إليك مع كل الشوق (٢ – ٣)

يوسف عبد الرضي
ها أنا أعود وأكتب رسالتي الثانية ، أتمنى أن تجدك في نعيم دائم ، أنت ومن معك في جنان الخلد من الشهداء والصديقين ، وحسن أولئك رفيقًا.
عندما فارقتنا في سبعينيات القرن الماضي ، كانت لنا أحلام ، وكان جهدنا أن تتحقق في مقبل السنين. لا أحب أن أقلقك ، لكن ليتنا كنا كما كنا عليه. زادت الأعداد ، وأصبحت الأسرة الواحدة مجموعة من الأسر ، وتداخلت العلاقات. العالم أصبح أكثر قربًا ، ليس فقط كقرية واحدة ، بل أقرب من غرفة ، أصغر من بيتنا القديم الذي كان يسع الجميع : الزير ، ومكان العواسة ، وثلاثة عناقريب كبار ، واثنين من “الهبابات” محشورات تحت العناقريب.
أتذكر تمامًا عندما عملنا راكوبة ووسعنا البيت من الداخل ، كيف جمعت كل ناس الفريق في العصر. وفعلاً، كان العنقريب يشيل مية. أما الآن ، فأصبحت البيوت واسعة ، وعدد الغرف أكبر ، لكنها خالية. الدخول صار بحذر ، والأبواب مغلقة. أتحسر كلما أتذكر الجيران ، حين كان الكل يتونس مع الآخر وهو في سريره. لم تكن هناك أسرار ، كان الكل يعيش في العلن.
أما اليوم ، تناحر الإخوة في تفاصيل مضحكة. كنا نفرح عندما يزجرك عمك أحمد ود يوسف أو أي شخص ، وتكتم ما قاله لك وتعمل به ، وإذا نقلت الخبر إلى أبيك ، كنت قطعًا أنت الغلطان. كان الموقف يُختتم بعبارة “ربي العندك”، وكان الكل يرى الخطأ ويسعى لإصلاحه. أما الآن ، أصبح الخطأ مبررًا ، والعبارة السائدة هي “ما علينا”.
تمنيت أن يرجع الزمن ، حين كان عمك وخالك وأي كبير في القرية يمثل التربية الجماعية. أما الآن ، فقد فلت العيار ، وأصبح الأب يقال له: “يا حاج ، انت ما ناقش حاجة”، وهذا أمامه ، أما خلفه ، فلا يقال سوى “الجولك”.
أصبح الأمل في دعواتكم وأنتم في البرزخ ، نرجو المدد ، لأن ظاهر الأرض أصبح بدرجة من السوء لا تُطاق.
الدين عندكم كان واحدًا، والآن تشعبت السبل وكثرت المذاهب. الموت باسم الدين في كل شارع ، يلتقي الطرفان والكل يكبر في وجه الآخر ويقتله. حاولت أن أفهم أيهم أفضل من الآخر ، وعندما لم أجد الإجابة ، هربت من الطرفين.
لا أطيل عليك ، نحن في مجموعة من الأزمات. ليتنا وجدنا لها من الحلول ما هو أنسب. ذهبت الأخلاق ، فلا نخوة ، ولا مروءة ، ولا شجاعة. كل هذا رحل. والسبب؟ لم تتركوا وراءكم شيئًا ، أخذتموه معكم وتركتم لنا أسماءكم التي نعتز بها.
ملحوظة :
الكل في هذه الأيام مستعد للرحيل. إذا دخلت أي فئة من الطرفين القرية ، سيرحل الجميع ؛ مجموعة تصل إليكم حيث أنتم ، ومجموعة تتوه في الأرض.
ابنك المشتاق ،
يوسف عبدالرضي