الموت برصاص الشرطة

اطلق احد رجال الشرطة الانقاذية الرصاص على شاب وهو بداخل سيارته , في وسط عاصمة البلاد التي يجب ان تكون رمزاً للأمن و السلامة الشخصية للمواطنين كذا والاجانب , فهذه الحادثة بمثابة المؤشر الخطير على الدرك الاسفل والمقام الادنى , الذي وصل اليه حال البلاد والعباد في ظل حكم دولة الانقاذ , من انفلات امني و عدم انضباط لافراد الاجهزة الامنية والشرطية , وكما يقال فان المصائب لا تأتي فرادى , فقد شهد مطار الخرطوم الدولي قبل اسابيع مضت , ابشع حادثة ارهابية تشهدها بوابة السودان نحو العالم الخارجي (المطار الرئيسي) , عندما اقدمت مجموعة من الافراد الذين يتبعون للاجهزة الامنية والمخابراتية للنظام , على ركل وسحل و ضرب و تعذيب مواطن سوداني يحمل الجواز الامريكي , لاسباب واهية لا ترقى لان تكون مدعاة لمجرد استجوابه , ناهيك عن القيام بانتهاك انسانيته وكرامته والتغول على امواله , وها نحن اليوم نرى بام اعيننا كيف ان الشرطة الانقاذية قد ازهقت روح شاب غض الاهاب من ابناء الوطن , والذي لم يرتكب جناية او جريمة تستحق هذا الحكم الهولاكي القراقوشي الوحشي والبربري , مهما حاولت شرطة النظام العام الالتفاف حول الموضوع وتلفيق وفبركة الاخبار عنه , و مهما صبغته باصباغ التجريم و التجريح الشخصي والمؤلم الذي ناش المرحوم واسرته , فتأمين المجتمع لا يعني ان تقتل من ينتمي لذات المجتمع بدم بارد ودون ان يرتجف لك جفن , وبذات السلاح الذي يجب ان يكون موجهاً الى اعداء المجتمع الحقيقيين , من تجار المخدرات و مغتصبي الاطفال و منتهكي خصوصية واعراض النساء , بدلاً من ان يكون موجهاً الى قلوب شبابنا النابضة بالآمآل العراض والمستقبل المشرق لهم ولبلادهم , فمن شرور وبلايا الانقاذ انها و بعد ان احتجزت اموال المواطنين في بنوكها , وجففت الاسواق من الخبز و الوقود و اللحوم , قامت فوجهت فوهة بندقيتها باتجاه الصدور العارية للشباب و الطلاب في المدن و الاحياء , ضاربة اسوأ الامثلة في التصفيات الجسدية والبطش و التنكيل و التعذيب بحق الانسان.
لقد بدأت آلة الانقاذ القاتلة منذ مدة من الزمان تجاوزت العقد ونيف من السنين , بارتكاب مثل هذه الجريمة و جرائم اخرى اكثر فظاعة وبشاعة وقسوة في اقاليم السودان البعيدة , في كل من دارفور و النيل الازرق و جنوب كردفان , فقد قامت ترسانة النظام الانقاذي الملائشية المدججة بالسلاح الارضي و الجوي , بابادة قرى مأهولة بالسكان عن بكرة ابيها و مسحها من على خارطة السودان , ففي ذلك الوقت الذي كان فيه انسان تلك البقاع من سودان العزة يتجرع كؤوس الموت تحت ازيز طائرات الانتونوف , كان انسان الخرطوم والذي هو الآخر راح ضحية للدعاية الاعلامية المغرضة , والموجهة باجندات هذه المنظومة الانقاذية المنحرفة , وهو يردد مع ذلك الاعلام المضلل بانه لا توجد هنالك جريمة في دارفور , و ان الامر كله لا يعدو كونه مؤامرة صهيونية وتآمر على الوطن , الى ان فتك الجوع و المرض والموت الزؤام بسكان قلب السودان , ودخل اعداء الانسانية هؤلاء الى مضاجع قاطني هذه المدن المركزية الثلاث , فعرف هؤلاء المواطنون القاطنون لهذه العاصمة القومية لتوهم مدى لؤم و جرم هذه المنظومة الانقاذية , واستشعروا خطر الموت الذي يتهدد ابنائهم اليافعين وهم يتجولون في شوارع وطرقات مدينتهم ببراءة الطفولة , فالآن قد تيقنوا من ان جهنم التي اشتعلت السنة لهبها في هيبان و جبل مرة و جبل اولو , ليست ببعيدة عن بيوتهم الفاخرة والفخيمة في العمارات و الطائف و الرياض , وانه من الممكن جداً ان يقوم هذا النظام الذي لا يرعى لله فيهم إلّاً ولا ذمة , بتفجيرها ناراً حارقة في وسط امتدادات احيائهم الفخيمة هذه , وفي اي لحظة من لحظات غروره و استصغاره لقيمة المواطن السوداني , لقد تيقن سكان السودان المركزي ان لا اختلاف ولا امتياز يفاخرون به , فيما بينهم وبين اخوتهم الذين تباعدت بهم الشقة والمسافة بسبب الاعلام المضلل للمنظومة الحاكمة , وان الرصاص الذي اصاب رؤوس ضحايا هامش البلاد , هو ذات الرصاص الذي انتاش رأس ابنهم العزيز بشارع النيل , فبرغم مأساوية الحدث الا انه سيصب في مصلحة وحدة الوجدان السوداني تجاه مقاومة النظام والعمل بروح الجماعة من اجل اسقاطه , لان واحدة من عوامل تأخر عملية التغيير والخلاص الوطني المنشود , هي الانقسام الوجداني للشعوب السودانية حول طرائق وكيفية وتوقيت ازالة الطغمة الاخوانية المتجبرة , فلقد انقضى زمان وسنين طويلة من المعاناة , التي غطى شبحها على كل النفوس بدواعي واسباب هذه الفرقة وذاك التشتت الذهني والنفسي لدى الانسان السوداني , والذي ظلت تستثمر فيه العصبة الانقاذية الباطشة و تدعم به مشاريع بقائها على السلطة.
فاليوم اصبح الخطر داهم على المواطن السوداني المركزي بصورة أكبر وأخطر مما سبق , وذلك لانحسار تواجد الجيوش المتمردة في اراضي دارفور وانسحابها خارج جغرافيا الاقليم , الأمر الذي ادى الى تراجع مليشيات النظام الى الوسط والداخل السوداني , فزاد من كثافة التمركز الملائشي لجيش النظام في مدن السودان الأوسطية , فقد حدثت تحرشات من قبل هذه الجيوش الملائشية بالمواطن المركزي من قبل , في كل من مدن القطينة و الجيلي وبعض حواضر نهر النيل , هذا بالاضافة الى تلك الفوضى التي عاست فيها هذه الجيوش المنفلتة داخل مدينة الابيض حاضرة اقليم كردفان في غضون اعوام سبقت , فهذا التمركز سوف يزيد من احتمالات حدوث احتكاكات خشنة بينها وبين المواطن في مقبل الايام , وقد تؤدي هذه المخاشنات الى تكرار نفس السيناريو الذي حدث لابننا المغدور موضوع هذا التناول , فمن اكبر المخالفات التي ارتكبتها منظومة البشير في الجوانب السياسية والاستراتيجية , هي ضربها بعرض الحائط لمبدأ المهنية و الكفاءة و التدرج والترقي في الرتب العسكرية في مؤسستي الشرطة و الجيش معاً , و نسفها للأرث العسكري والشرطي السوداني الذي اسهم في وضع لبنات كثير من المؤسسات الشرطية والعسكرية و الامنية لكثير من البلدان من حولنا , والتي بلغت هذه البلدان بفضل كفاءات هذه الشرطة السودانية عنان السماء في التميز المهني الأمني , و في الاتقان والبراعة في الكشف عن الجريمة و مكافحتها , وكذلك من هذه المخالفات الادارية المرتكبة من قبل منظومة البشير السياسية بحق الشرطة السودانية , تكريس دور الشريحة الشرطية المنوط بها تأمين المجتمع وتأطيرهذا الدور وحصره في التشبث بسفساف الامور من الظواهر المجتمعية , من ملاحقات للفتيات اليافعات الصغيرات في محاولات بائسة لادانتهن , والباسهن تهم ومخالفة مادة من مواد قانونهم الشائه والناشز والتي يطلقون عليها (ارتداء الزي الفاضح) , و مخالفات مواد اخرى تدعوا للسخرية والتهكم , كتلك التي تنص على تعريف وتوصيف طرائق وهيئات معينة للمشي بالنسبة للنساء , صارفين النظر عن اهم واكبر الجرائم التي تهدد المجتمع وامنه , من انتشار تداول وتعاطي المخدرات بين الشباب و الطلاب , وأخيراً ختموا انجازاتهم المزعومة في تحقيق أمن وامان المواطن , باطلاق الرصاص الحي والمقذوفات القاتلة من فوهات مسدساتهم وبنادقهم , وتصويبها نحو رقاب شباب السودان وثروته البشرية في رابعة النهار.
انّ انهيار الدولة الانقاذية جارٍ الآن , وقد اكتملت جميع اركانه ووضحت ملامحه في جميع مناحي الحياة بالبلاد , فمعالم زوال الانظمة الطاغوتية له سمات بيّنة وبائنة بينونة كبرى , وما أدل عليها سوى تدهور قيمة العملة الوطنية , و فشل واخفاق الجهاز المصرفي في الوفاء بالتزاماته تجاه الأفراد والمؤسسات , و أخيراً فقدان المواطن السوداني لثقته في جهاز الشرطة , الامر الذي يمكن وصفه بالكارثة و الوبال العظيم , ويعتبر القشة القاصمة لظهر البعير الانقاذي المحمل بالبضائع الكاسدة والفاسدة و الثقيلة , فحتماً البنيان القائمة قواعده على الرمال المتحركة سيكون مصيره الى زوال.
المواطن الامريكي من اصل سوداني الذي تعرض للتعذيب , بالضرب و الركل و الصعق الكهربائي , من قبل افراد تابعين للاجهزة الامنية لنظام البشير , في احدى الدهاليز المظلمة المجاورة للممرات الداخلية في مطار الخرطوم الدولي , لم يكن ناشطاً سياسياً ولا معارضاً لنظام الحكم الانقاذي , فهو مثله مثل الكثيرين من المواطنين السودانيين الذين ضاق بهم الحال , فهاجروا الى ارض الله الواسعة , بحثاً عن الرزق الحلال و العيش الكريم وهرباً من الجحيم , كما ان اسمه لم يرد في سجلات المتمردين الثائرين ضد نظام الحكم في الخرطوم , وحتى المبررات التي ساقاها المتعاطفون مع سلوك هذه الجماعة الامنية المنحرفة التي بطشت بهذا المسكين , لا يسندها المنطق و لا الحجة ولا الضمير الانساني , فكل الحيثيات التي ادلى بها هذا الرجل الضحية لصحيفة الراكوبة , لا تبرر هذا الجرم الشنيع الذي ارتكبه بحقه هؤلاء الافراد غير المنضبطين , ان كل المشاجرات التي تنشب بين المسافرين وحراس البوابات , في موانيء ومحطات الاسفار و الترحال الجوي و البحري و البري , تحسم بالوسائل و الاجراءات الشرطية والقانونية العادية , والتعامل الاداري الروتيني واليومي , ولا دخل لاجهزة تجسس و مخابرات الدول بها , وايضاً لا علاقة لها بالسياسة وكواليسها , اذ لا يعقل ان تمتهن كرامة الأنسان و يذل و يعنف لمجرد لبس اجرائي و اداري معهود , فهذه الحادثة بالطبع سوف تترك اثرها السالب على صورة الحكومة السودانية في المحافل الدولية , و ستنتقص من رصيدها المنقوص اصلاً في اجتهاداتها الدبلوماسية و محاولاتها ترميم وترقيع علاقاتها الخارجية المنهارة , فهذه الحماقة المرتكبة من قبل مؤسسة من المؤسسات المعنية بأمن و حفظ وسلامة الانسان , تقودنا الى التساؤل التالي : كيف لأي منظومة كانت من منظومات الحكم , ان تسمح لبوابتها و واجهتها المطلة على العالم الا وهي (المطار الرئيس) , لان تعكس صورة فاضحة لانتهاكات حقوق الانسان بهذه الطريقة الوحشية ؟؟؟؟, فمما لا شك فيه ان هذه المخالفة الصريحة للاعراف الدولية , سوف تلقي بظلالها على السجل القاتم للدولة السودانية الخاص بحقوق الانسان في ظل حكم البشير , وفيما يتعلق بالمجهودات التي تبذلها في سبيل رفع اسم البلاد , من قائمة الدول الراعية للارهاب ومن القوائم السوداء الاخرى التي يتصدرها اسم السودان , اضافة الى تذكير الدوائر العالمية الناشطة في مجال حقوق الانسان برفع تقاريرها الدورية , المؤكدة على اصرار و استمرار وتعمد النظام السياسي في السودان في مباركة الممارسات المتجاوزة للحقوق الاساسية للانسان , التي يقوم بها محسوبوه بحق المواطن السوداني في الداخل , وذاك الآخر الحامل للوثائق وجوازات السفر الغربية , الداخل الى البلاد عبر مطاراتها الجوية وموانئها البحرية والبرية .
لقد تناول المحللون و الناشطون في الحقل السياسي و الاجتماعي هذا الحدث من زوايا عديدة , وابدوا فيه وجهات نظر مختلفة ومتنوعة , ومن اكثر الزوايا التي نظر بها بعضهم من خلالها لهذه الحادثة , هي تلك النظرة المنطلقة من زاوية التحليل الجهوي والعرقي و المناطقي , للصراع السياسي والاجتماعي في السودان , فكما هو معلوم ان هذا الرجل المعتدى عليه ينتمي الى اقليم دارفور , وكان في رحلة عودته الى موطنه الثاني الولايات المتحدة الامريكية , بعد ان قام بزيارة اهله و ذويه في مدينة نيالا التي تعتبر المركز التجاري الاكبر في الاقليم , وعند عبوره مدخل بوابة صالة المغادرين بمطار الخرطوم , وقعت عملية التحرش به من قبل افراد الامن بفرضية انتمائه الى المنظمات السياسية , و الحركات المسلحة والعسكرية المتمردة على نظام الحكم المركزي في الخرطوم , التي تنطلق من اراضي اقليم دارفور في شن عملياتها العسكرية على الجيش و المليشيات الحكومية , الامر الذي أغرى هؤلاء الشباب للتغول على ما يمتلكه الرجل من مبالغ مالية كبيرة من النقد الاجنبي , في محاولة يائسة منهم لالصاق وصمة (المتمرد) عليه , لكي تسهل عليهم عملية ابتلاع هذه اللقمة السائغة و (المملحة) , باستحداثهم لهذه الذريعة المتوهمة لاكمال عمليه هذا السطو المقنع , بقناع الاجهزة الأمنية الاكثر دموية وبطشاً بالمواطن في السودان , والذي يعطي هذه الفرضية مسحةً توحي بشيئٍ من المنطق , هو ذلك السؤال الذي تم طرحه على الضحية اثناء هذه الحملة التعذيبية القاسية عن ما هية القبيلة التي ينتمي اليها , والذي قام بتوجيه السؤال اليه هو احد افراد هذه الجماعة الامنية التي اشرفت على تعذيبه , فطرح مثل هكذا سؤال في مثل ذلك الظرف الارهابي المرعب الذي عايشه الرجل الضحية , له دلالة قوية على جهوية التوجه السياسي و الامني للمنظومة الانقاذية , وتغلغل عناصر عرقية بعينها في مفاصل الاجهزة الامنية والعسكرية للنظام , الامر الذي يعتبر اقوى الادلة على ما ورد في الكتاب الاسود من حقائق , تحدثت عن المسلك العنصري و الجهوي الممنهج لمنظومة الانقاذ , ذلك الكتاب الذي صدر عقب المفاصلة السياسية الشهيرة بين شركاء انقلاب ما سمي بثورة الانقاذ الوطني , الذي حوى قوائم بيانية و احصائية دقيقة عن نسبة المشاركة الجهوية والجغرافية لسكان السودان , في المواقع و الوظائف الحساسة والمفصلية والمهمة , في مؤسسات و اجهزة الدولة السودانية منذ استقلال البلاد.
ان من اكثر المشاهد دهشةً في الفيديو الذي وثق لهذه الجريمة , هو دوس جواز سفر الضحية بحذاء احد هؤلاء المنفلتين في الوقت الذي ما يزال فيه الجواز موضوعاً على جسد الضحية , مع صدور عبارات مسيئة للضحية وللدولة التي منحته ذلك الجواز , وكان هذا السباب وتلك الشتائم صادرة من افواه الذين كانوا يركلون هذا المواطن الامريكي السوداني في عنجهية صارخة , و ازدراء منقطع النظير مصحوب بكلمات من الفحش و مفردات نتنة منتقاة من لغة قاع المدينة , ان انعدام المهنية و استشراء الحمق و الاغترار بالسلطات اللامحدودة الممنوحة لافراد اجهزة امن البشير , قد ادخلت النظام الذي يمثلونه في حرج دبلوماسي كبير وخطير , سوف تنعكس ارتدادات افعاله من قبل هذه الدولة التي اهينت وثيقتها , في مقبل ايام حبلى بالكثير و المثير من الاخبار , فهذا المسلك الذي بدر من محاسيب النظام يعطي مؤشر واضح على مدى الانحطاط الاخلاقي غير المسبوق الذي وصلت اليه منظومة البشير , فخبط العشواء هذا ظل يأتي من قمة الهرم السلطوي منحدراً الى اصغر موظف في الدولة.
ولكأنما اراد الله ان يسكت اصوات الذين تضمانوا مع الجلاد و نصروه , واساءوا للرجل الضحية و وصموه باقبح الاوصاف , فقد جائت حادثة اخرى اكثر بشاعةً من حادثة مطار الخرطوم الارهابية التي نحن بصددها , وهي جريمة تعذيب وقتل مواطن امريكي سوداني آخر , من ذات الاقليم الذي ينتمي اليه الاول بل ومن نفس المدينة (نيالا) , و للمطابقة اكثر فان المقتول تعذيباً وذلك الآخر الذي انقذته العناية الالهية , كلاهما يعملان في ولاية الاسكا الامريكية , حيث البرد الذي تتجمد فيه الدماء في العروق , فهذه القسوة المصحوبة بالتشفي و الحنق العرقي من قبل اولاد البشير المدللين هؤلاء , والذين ترك لهم ابوهم الحبل على الغارب , وجعلهم يرتعون و يفعلون بابناء السودان الكادحين ما يشاؤون من رذائل الافعال , وبناءً على هذا استهدافهم الجهوي و المناطقي لمواطني بلادهم , لن يجد ذوو الضحايا والوطنيين الخلص من ابناء السودان , طريقاً ومتنفساً يخرج الهواء الساخن و الملتهب من صدورهم , نتيجة لهذا القهر وذاك الاذلال الذي يتلقونه من صبية النظام , الا بقيام جبهة وطنية عسكرية كاسحة وماسحة لنظام الظلم و القهر والعنصرية الممنهجة , تكون هذه الجبهة شبيهة ب(الجبهة الوطنية الرواندية) التي اقتلعت نظام الابادة الجماعية المدعوم من قبيلة الهوتو , ذلك النظام العرقي الذي يشبه نظام البشير الى حد بعيد , والذي ارتكب جرائم الابادة الجماعية بحق عرقية التوتسي , في سيناريو تراجيدي ما زالت تحكي عنه المقابر الجماعية المجهولة التي يتم اكتشافها يوماً بعد آخر , فلقد اثبتت جثة الضحية الثانية ان الصراع في بلاد السودان اساسه العرق و ليس الايدلوجيا او الدين , لقد ذهب الجنوب السوداني بعد صراع طويل مصحوب بالمآسي و الدماء مع مركز الدويلة المركزية و العرقية في الخرطوم , اما هذه الحالة السودانية المشحونة بالغبائن وروح الانتقام اليوم , فسوف تؤدي الى نتائج مختلفة عن ما حدث مع السودان الجنوبي قبل عقود قليلة من الزمان , حينما ادت الاستفزازات العنصرية الى فصل هذا الجنوب , اما اليوم فان اقاليم السودان الحاضرة لن تتنصل عن التمسك بوحدة السودان برغم ما تكبدته من خسائر في الارواح , ولن تفرط في تقطيع اوصال ما تبقى من سودان ارضاءً لخاطر عيون دويلة البشير الباطشة , بل ان التاريح سوف يعيد نفسه , تماماً مثلما حدث في قدير قبل قرن ونيف من السنين , حيث انطلاق ثورة التحرر السودانية الشاملة , التي عتقت رقاب الشعوب السودانية من الاستعباد الذي مارسه الاستعمار التركماني و المصري , ستتكالب شعوب هامش السودان على منظومة حكم الدولة المركزية المتجبرة و المستعمرة , فتعيد تحرير السودانيين مرة اخرى من نظام الابارتيد و الفصل العنصري الداخلي.
اسماعيل عبد الله
[email protected]
المواطن الامريكي من اصل سوداني الذي تعرض للتعذيب , بالضرب و الركل و الصعق الكهربائي , من قبل افراد تابعين للاجهزة الامنية لنظام البشير , في احدى الدهاليز المظلمة المجاورة للممرات الداخلية في مطار الخرطوم الدولي , لم يكن ناشطاً سياسياً ولا معارضاً لنظام الحكم الانقاذي , فهو مثله مثل الكثيرين من المواطنين السودانيين الذين ضاق بهم الحال , فهاجروا الى ارض الله الواسعة , بحثاً عن الرزق الحلال و العيش الكريم وهرباً من الجحيم , كما ان اسمه لم يرد في سجلات المتمردين الثائرين ضد نظام الحكم في الخرطوم , وحتى المبررات التي ساقاها المتعاطفون مع سلوك هذه الجماعة الامنية المنحرفة التي بطشت بهذا المسكين , لا يسندها المنطق و لا الحجة ولا الضمير الانساني , فكل الحيثيات التي ادلى بها هذا الرجل الضحية لصحيفة الراكوبة , لا تبرر هذا الجرم الشنيع الذي ارتكبه بحقه هؤلاء الافراد غير المنضبطين , ان كل المشاجرات التي تنشب بين المسافرين وحراس البوابات , في موانيء ومحطات الاسفار و الترحال الجوي و البحري و البري , تحسم بالوسائل و الاجراءات الشرطية والقانونية العادية , والتعامل الاداري الروتيني واليومي , ولا دخل لاجهزة تجسس و مخابرات الدول بها , وايضاً لا علاقة لها بالسياسة وكواليسها , اذ لا يعقل ان تمتهن كرامة الأنسان و يذل و يعنف لمجرد لبس اجرائي و اداري معهود , فهذه الحادثة بالطبع سوف تترك اثرها السالب على صورة الحكومة السودانية في المحافل الدولية , و ستنتقص من رصيدها المنقوص اصلاً في اجتهاداتها الدبلوماسية و محاولاتها ترميم وترقيع علاقاتها الخارجية المنهارة , فهذه الحماقة المرتكبة من قبل مؤسسة من المؤسسات المعنية بأمن و حفظ وسلامة الانسان , تقودنا الى التساؤل التالي : كيف لأي منظومة كانت من منظومات الحكم , ان تسمح لبوابتها و واجهتها المطلة على العالم الا وهي (المطار الرئيس) , لان تعكس صورة فاضحة لانتهاكات حقوق الانسان بهذه الطريقة الوحشية ؟؟؟؟, فمما لا شك فيه ان هذه المخالفة الصريحة للاعراف الدولية , سوف تلقي بظلالها على السجل القاتم للدولة السودانية الخاص بحقوق الانسان في ظل حكم البشير , وفيما يتعلق بالمجهودات التي تبذلها في سبيل رفع اسم البلاد , من قائمة الدول الراعية للارهاب ومن القوائم السوداء الاخرى التي يتصدرها اسم السودان , اضافة الى تذكير الدوائر العالمية الناشطة في مجال حقوق الانسان برفع تقاريرها الدورية , المؤكدة على اصرار و استمرار وتعمد النظام السياسي في السودان في مباركة الممارسات المتجاوزة للحقوق الاساسية للانسان , التي يقوم بها محسوبوه بحق المواطن السوداني في الداخل , وذاك الآخر الحامل للوثائق وجوازات السفر الغربية , الداخل الى البلاد عبر مطاراتها الجوية وموانئها البحرية والبرية .
لقد تناول المحللون و الناشطون في الحقل السياسي و الاجتماعي هذا الحدث من زوايا عديدة , وابدوا فيه وجهات نظر مختلفة ومتنوعة , ومن اكثر الزوايا التي نظر بها بعضهم من خلالها لهذه الحادثة , هي تلك النظرة المنطلقة من زاوية التحليل الجهوي والعرقي و المناطقي , للصراع السياسي والاجتماعي في السودان , فكما هو معلوم ان هذا الرجل المعتدى عليه ينتمي الى اقليم دارفور , وكان في رحلة عودته الى موطنه الثاني الولايات المتحدة الامريكية , بعد ان قام بزيارة اهله و ذويه في مدينة نيالا التي تعتبر المركز التجاري الاكبر في الاقليم , وعند عبوره مدخل بوابة صالة المغادرين بمطار الخرطوم , وقعت عملية التحرش به من قبل افراد الامن بفرضية انتمائه الى المنظمات السياسية , و الحركات المسلحة والعسكرية المتمردة على نظام الحكم المركزي في الخرطوم , التي تنطلق من اراضي اقليم دارفور في شن عملياتها العسكرية على الجيش و المليشيات الحكومية , الامر الذي أغرى هؤلاء الشباب للتغول على ما يمتلكه الرجل من مبالغ مالية كبيرة من النقد الاجنبي , في محاولة يائسة منهم لالصاق وصمة (المتمرد) عليه , لكي تسهل عليهم عملية ابتلاع هذه اللقمة السائغة و (المملحة) , باستحداثهم لهذه الذريعة المتوهمة لاكمال عمليه هذا السطو المقنع , بقناع الاجهزة الأمنية الاكثر دموية وبطشاً بالمواطن في السودان , والذي يعطي هذه الفرضية مسحةً توحي بشيئٍ من المنطق , هو ذلك السؤال الذي تم طرحه على الضحية اثناء هذه الحملة التعذيبية القاسية عن ما هية القبيلة التي ينتمي اليها , والذي قام بتوجيه السؤال اليه هو احد افراد هذه الجماعة الامنية التي اشرفت على تعذيبه , فطرح مثل هكذا سؤال في مثل ذلك الظرف الارهابي المرعب الذي عايشه الرجل الضحية , له دلالة قوية على جهوية التوجه السياسي و الامني للمنظومة الانقاذية , وتغلغل عناصر عرقية بعينها في مفاصل الاجهزة الامنية والعسكرية للنظام , الامر الذي يعتبر اقوى الادلة على ما ورد في الكتاب الاسود من حقائق , تحدثت عن المسلك العنصري و الجهوي الممنهج لمنظومة الانقاذ , ذلك الكتاب الذي صدر عقب المفاصلة السياسية الشهيرة بين شركاء انقلاب ما سمي بثورة الانقاذ الوطني , الذي حوى قوائم بيانية و احصائية دقيقة عن نسبة المشاركة الجهوية والجغرافية لسكان السودان , في المواقع و الوظائف الحساسة والمفصلية والمهمة , في مؤسسات و اجهزة الدولة السودانية منذ استقلال البلاد.
ان من اكثر المشاهد دهشةً في الفيديو الذي وثق لهذه الجريمة , هو دوس جواز سفر الضحية بحذاء احد هؤلاء المنفلتين في الوقت الذي ما يزال فيه الجواز موضوعاً على جسد الضحية , مع صدور عبارات مسيئة للضحية وللدولة التي منحته ذلك الجواز , وكان هذا السباب وتلك الشتائم صادرة من افواه الذين كانوا يركلون هذا المواطن الامريكي السوداني في عنجهية صارخة , و ازدراء منقطع النظير مصحوب بكلمات من الفحش و مفردات نتنة منتقاة من لغة قاع المدينة , ان انعدام المهنية و استشراء الحمق و الاغترار بالسلطات اللامحدودة الممنوحة لافراد اجهزة امن البشير , قد ادخلت النظام الذي يمثلونه في حرج دبلوماسي كبير وخطير , سوف تنعكس ارتدادات افعاله من قبل هذه الدولة التي اهينت وثيقتها , في مقبل ايام حبلى بالكثير و المثير من الاخبار , فهذا المسلك الذي بدر من محاسيب النظام يعطي مؤشر واضح على مدى الانحطاط الاخلاقي غير المسبوق الذي وصلت اليه منظومة البشير , فخبط العشواء هذا ظل يأتي من قمة الهرم السلطوي منحدراً الى اصغر موظف في الدولة.
ولكأنما اراد الله ان يسكت اصوات الذين تضمانوا مع الجلاد و نصروه , واساءوا للرجل الضحية و وصموه باقبح الاوصاف , فقد جائت حادثة اخرى اكثر بشاعةً من حادثة مطار الخرطوم الارهابية التي نحن بصددها , وهي جريمة تعذيب وقتل مواطن امريكي سوداني آخر , من ذات الاقليم الذي ينتمي اليه الاول بل ومن نفس المدينة (نيالا) , و للمطابقة اكثر فان المقتول تعذيباً وذلك الآخر الذي انقذته العناية الالهية , كلاهما يعملان في ولاية الاسكا الامريكية , حيث البرد الذي تتجمد فيه الدماء في العروق , فهذه القسوة المصحوبة بالتشفي و الحنق العرقي من قبل اولاد البشير المدللين هؤلاء , والذين ترك لهم ابوهم الحبل على الغارب , وجعلهم يرتعون و يفعلون بابناء السودان الكادحين ما يشاؤون من رذائل الافعال , وبناءً على هذا استهدافهم الجهوي و المناطقي لمواطني بلادهم , لن يجد ذوو الضحايا والوطنيين الخلص من ابناء السودان , طريقاً ومتنفساً يخرج الهواء الساخن و الملتهب من صدورهم , نتيجة لهذا القهر وذاك الاذلال الذي يتلقونه من صبية النظام , الا بقيام جبهة وطنية عسكرية كاسحة وماسحة لنظام الظلم و القهر والعنصرية الممنهجة , تكون هذه الجبهة شبيهة ب(الجبهة الوطنية الرواندية) التي اقتلعت نظام الابادة الجماعية المدعوم من قبيلة الهوتو , ذلك النظام العرقي الذي يشبه نظام البشير الى حد بعيد , والذي ارتكب جرائم الابادة الجماعية بحق عرقية التوتسي , في سيناريو تراجيدي ما زالت تحكي عنه المقابر الجماعية المجهولة التي يتم اكتشافها يوماً بعد آخر , فلقد اثبتت جثة الضحية الثانية ان الصراع في بلاد السودان اساسه العرق و ليس الايدلوجيا او الدين , لقد ذهب الجنوب السوداني بعد صراع طويل مصحوب بالمآسي و الدماء مع مركز الدويلة المركزية و العرقية في الخرطوم , اما هذه الحالة السودانية المشحونة بالغبائن وروح الانتقام اليوم , فسوف تؤدي الى نتائج مختلفة عن ما حدث مع السودان الجنوبي قبل عقود قليلة من الزمان , حينما ادت الاستفزازات العنصرية الى فصل هذا الجنوب , اما اليوم فان اقاليم السودان الحاضرة لن تتنصل عن التمسك بوحدة السودان برغم ما تكبدته من خسائر في الارواح , ولن تفرط في تقطيع اوصال ما تبقى من سودان ارضاءً لخاطر عيون دويلة البشير الباطشة , بل ان التاريح سوف يعيد نفسه , تماماً مثلما حدث في قدير قبل قرن ونيف من السنين , حيث انطلاق ثورة التحرر السودانية الشاملة , التي عتقت رقاب الشعوب السودانية من الاستعباد الذي مارسه الاستعمار التركماني و المصري , ستتكالب شعوب هامش السودان على منظومة حكم الدولة المركزية المتجبرة و المستعمرة , فتعيد تحرير السودانيين مرة اخرى من نظام الابارتيد و الفصل العنصري الداخلي.
اسماعيل عبد الله
[email protected]