الطيب صالح..ملابسات حوار على حافة القبر

الطيب صالح..ملابسات حوار على حافة القبر

طلحة جبريل
[email][email protected][/email]

ثمة من يطرح سؤالاً ربما يبدو شائكاً للوهلة الأولى، بشأن موقف الطيب صالح ،قبل رحيله، من النظام في السودان. ومبعث هذا السؤال أن التلفزيون الرسمي بث معه حوارا وهو على فراش المرض يقول فيه كلاماً يفهم منه أن الرجل تحول من “معارض” الى “مؤيد”.

ماذا قال الطيب صالح في ذلك الحوار؟

من ضمن ما قال ” يبدو لي أن عمر البشير أوضح ما فيه أنه متواضع وليس فيه نفخة الحكام والعساكر، مثله مثل أهلنا، وهو كويس معنا الآن”.

هل قال الطيب صالح هذا؟

نعم.

لكن مهلاً، ما هو السياق ؟

كما ذكرت في مقالي السابق ، كنت تحدثت هاتفياً وانا في واشنطن مع الطيب صالح للاطمئنان عليه في الفترة التي اشتدت عليه وطأة المرض، وكان أن استفسرني حول ما إذا كنت شاهدت ذلك الحوار، والواقع أنني لم أشاهده لسبب بسيط، هو أنني لم أعد أشاهد القنوات الفضائية منذ عام 2003، إذ أدركت أنها ليست الوسيلة الإعلامية المثالية كما يظن، وفي اعتقادي، وما زلت عند هذا الاعتقاد، إن الإدمان على التلفزيون، مثله مثل الإدمان على عادة سيئة، لذلك كان أن نأيت بنفسي عن مشاهدة جميع القنوات الفضائية، ولعلي لا أتجاوز إذا قلت بانني أتحدث دائماً عن فوائد هذا القرار لطلابي ، وهم طلاب إعلام، معظمهم جاء الى دراسة الإعلام وفي ذهنهم بريق نجومية التلفزيون. أقول لهم” أنا أتحدث للتلفزيون لكنني لا أشاهده، ولم أشعر قط انني خارج نهر المعلومات المتدفق”.

المؤكد أن التلفزيون في زمان الناس هذا، صنع لنفسه عصرا بأكمله، وكان هذا العصر التلفزيوني حاضراً في كل بيت وكل لقاء، بل أمسى هو الأداة التي قضت على العمل السياسي بأساليبه المعروفة منذ بدأت عهود الديمقراطية، وراح كثيرون يدرسون هل أصبح التلفزيون صانع سياسة؟ وبأية تكاليف على الوعي ؟ وأنا أحد هؤلاء.

أعود لسؤال الطيب صالح، وأقول إن فضاء الانترنيت أتاح لحسن الحظ إمكانية مشاهدة أي مقطع فيديو والاستماع لأية مادة مسموعة. وإذا كان الصحافي هو مؤرخ اللحظة كما يقول أستاذي عبدالله العروي، فإن فضاء الانترنيت هو مؤرخ العصر.

وكان أن بحثت عن ذلك الحوار ووجدته، وأدركت أن الطيب صالح قال كلاماً وهو في حالة إعياء شديد، غير قادر على طرح أفكاره بالطريقة التي اعتاد عليها، كان واضحاً أنه لم يعد قادراً حتى على التركيز. وكل من يعود الى ذلك الحوار سيلحظ الأمر، ثم أنه ظهر وهو يرتدي زياً غير معتاد، جلابية بدون عمامة، وكأنه أجبر على النهوض من فراش المرض ليجلس على الكرسي ويواجه الكاميرا.

وكان أن اتصلت به مجدداً، وقلت له باقتضاب إنني شاهدت الحوار، وعلى سبيل المجاملة الواجبة في مثل هذه الظروف، قلت له إنني إطمأنيت على صحته من خلال ظهوره على الشاشة. ولم أرغب الدخول في تفاصيل. لكنه سألني عن رأيي في ما قال ، وكان جوابي بالحرف” كنت أفضل الا تتحدث الى ان يمن الله عليك بالصحة والعافية “.

ثم سأل” يبدو ان حديثي لم يعجبك”.

وأجبت” هؤلاء الناس، على حد تعبيرك، كانوا يريدون أن ينتزعوا منك شهادة براءة ، وحصلوا على ما يريدون”.

وشعرت وقتها بأنني ربما أبديت ملاحظة تنقصها اللباقة، وهو أمر لا يجوز أخلاقياً، لشخص يصارع المرض في صمت.

لكنه قال بلطفه المعهود” طيب يا شقي الحال (وهي العبارة التي دأب على مخاطبتي بها) حاول ان تصحح ما يمكن تصحيحه …هؤلاء الناس الله يهديهم”.

كان هذا بالضبط ما جري بيننا من حوار.

وفهمت من تلك الجملة “حاول ان تصحح ما يمكن تصحيحه” أنها وصية.

وقررت وقتها أن أفعل، أي ان أصحح، والرجل بيننا، لكن رحيله، وحزني الشديد على ذلك الرحيل جعلني لا أتوقف عند تلك الجزئية، وأقول الآننادماً، ليتني كنت فعلت، والطيب بيننا. تماماً كما فعلت عندما زار الخرطوم في ابريل 2005 ، حين رتبت له لقاءات مع كبار الرسميين من طرف أشخاص كان يهمهم النظام وليس الطيب. وأتذكر أنه كان يحدثني عن أن “فلاناً” أو ” فلان” من الذين رتبوا زيارته الى الخرطوم أو من احتفوا به هناك “أناس طيبون” لأن الطيب صالح طيلة حياته لم ينتقد شخصاً، بل كان يعتقد دائماً أن جميع الناس في هذا الوطن الذي نحب “طيبون عشرتهم سهلة” وكان تعليقي على ذلك الانطباع ” لا يوجد في القنافد أملس” وكان يضحك كثيراً لهذا التعبير.

كنت أدرك أن الطيب صالح سيتعرض لحملة جامحة، بعد تصريحاته في ذلك الحوار التلفزيوني. كان أمراً محزناً. وكنت في تلك الفترة، أقول مع نفسي “ليس هذا وقته، بل لا يجوز والرجل يصارع بثبات المرض والألم أن نقحمه في جدل سياسي”.

لكنني كنت أدرك أن ” أهل النظام” سيستغلون ذلك الحوار الى أبعد الحدود، وهذا ما حدث. والحقيقة أنني اطلعت على ما كتبه بعضهم واستغربت، وتابعت ما يرويه آخرون واستعجبت. أكثر من ذلك بات اسم “الطيب صالح” بكل رمزيته، وسيلة للدعاية والإعلان، لشركة هاتف محمول يديرها من تورط يوماً في تهجير الفلاشا.

الطيب صالح الآن في رحاب الله ، لكن لأننا في عصر التوثيق، فإن ما قاله موجود ومتاح للجميع. كان آخر لقاء تلفزيوني ، قبل حوار التلفزيون السوداني ، مع قناة فضائية مصرية، وكان وقتها في صحة طيبة . في ذلك الحوار قال الطيب صالح ” اخواننا الذي حكموا السودان قرابة 20 سنة ، أي نظام الانقاذ، حتى لو افترضنا حسن النية كانوا مخطئين، لانه في تقديري المتواضع ومن خلال التاريخ خرجوا وشذوا عن نغم السودان. كل أرض لها نغم وإذا جاء حكام وخرجوا عن هذا النغم دائماً يخطئون التاريخ”. ويضيف قائلاً ” هؤلاء قابلهم الناس بلا مبالاة لم يشاركوهم في صنع ما يريدون، الآن يبدو أنهم أدركوا هذه الحقيقة ويريدون أن يعيدوا الحقيقة الأساسية للبلد”. ثم يقول بعبارات واضحة” أرجو أن يتغير هؤلاء الأشخاص …هناك كثيرون يريدون خدمة البلد. يقولون إن أقسى اختبار للحب هو التنازل عن الحب نفسه،إذا كانوا يحبون السودان ، يجب عليهم الآن أن يتنازلوا، أن يتراجعوا ويفسحوا المجال لآخرين …لا يوجد سياسي لا يمكن الاستغناء عنه. وعلى عثمان والبشير نفسه يقول إنهم مستعدون ليفسحوا المجال لآخرين”. هكذا بالحرف.

هذا ما قاله الطيب صالح ، قبل حوار التلفزيون السوداني، لذلك يبدو جلياً أن حديث المرض كان خارج السياق.

وفي كتاب “على الدرب مع الطيب صالح” يقول الرجل بوضوح شديد” أنا لم أكتب ضدهم (النظام) لأنني أعمل ضمن معارضة منظمة. كل ما في الأمر أنني قلت وأقول رأيي، وهذا واجبي نحو أهلي. ثم ان هذا النظام محط انتقادات شرقاً وغرباً ومع ذلك تراهم يريدون إيقاف البحر عبر سدود الرمال”.

إن أهم ما تركه لنا الطيب صالح هو ما كتبه. والطيب صالح هو الذي كتب يقول ” الأوطان لا يبنيها رجل واحد ولا حفنة رجال”.

والطيب صالح هو الذي كتب ” من اين جاء هؤلاء الناس. بل من هؤلاء الناس”.

مع الطيب صالح في أصيلة


مع الطيب صالح في لندن


مع الطيب صالح

تعليق واحد

  1. اقسم بالله اننا كنا جماعة حينما اطل الطيب صالح رحمه الله من التلفزيون و كلنا تلفظنا علي الفور بما معناه : اين الرحمة يا الهي ! الا يوجد عند هؤلاء الناس ذرة من الحياء ! هل يستطيع من هو في هذه الحالة ان يقدم شهادة في محكمة ما دعك من لقاء تلفزيوني يتطلب اول ما يتطلب حالة صحية مستقرة وحالة ذهنية مستقرة تبعا لذلك ! فعلوا ذلك مع المرحوم الفنان خضر بشير وجعلوه يغني وهو في فراشه مشلول ! من اين اتي هؤلاء الناس ! نسأل حقا ولا نكرر قولك يا عزيزنا رحمك الله ولطف بالسودان واهله

  2. اه طيب؟ ياشقي الحال! نعمل شنو حتي لو كان الطيب صالح قاصد كلامه اوغير قاصد خلاص الاديب الطيب صالح مات ربنا يرحمه ويغفر ليه;( ;( ;(

  3. لك منا التحية والتقدير ومن الله خير الجزاء.. فقد صنت الأمانة وأديت الوصية وأوفيت الرجل وهو في رحاب الله حقه عليك – يرحمه الله.
    والأجمل في مقالك هذا أنك أعدت إلى أذهان كل من شاهد ذاك اللقاء التلفزيوني الكئيب إحساس بأن الرجل يعاني لحظات تعذيب مقصود ومبرمج وهو يحتضر, دونما رحمة من جلاديه. كنت والله اسائل نفسي وأنا اتابع اللقاء من أين لهلاء هذا التبلد أو التصلب الحسي وهم يرمون بسياط اسئلتهم وكاميراتهم مسلطة على شخص كان بادياً عليه أنه في الرمق الأخير يعاني، وهم يهيلون عليه سياطهم عن السياسة وهو يحاول جاهداً أن يجيب وليت اللقاء ينتهي.. وقد سالت مني دمعة وداع لحظتها لهذا الشامخ الكبير..
    شكراً لك أنك كنت أميناً مع الطيب حين قلت له الحقيقة وهو حي،اً وشكراً لك أن بلغت وصيته لمحبيه ولشعبه المغلوب على أمره. ورجاءً أتحفنا بدررك المكنونة.
    والتحية.

  4. أشرف عبد الباقي – السياسة عند الطييب صالح والمحبوب.. شيء عقلاني

    مقال نشره خالد الاعيسر في صحيفة آخر لحظة يوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2008 ? العدد (767) وخالد الاعيسر هو من أجرى الحوار مع الطيب صالح – وعنوان المقال هو: السياسة عند الطييب صالح والمحبوب.. شيء عقلاني

    الى المقال

    الحراك الذي أعقب الافادات التلفزيونية الجريئة التي أدلى بها مؤخراً الروائي السوداني (العالمي) الطيب صالح أصابني الى حد كبير بالاحباط ودفعني للإدلاء بشهادة ما كنت أود البوح بها، لأنقل جزءاً يسيراً من حوارات الصالونات في لندن وبعض المشاهد من كواليس هذا الحوار الذي أثار توسونامي بين كتاب الصحف السودانية والعربية بين مؤيد وناقم، ولم تخلو بعض الكتابات من تفلتات، خاصة تلك التي خطها كتاب المدونات وبلغت حد وصفه بالجلابي الشمالي العنصري.
    لقد تداعت الى ذاكرتي كتابات أحمد سعيد محمدية في تقديمه للأعمال الكاملة للطيب صالح (لمحة عن الطيب صالح فناناً وأنساناً) باعتبارها تجسيداً نزيهياً لأخلاقيات سودانية أصيلة عندما قال عنه: (رأيت الطيب صالح أول مرة في بيت سفير السودان في لندن جمال محمد أحمد، وكان وديعاً ورقيقاً ويكاد أن يكون حيياً، وأخذت أرقبه وكأنني استطلع فيه صورة غريبة من صور الكون العجيب.. كم تختلج وراء هذا المظهر الهادئ براكين فنية.. وكم تختفي وراء هذه البساطة عوالم جياشة، وحيوات محتدمة).
    أجدني راضياً متقبلاً هذه الكلمات لتوافقها مع شخص أديبنا الكبير.. ولا أشتط مغالياً في القول أن الطيب صالح بانسيابه وملئه للفراغات الروحية أدباً في نفوسنا انما هو أغزر مما يتصور البعض خلقاً وعفة ووطنية، وذلك معلوم للذين يجالسونه ويعرفونه عن كثب، أما السياسة موضع هذا الجدل فهي (كما يحلو له) من الأشياء العقلانية التي يهتم بها الانسان، هكذا يصفها في تواضع جم..
    ولكن ألا يحق السؤال؟.. هل السياسة حجر عليه وملك لآخرين أقل تبصراً واطلاعاً وتجربة في الحياة؟
    كلا.. لا سيما وأن كتاباته عندما كانت توافق وتشاطر أراء الذين ينتقدونه اليوم، كان طيباً وصالحاً.. واليوم فهو طالح لا صالح.
    علماً بأنه درس السياسة في أعرق جامعات العالم (جامعة لندن) ويحمل فيها شهادة عليا في شؤون العلاقات الدولية.
    لست بصدد الدفاع عنه والرد على الأفكار التي استدعاها اللقاء الأخير خاصة افادات البعض بأن تصريحاته جاءت بفعل تأثير المرض وضيق اليد وانهزامه روحياً ادراكاً منه بقرب المنية (سبحان علام الغيوب).
    فقدرات الطيب الت****يرية خلال الحوار لا يطولها العجز والشك وهي أبلغ وأقوى من غمرة المرض وبؤس الروح والهروب من حتمية الأجل.
    بالرغم من يقيني بأن الطيب لا يلقي بالاً لهذه الاتهامات، الا أن الأمانة تقتضي القول أنني ورفاقي الفنيين وجميعهم من الأجانب عندما التقيناه قبل أسابيع في رحلة التصوير بضاحية ويمبلدون في أطراف العاصمة البريطانية، احتسينا معه القهوة بعد أن أحسن صنعها بيده.. ويا لها من قهوة تلك التي يصنع أديبنا الكبير!.
    كان أصيلاً .. مضيفاً.. بسيطاً.. ومتواضعاً في استقبالي وصحبي الذين دهشوا من سلوك الهرم.
    هوامش التصوير كانت حُبلى بالذكريات التي جمعته بالكاتب المصري المعروف ادوارد الخراط، بعد أن استوقفه أسم أحد المصورين وأنا أقدمه (أيمن) الأبن الأصغر للخراط، فسبح معه في فضاءات حميمية سرد خلالها عمق ذكرياته مع والد مصورنا في مصر.
    وبالسحر نفسه عرج بسؤالي عن أخبار صديقنا المحبوب ****د السلام القيادي بالمؤتمر الش****ي.. لا عجب فالرجل يرى في المحبوب قدراً عالياً من الثقافة والاطلاع، لم يكن ذلك من ضرورات التمهيد لتوجيهه نقداً لاذعاً لشخوص وقياديين يشاركون المحبوب هواه السياسي من بينهم الدكتور علي الحاج الذي وصفه في الحوار (بالمخرب)، ولكن ومنذ آمد بعيد كنا نعلم أنه يبادل الرجل الثناء والاطراء، ولما لا؟.. ومجالس الكتاب والمثقفين في عاصمة الضباب تزخر بأرصدة كبيرة من أختلاف أرائهما وابقائهما لعنصر المودة والاحترام.
    سأل المحبوب صديقه الطيب صالح مرة عن سر عدم زيارته للسودان إبان العهد الأول للانقاذ أوائل التسعينيات عندما كانت الحركة الاسلامية موحدة وأمرها على قلب رجل واحد، فرد الطيب: والله أنتو يا أبني نصفكم مجانين والنصف الأخر عاقل، لما توصل مطار الخرطوم يقوموا يقبضوا عليك المجانين وعلى بال ما يسمعوا بيك العاقلين، يكون المجانين عملوا فيك العايزنو.
    تلك هي الروح التي يجب أن تحكم علاقة النقيضين بغض النظر عن تقاطع أفكارهما السياسية، الغريب أن المناسبة كانت دعوة توجه بها الطيب صالح للمحبوب في لندن بمناسبة زواجه مطلع التسعينيات.
    .. مناسبة أخرى كان مسرحها منزل الأستاذ حسن تاج السر في شمال لندن، كنت حضوراً برفقة الأساتذة بونا ملوال وحسن ساتي ومحمد الحسن أحمد، استرسل المحبوب يحدثنا عن فترة تواجد اسامة بن لادن بالسودان وما صاحب تلك الفترة من مضايقات السياسة الدولية تجاه السودان، فطلب الأستاذ الطيب من المحبوب أن يحكي عن (الفترة التي يسميها بالهستيرية للانقاذ)، وعن حيثيات اعتقال الارهابي كارلوس سنة 1993 ومدى علم القيادة السودانية بالعملية قبل وقوعها، فاسترسل المحبوب سارداً الحكاية برمتها لأنه الشخص الذي أوكلت له مهمة الترجمة مع الجهاز الفرنسي بصفته من قياديي الصف الاسلامي الأمامي آنذاك وتوليه السلطات مصداقية كبيرة في حفظ السر الخطير، فقال المحبوب أن المسؤولين عن الرقابة على كارلوس كانوا يعتقدون أنهم يراقبون جماعة الزعيم الفلسطيني أبو نضال.
    فهم الطيب صالح قاطعاً صمت الحاضرين.. (وحتى ده كمان جيبتوهو يا محبوب)، وضحكنا..
    أما المقولة المأثورة (من أين أتى هولاء) التي كتبها الطيب صالح في عاموده (نحو أفق بعيد) بمجلة المجلة اللندنية، أذكر أننا في جلسة أخرى كانت بمنزل الأستاذ محمد الحسن أحمد تداولنا فيها مطولاً أمر المقالة الشهيرة وكنت شاهد عيان عندما مدح الأستاذ الطيب صالح المحبوب لمتانة وشاعرية نصوصه في رده عليه في مقال نشرته صحيفة الانقاذ (يا أبني أنا أعظم ما قرأت هو ردك علي في ال****ارة أياها.. الناس البيعملوا الأشياء الما كويسة دي جو من وين).
    الطيب صالح لم يكن وحده من أعجب برد المحبوب، فيحكى أن أحد قادة الصف الأنقاذي الأمامي قال مخاطباً المحبوب (يا محبوب لما قرأت ردك على الطيب صالح والله دعيت ليك في السجود مع صلاة الصبح).
    لم تنقطع اريحيات صالونات لندن الودية، بعد أن أردف الطيب مخاطباً المحبوب: أي واحد من الاسلاميين لما تلقاه براه زول كويس ومعقول جداً، لكن لا أدري لما تتلملموا بيحصل أيه؟. وهذا هو نفس الرأي الذي ****ر به عن إعجابه بالأستاذ مهدي ابراهيم عندما زاره بمنزله وهو سفير السودان بواشنطن، وكذلك عن الدكتور غازي صلاح الدين عندما جمعهما مؤتمر حول مشكلة جنوب السودان في برشلونه.
    أمل أن تكون هذه المقاربة محفزاً لبعض كتابنا في انتقاد الأخرين ليرتفع الوعي النقدي خاصة لدى أولئك الذين وصفوا الطيب صالح بالعنصري وأرادوا أن يلغوا كل تاريخه الأدبي لمجرد إبدائه رأياً في قضايا وطنية تخص الكافة، ولنا في رأي أحمد سعيد محمدية ال****رة: (شمال السودان هي المادة التي يختار الطيب نماذجه الانسانية منها وشخوص أعماله هي الرجال والنساء والأطفال الذين يحفل بهم هذا الجزء من التراب السوداني، وهم على أية حال لا يختلفون كثيراً عن نماذج بقية أجزاء السودان الأرض والناس).
    فأتقوا الله في الطيب صالح وأسألوا عنه صديقه المحبوب ****د السلام، فكلاهما نقيضين في السياسة، لكن مزاجهما الأدبي المشترك دفعهم للتفريق بين الأدب والسياسة فحافظوا على علاقة حميمة بينهما.
    وكفى بلادنا مصائب فلا تضيفوا لها مصيبة جديدة بتعديكم على رموزها الوطنية وبواباتها نحو العالمية.
    وأبسطوا أيديكم بالدعاء لأديبنا الكبير بعاجل الشفاء.

    صحيفة آخر لحظة الثلاثاء 16 سبتمبر 2008 ? العدد (767)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..