رؤية للخروج من المأذق الثقافي السائد!!

بدرالدين فرو..
لعل المتابع للمشهد الثقافي في السنين الأخيرة لن يفوته ماآل إليه الوضع الثقافي للشباب السوداني ومدى التردي والإسفاف الذي أصبح السمة الواضحة التي تتسم بها معظم الأعمال السائدة والتي لا ترتقي إلى أي مستوي إبداعي يمكن أن نصنفها به في ظل التراجع الخطير لمستوى الأفكار والرؤى التي تنتج تلك الأعمال سواءاً كانت الجهة التي تقف وراء هذه الأعمال جهة حكومية أو خاصة أو أن المبدع هو الذي يسعى بشكل فردي لفرض هذه النوعية من الأعمال في ظل التشرزم والإنقسام السائد ما بين جهة وأخرى!؟..
والتاريخ شاهد على أن الشباب السوداني ظل وعلى مدى أجيال مضت رافداً مهماً للمشهد الثقافي والسياسي والإجتماعي للبلاد ، ما انعكس إيجاباً لدى الشارع العام وقتها ولم نلحظ حينها كل تلك الإنقسامات التي نشهدها اليوم في ظل تشجيع من مؤسسات الدولة الرسمية لهذه الإنقسامات؟! ومحاولة تصنيف وتقسيم الشباب السوداني إلى مجموعات (معنا أو..ضدنا)!!..زجت الحكومة بالشباب في معسكرات الدفاع الشعبي ومنظمات الشهيد ومؤسسات تعبوية لا تحصى..والأمر اللافت للنظر هنا أن معظم هذا الشباب فاقد تربوي لسياسات خاطئة في التعليم أفرزتها الدولة بإفسادها للمناهج التعليمية؟! ثم نصٌبت الدولة من هؤلاء الشباب قيادات لها في تجارب أكبر منهم ولم تراعي التدرج الطبيعي للمناصب وبثت في نفوسهم كل تعاليمها وتوجهاتها الفاسدة بدوافع (التمكين) وغيره من المسميات لتفرز لنا في المحصلة النهائية كل هذا الغث من الأفكار السائدة حالياً لشباب متباعد فكرياً بدعاوي القبلية والجهوية والمعارضة؟!!..
واستبعدت الحكومة كفاءات من الشباب الواعي بقضايا بلده والقادر على بلورة المشهد العام للشباب السوداني وفق رؤية طموحة ترقي لتجسيد الصورة المثالية للشباب السوداني المثقف..
فالثقافة هي المصدر الوحيد الذي يغتني بالإستعمال ويتطور وينمو بقدر إستخدامه واستهلاكه المشترك..والثقافة في عصر العولمة ليست مطلباً خاصاً لفئة محددة بل هي هدف تنموي لكل أمة وشعب لأنها أصبحت من الموارد الهامة لإقتصاديات المجتمعات الحديثة على إختلافها وتنوعها فلكل مجتمع رأسمال زهني وهناك تعابير مثل(إقتصاد المعرفة – صناعة الثقافة – الملكية الفكرية..إلخ) وهذه المسميات مستمده من قاموس الإقتصاد السياسي بالذات..
تشابكت لدي الكثير المفاهيم الجهوية والمدنية والريفية إلي جانب مفاهيم دينية (جديدة) منغلقة على نفسها ورافضة للكثير من شروط وأسئلة العصر في طرحها ناهيك عن استعدادها لحوار مشترك ثقافي مستقبلي؟!.
وسط كل هذه التداعيات لابد من إيجاد أرضية متوازنة لتقريب وجهات النظر بين أطراف الشباب السوداني لصياغة مشهد يكمل الدور ما بين الشباب وباقي فئات المجتمع السوداني كباراً كانوا أم صغار..
لابد من تحمٌل المسئولية الكاملة تجاه دورنا كشباب في وطن ينتظر من أبنائه الكثير كلٌ حسب موقعه ودوره..ولن يتأتى لنا هذا الدور ما لم يفرض الشباب رؤيته ويرغم النظام الحاكم على تغيير وتصحيح الكثير من مفاهيمها الخاطئة تجاه الشباب السوداني بإطلاق حريته في التعبير والعمل على توظيف إبداع الشباب دون النظر إلى لونية محددة ومحاولة دمج هذا الشباب في الحياة الإجتماعية والسياسية التي ظلت حكراً على شباب معين إتضح عجزه التام عن القيام بمسئولياته؟!..في هذه المرحلة بالذات..
وعلى الشباب عدم إنتظار فرصة (لن تأتي من السماء!) في ظل حرص النظام الحاكم على سياسة التقسيم والإبعاد والإقصاء والتصنيف والتهميش التي تخدم مصالحها في إبقائها بالسلطة لأن هؤلاء الشباب الذي إختارت وإصطفت *هم أوار حربها يحين الجد؟!..
على الشباب أن يسعى لمصالحة النفس وتقديم يد العون لآخرين يحتاجونها دون أن تحكمهم المصالح في التعامل مع هذا الآخر..وعلى الشباب الإبتعاد عن الساقط من الأعمال التي يريدنا الآخر الغرق في وحلها وانشغالنا بتنظيف أنفسنا طويلاً بعدها لإلهائنا عن الجاد من قضايانا!..
وإذا بدأنا كل مع نفسه أولا، نكون قد قطعنا خطوات أولى على طريق (عمل ثقافي إجتماعي مشترك) يؤسس فيما بعد قاعدة عريضة للعمل الجاد لشباب حريص على عكس وجه مشرق لسودان مضئ نفخر به ..
فبالعمل الثقافي المشترك وحده..يستطيع الشباب عكس مجموعة من آراء تختلف في مفاهيمها ومضامينها وتتفق جميعاً في سودان واحد.. رغم أنف البعض؟!!
مقال ممتاز و يحوي فكرة سامية و توجيه واعٍ يخاطب العقل و البصيرة لخلق مسلك يتوافق مع طبيعة التحديات المفروضة ليس على الشباب فقط لكن على كل شرائح المجتمع فالأمة يبنيها و يحقق طموحاتها و تطلعاتها إبناءها رجالا و نساء ، شيبا و شبابا و حتى الأطفال بأحلامهم و طومحاتهم و تصورهم لغدهم و لمستقبلهم ..
هذه هى الأدبيات التي يجب أن نسود بها صحفنا لتلامس عقولنا و تدبيرنا الذي يجب أن يلامس الواقع ..
لك جزيل الشكر على ما قدمت من حديث مسئول و واعٍ ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ