مركز ثقافة البجا.. مهمة كتابة تاريخ ناصع.. في مدرسة الساحل

بورتسودان – حسن محمد علي
لماذا لم تقم مدرسة الساحل في الرواق الثقافي مثلما نبتت مدرسة الغابة والصحراء، واستعرت في معاركها الثقافية، ألم يكن الشرق وادياً ثقافياً بمكون المنطقة الغني وإنسانها الذي أدار أقسى حواراته مع البيئة والمناخ، سيكون من الملائم أن نجترح مدرسة تنتمي للساحل بجذوره العميقة، وحداثته البادئة، فثقافة وأرض البجا غنية بموردها الإنساني ولديها مأثورتها الضاربة في القدم وحضريتها الناشئة على تلال النهضة والتنمية والميناء.
تذكرت تلك الفرضيات والتساؤلات وأنا أدلف إلى مركز دراسات ثقافة البجا، عندما أذهلني الفلكلور المجموع في مناضد كبيرة يرجع تاريخها لعصر سحيق، حتى أن بعضها ذاب بفعل التقادم، للمركز الذي أنشأه صندوق تنمية الشرق، وهو المعامل الأهم في سؤال التنمية بالساحل خاصة في غضون السنوات العشرة الأخيرة.
اختراق كبير
بإمكان الباحثين أن يجردوا له حيزاً لمناقشة تجربته، حيث لما انهارت اتفاقية الشرق أو بالأحرى تشققت مكوناتها الحزبية واختلفت قيادتها السياسية، ظل الصندوق قائما بوضعيته الدستورية التي حفظها تضمين اتفاق الشرق في الدستور الحالي أيضا، وهو مبحث ذو طبيعة علمية ثقافية، بحكم أنه أحدث اختراقا ما في أرض الشرق وإنسانه.
حفظ من الاندثار
كانت ترشدني بعض الوسائل أن رؤية المركز قائمة على إبراز البعث الحضاري والثقافي لتراث وحضارات مجموعات البجا في السودان والتعريف بالمسميات المميزة للعناصر الثقافية والتراثية التي تميزت بها هذه المجموعة، ولما كان المركز الثقافي لتراث البجا مركزاً متخصصاً وذا قدرات عالية، فإنه بالجدير سيعمل على صون عناصر الفلكلور والحياة الشعبية ومتعلقات ثقافة البجا ولغتها وتوفير ما هو متاح لها وحفظها من الاندثار.
توثيق وتنقيب
أتاح القرب الجغرافي للمركز من جامعة البحر الأحمر فرصة نوعية لنقاشات علمية وثقافية حول التراث البجاوي والتنقيب في خبايا تاريخه الضارب في القدم، لكن للأسف ولما كنت أتجول داخل المركز لم ألاحظ رواداً في ساحاته ومعرضه المرفق بجميع استخدامات الإنسان البجاوي خاصة في التواريخ القديمة مثل أدوات الحرب والنقل وصناعة الطعام والقهوة بالتأكيد، وكذلك لم تكن القاعات المرفقة بالمركز المبنية على طراز رفيع وتحمل أثاثاً يوفر للباحثين والطلاب على إقامة المحاضرات في المركز.
أرشيف رقمي
ويهدف المركز المبني في وسط سوق مدينة بورتسودان لتوثيق عناصر الفلكلور والحياة الشعبية عبر إنشاء أرشيف رقمي وبحثي لتراث البجا وجمع المأثورات البجاوية المتداولة والروايات التاريخية السماعية وحفظها وجعلها في متناول الباحثين، فضلاً عن توثيق الأماكن وإرجاعها إلى أصولها البجاوية.
رؤية قومية
قد يمثل بناء المركز الثقافي من قبل صندوق تنمية الشرق اختراقاً نوعياً ومساهمة ثقافية في بنية تحتية ظلت تعاني منها الولايات بشكل عام مثل المسارح ودور السينما والدور الشبابية، إلا أن حركة الوعي والمثاقفة اليومية واجب ينتظر أهل الشرق وإنسانه، وحري بمثقفي شرق السودان والبجا على وجه الخصوص أن يستغلوا المركز لإحياء الثقافة البجاوية والتعريف بها والترويج لتاريخها المجيد في البطولات الذي سطرته عديد من الشخصيات، وأن يعرجوا حتى إلى مرحلة الكفاح المسلح التي شهدتها أرض البجا ومواطنها في التاريخ القريب لتكون بوابة نحو صياغة ثقافة شرقية قومية كما مثلها التنظيم المعروف (مؤتمر البجا) الذي لم ينحز للمناطقية وحمل رؤية قومية مثلها انتماء معظم أبناء البلاد

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..