حمال أوجه). ولأنه (ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه).

* وتبقى الولايات المتحدة، جزءا من حضارة الإنسان على الأرض، نسأل الله أن يهدي عصاتها، وعصاتنا، وضاليها وضالينا، إلى سواء السبيل، إنه ولي الهداية.

صحيفة الحقيقة

تعليق واحد

  1. يا اخوي ما تصدق نصهم حاملين جنسيتها و كذلك بعض دستوريينا لماذا لا نكون مثل مصر بمنع كل من له جنسية اجنبية بتولي موقع دستوري؟؟؟؟؟؟؟؟:mad: :mad: :mad: :mad: :mad: :lool: :lool: :lool: :lool: :lool: :lool:

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..