زيارة الشيخ علي بيتاي

تعتبر المنطقة الواقعه جنوب ولاية البحر الاحمر وشمال ولاية كسلا تعتبر منطقة رمادية والمعروف عنها القليل من المعلومات الموثوقة ولذلك تم الإتفاق بين وزارة الصحة الإتحادية والصحة العالمية لإرسال تيم صحى لتلك المنطقة بقيادتي لتطعيم المواطنيين هناك وتقديم تقرير مفصل عن الأوضاع الصحية .
تم اختيارى لقيادة التيم أو الفريق نسبة لمعرفتى للغة المواطنين وعاداتهم وتقاليدهم .
وضعت خطة وجعلت نصف فريق العمل من النساء لمعرفتى بعادات السكان وعدم قبولهم دخول الغرباء لبيوتهم أو مقابلة نسائهم .
انطلقنا لهمشكوريب وكانت تلك أول زيارة لي لهمشكوريــب . عند وصولنا لهمشكوريب رحب المواطنون بنا ترحيباً حاراً ثم اخطروا الشيخ على بيتاى بوصولنا ثم جعلوا واحد من اقربائه اسمه محمد ديـن ابو امنــه ? وهو شخص رائع علمت مؤخراً انه قد توفي وقد قابلت احد ابنائه فيما بعد ? كان المرحوم محمــد ديـن ابو امنه مطلوب منه ان يكون ملازماً لنا يسهل كل امورنا وقد انجز مهمته على الوجه الامثل .
كان محمد دين ابو امنه رجلا مرحاً ومتفهماً وعرف مهمتنا وشاركنا في وضع احسن الخطط لإنجازها لقد سالنى محمد دين ابو امنه عن اسمى وقبيلتى وطبيعة عملي وغيرها من التفاصيل الشخصية وفي اليوم التالي اخبرنى ان الشيخ على بيتاى يريد مقابلتى .
حقيقة لم اكن اعرف الشيء الكثير عن الشيخ على بيتاى الا قصة حكاها لى اخي المرحوم هاشم بامكار عنه فقد حكي لى هاشم انه اثناء وجوده بالخرطوم نائباً بالجمعية التاسيسية حضر الشيخ على بيتاى مستشفياً فقابله مع النواب البجا بالخرطوم وعندما سكت جميع النواب بحضور الشيخ على بيتاى قال هاشم اننى احببت ان اقطع الصمت ? وهاشم بامكار معروف بالجرأة الشديدة قال هاشم للشيخ على بيتاى (يا شيخ على نحن نواب البجا كالايتام وسط النواب بالخرطوم لان كل جماعة من النواب عندهم شيخ . ونواب حزب الامة عندهم شيخ ، ونواب الإتحاد الديمقراطي عندهم شيخ ، وكذلك البقية عندهم شيوخ ، ونحن نواب البجا فقط ليس لنا شيخ ونرجوك ان تقبل ان تكون شيخاً لنا ) . فقال الشيخ على بيتاى رداً على هاشم (آل المهدى والمراغنــه درجتهم كبــيرة ) . فرد عليه هاشم بامكار سريعاً (يا شيخ على بيتاى أنت قد رايت الرسول صلى الله عليه وسلم وبلغت كلامه لاهلك وهؤلاء الذين ذكرتهم لم يروا الرسول صلى الله عليه وسلم ولن يروه فدعك من التواضع وأقبل طلباً بأن تكون شيخاً لنا ) .
ضحك الشيخ على بيتاى من قول هاشم ثم سأل (من هذا الرجل ) ولم يكن يعرفه فقيل له انه هاشــم بامكار فطلب منه أن يسلم عليه مره اخرى لأنه لم يكن يعرفه عندما سلم عليه في المره الأولى .
أيضاً ببورتسودان سمعت عن الشيخ على بيتاى اشياء ايجابية وبأنه داعية دينى ومصلح اجتماعي هذا كل ما كنت اعرفه عن الشيخ على بيتاى .
صباح اليوم التالي ذهبت لمقابلة الشيخ على بيتاى وكانت تلك المرة الاولى والاخيرة التى اقابله فيها .
عند وصولي الية رحب بي ترحيباً حاراً وابتدأ يسألنى اسئلة عامة عن الأحوال والأهل ولكنى كنت مشغول بالتفرس في وجهه وملامحه وعيونه وفمه لاعرف ان كان وجهه وجهاً حقيقياً اما يلبس قناعاً زائفاً كما يفعل تجار الدين والمشعوزون لخداع الناس وقد تأكد لى بالنظر الى وجهه ان الرجل صادق ولا يلبس اى قناع زائف وان عيونه الواسعه البراقه تحكى عما في قلبه دون تزييف ومجمل تقاطيع وجهه تحكى أن الرجل ذكى وقوى ذو إراده وتصميم ونظراته الاخاذه وصوته العميق تنم عن شخص طيب وبسيط ومتواضع وكريم ومحب للناس وخالى من العقد والامراض النفسية .
لقد قابلت القليل من امثال الشيخ على بيتاى في حياتى وهو شخصية نادرة فريدة من نوعها .
اثناء تفرسي في وجهه فأجاني بسؤال لم أكن اتوقعه قال لي : (هــل تعلم اننى قريبك ؟ ) قلت له : (نعـم اعلــم فمعظم امهات اهلى الاتمـن أو العتامنة معظم امهاتهم هدندويات وبالتالي كل الهدندوة اقربائنا ) . قال الشيخ على بيتاى (صحيح انا هدندوى ولكنى انتسب للشيخ عبدالله جمــاع ) فسكت ولم اقل شيئاً ففي ذلك الوقت لم اكن اعرف تفاصيل علاقة اهلي الاتمن بعبدالله جماع فقال لي الشيخ على بيتاى (ان اهلك الاتمن ينتسبون للشيخ عبدالله جماع فسكت ولكنى كنت سعيداً ان يكون شخصاً عظيماً مثل الشيخ على بيتاى قريباً لي ) .
وبالفعل ذهبت الوحشة والرهبة التى احسست بها في البداية وعاوت التفرس في وجهه الصبوح وحقيقة كنت لا امل النظر والاستماع اليه .
أثناء حديثنا حضر شخص يحمل قدحاً كبيراً من الخشب (كــوبا) وبه كمية كبيرة من اللحم تكفي لعشرين شخص فوضعه بينى وبين الشيخ وبدأنا ناكل وكان اكله قليلاً ولكنه كان يجاملنى ويشجعنى ويحثنى على الاكل حتى امتلاء بطني ولم يعد هناك مكان للمزيد من اللحم وهو لا زال يقول لي (تما ? تما ? تما) حتى اضطررت ان اقول له ( آسف يا شيخنا لم يعد هناك مكان لللحم ) فضحك وتركنى .
قضينا مأموريتنا وكان رفيقنا المرحوم محمد دين ابو امنه وكان معه برنامج العمل وكل ما نذهب لمنطقة نعسكر حول بئر معينة ثم نتنشر بعد ذلك لبقية المناطق واينما عسكرنا في اى مكان يتم زبح بهيمة لنا ويتم تقديم الالبان مع اللحم لنا واستمر هذا الامر لاكثر من شهر .
اننى قد عملت في كل انحاء السودان جنوبه وغربه وشماله ووسطه وشرقه فلم ارى اكرم ولا اطيب من اهل تلك المناطق مع بساطتهم وتواضع مستوى معيشتهم اكملنا مهمتنا واخبرت الاخ محمد دين ابو امنه باننا بصدد الرحيل فقال لنا (لا يمكن ان ترحلوا قبل اخذ الاذن من الشيخ وطلبنا منه ان يخطر الشيخ ويطلب الاذن لنا بالرحيل .
بعد يومين او ثلاثة اخبرنى محمد دين ابو امنه ان الشيخ يريد مقابلتى للوداع فذهبت اليه فقابلنى نفس المقابلة الحاره وابتسامه واسعـه جميلة على محياه وتكلم معي كلاماً طيباً ودعا لنا بدعوات طيبات صالحات متمنياً لنا الهداية والتوفيق والسلامة وفجأة مد لي يده وبها مبلغ كبير جداً من المال بمقاييس ذلك الزمان حقيقة اصبت بنوع من المفاجأة فانا لم اتعود ان اخذ مالاً من الناس وكان ابى ينصحنى بقوله (لا تأخـذ أمــوال الناس بل اعطيهم الـمال ) لقد صمت في شكل صدمة والمال في يدى وانا في حرج لا اعرف ماذا افعل أو اقول وشعر هو بحرجي فقال لي : ( خذ المال ولا تنسى اننا اخوان والاخ عندما يزوره اخوه يجب ان يكرمه وانت لا تزورنا كثيراً ) فسكت ثم دعا لى بالخير مرة اخرى وودعنى وداعاً مؤثراً وكان ذلك اخر لقاء بيننا إذ انه قد توفي بعد ذلك باعوام قليلة .
قابلت الاخ محمد دين ابو امنه واخبرته ان الشيخ قد منحنى مبلغاً كبيراً وانا لا اعرف ماذا افعل به وانا لم اتعود ان اخذ اموال الناس قال لي ابو امنه (ان هذه عادة الشيخ وإذا لم ترد ان تاخذ المال فاعطيه لمرافقيك من الرجال والنساء فراقت لى الفكرة وقسمت المبلغ بينهم وكانوا سعداء بذلك ودعوا للشيخ بالخير والبركة .
عند عودتى لبورتسودان علمت ان هناك قضية عويصة بين بعض المواطنين من اهل البحر الاحمر وبين انصار الشيخ على بيتاى وان اولئك المواطنين يتهمون الشيخ على بيتاى بانه يضلل الناس وانه ليس على الحق وكان يقود هذا الامر شرذمة من بعض ادعياء الدين وتجاره في يوم المحكمة ذهبت لوالدى واوضحت له بشاعة التهم الموجه للشيخ على بيتاى دون وجه حق وشرحت لابي كل ما رايته في همشكوريب واخبرته ان الشيخ على بيتاى انسان ورجل فاضل يعلم الناس القران وان انصاره يقيمون صلاتهم في جماعة ويهللون ويكبرون في همشكوريب وليس هناك اى فساد او فسوق بل هناك استقامة وامانه وتقوى ثم عزفت على وتر حساس في نفسية ابي وقلت له بان الشيخ على بيتاى اخبرنى بانه (اياي ? تكون )اى قريبنا وان الشيخ على بيتاى قد حملنى تحياته لكل اهلنا بالبحر الاحمر ثم عزفت على وتر اخر يقدره ابى وهو صفة الكرم فقلت له (ان الشيخ على بيتاى حوله اعداد هائلة من البشر من الرجال ، النساء ، الاطفال ويصرف عليهم جميعاً بلا من او اذى ) .
اقتنع ابى تماماً وقال لي (ماذا تريدنى ان افعل ): فقلت له (اريدك ان تذهب معي لمقر المحكمة وتواجه هؤلاء الناس الذين يتهمون الشيخ على بيتاى بالباطل وتمنعهم من فعل ذلك ) فوافق ابي ثم دخل دكانه واحضر عصا غليظة (سراييت) وشمر عن سكينه الطوالي على يده الشمال فقلت له (ابى لا اريدك ان تدخل في معركة بل فقط ان تكلم هؤلاء الناس بلسانك ) فقال لى : ( بعض الناس لا ينفع معهم كلام اللسان ) .
على كل حال ذهبنا لمقر المحكمة وبمجرد دخولنا لحوش المحكة بدأ الناس يقولوا ( بامكار جاء بامكار جاء بامكار جاء ) ثم اجتمعوا حوله في شكل مجلس من الشاكين ومن انصار الشيخ على بيتاى (الكورياتي ) ووجه ابي حديثة للشاكين وقال (أولاً انا لا اعرف الشيخ علي بيتاى ولكن ولدى جعفر الذى حضر من عنده حدثنى عنه وهو لا يكذب على ماذا تريدون من الشيخ على بيتاى هل جائكم في بلدكم وقال لكم افعلوا هذا أو لا تفعلوا هذا أو فعل اى شيء ) انه بعيد عنكم ووسط اهله وهم مسئولون عنه مالكم وماله ولدى جعفر قال انه يعلم الناس القران وانهم يصلون ويخافون الله ولا يوجد فساد عندهم وان الشيخ على بيتاى رجل كريم يساعد الفقراء والمساكين ويمنع الجرائم والاعتداءات وهكذا استمر ابى في الدفاع عن الشيخ على بيتاى وتفنيد حجج الشاكين .
من عيوب ابى المعروفه عنه انه يحاول ان ينصح الشخص او الجماعة اطول فترة ممكنة فان قبل او قبلوا نصيحته فبها وان رفض او رفضوا نصيحته يشتمه ويشتمهم بكل انواع الشتائم وكان الامر كذلك وان الشاكين رفضوا نصيحته فشتمهم شتيمه شديدة ثم توعدهم وهددهم بانه سوف يتولى امر تاديبهم لانهم فاتوا الحدود وقد كان .
انتشر الخبر ان الشيخ بامكار قد انحاز بكلياته للشيخ على بيتاى وشتم الشاكين وهددهم بالتأديب . سرعان ما انحاز الراى العام بجانب والدى ووجد الشاكون انهم اصبحوا معذولين ومرزولين فرجعوا لابي يعتذرون وماتت القضية في مهدها وخسر هنالك المبطلون .
الا رحم الله الشيخ على بيتاى وقد كان منارة دين وعلم وقدوة صالحة لفاعلي الخير والعاملين في إرشاد وهداية الناس .
إن الذى قام به الشيخ على بيتاى في المنطقة الرمادية كما سمتها منظمة الصحة العالمية تعجز دول ومنظمات عالمية على القيام به .
لقد نقل قومه من الظلمات الى النور ومن حياة الجهل الى حياة العلم ومن حياة عدم الإستقرار الى حياة الإستقرار والحضارة ومن حياة الإجرام والفساد والعدوان الى حياة السلام والاستقامة والايمان .
قليلون من الرجال في تاريخ البجا يماثلون الشيخ على بيتاى الا رحم الله الشيخ على بيتاى واسكنه فسيح جناته وفي الفردوس الاعلى من الجنان وجعل الخير والبركة في ذريته واحفاده واهله وانصاره وجعل السداد والتوفيق من نصيبهم ما داموا يسرون على خطأه ودربه وطريقه المستقيم .

[email][email protected][/email]

‫3 تعليقات

  1. شكرا على الكلام فرغ تبعك هناا .. المليء بالخرافات والجهل … والكذب تقول في المقدمة ان قابلت شيخ علي بيتاي للمرة الأولى والاخير ثم انه دعاك واطاك مبلغ من مال وزعته على من معك … ذاك كذب صرااح

  2. شكرا على الكلام فرغ تبعك هناا .. المليء بالخرافات والجهل … والكذب تقول في المقدمة ان قابلت شيخ علي بيتاي للمرة الأولى والاخير ثم انه دعاك واطاك مبلغ من مال وزعته على من معك … ذاك كذب صرااح

  3. التعليق يأتى متأخرا كثيرا لانى لم اطلع على ماكتبه السيد جعفر بامكار الا من دقائق وسعدت بما جاء فى مقاله عن الشيخ على بيتاى وشخصيته وصفاته المشرفه لقبيلة العبدلاب بل لكل سودانى وكل مسلم.سؤالى للاخ حسن فرح مهو دليلك على كذب ما جاء فى المقال؟ ماهى اسباب حنقك الشديد على رواية وتجربة سجلها صاحبها بلغة بليغة وصادقة؟ليتك تفصح عن ما فى نفسك حتى لا تفسد على القارئ سعادته بما فى المقال من معلومات قيمه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..