مصر والسودان : نهر من التاريخ وفكر يجدد التكامل

✍ حسن عبد الرضي الشيخ
تمثل العلاقة بين مصر والسودان نموذجًا فريدًا للترابط التاريخي والثقافي الذي يمتد لقرون، حيث يجمع بين البلدين نهر النيل كشريان حياة ومصدر مشترك للتنمية والتواصل. هذه العلاقة، التي لم تكن يومًا مجرد جغرافيا متجاورة، ظلت تحمل في طياتها أبعادًا ثقافية وسياسية واجتماعية متشابكة، مما جعلها دائمًا محورًا للجدل والتأمل في مساراتها المستقبلية.
وفي هذا السياق، تبرز بعض الرؤى الفكرية العميقة التي تطرح تصورًا مستنيرًا لمستقبل هذه العلاقة. إذ تُنادي تلك الرؤى بضرورة بناء علاقة قائمة على التكامل والاحترام المتبادل، بعيدًا عن أي شكل من أشكال الهيمنة أو التبعية، مؤكدة أن المصالح الحقيقية للشعبين لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال شراكة متوازنة تستند إلى الإرث الثقافي والتاريخي المشترك. فلا بد أن يكون التكامل الثقافي والتاريخي هو القاعدة الصلبة لتلك العلاقة المتينة.
إن العلاقة بين مصر والسودان يجب ألا تُبنى على المصالح الاقتصادية والسياسية الآنية فحسب، بل ينبغي أن تستند إلى الجذور الثقافية والتاريخية العميقة التي تربط الشعبين منذ القدم. فالحضارتان المصرية والسودانية لم تكونا مجرد جارتين، بل تعايشتا وتأثرتا ببعضهما البعض، مما جعل النسيج الثقافي لكل منهما يحمل بصمات الآخر.
إن استلهام هذا الإرث المشترك يمكن أن يكون نقطة انطلاق لعلاقة مستقبلية تقوم على التفاهم العميق، لا مجرد حسابات المصالح الضيقة. فالثقافة المشتركة تشكل جسرًا قويًا يمكن أن يسهم في تجاوز الاختلافات السياسية الظرفية، ويؤسس لتعاون مستدام يعبر عن تطلعات الشعبين. وإنحاء فكرة التوسع والهيمنة جانبًا يجعلها علاقة تقوم على المساواة. كما أن أي علاقة صحية بين مصر والسودان يجب أن تكون قائمة على مبدأ المساواة، بحيث لا يطغى طرف على آخر، ولا يُنظر إلى العلاقة من منظور السيطرة أو التبعية. فقد شهد التاريخ فترات من التقارب وأخرى من التوتر، وكثيرًا ما كانت هذه التوترات ناتجة عن محاولات فرض النفوذ أو التحكم في مسار العلاقات بما يخدم مصالح طرف دون الآخر.
لذلك، فإن بناء علاقة متوازنة يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل، والاعتراف بحق كل دولة في تقرير مصيرها بحرية. فالتعاون الحقيقي لا يمكن أن يتحقق في ظل اختلال موازين القوى، بل من خلال شراكة عادلة تضع مصلحة الشعبين في مقدمة الأولويات.
وخير أساس لتلك العلاقة هو التعاون الاقتصادي والتنموي، الذي يمثل مفتاحًا للازدهار المشترك. إذ إن التكامل الاقتصادي بين السودان ومصر يمكن أن يكون حجر الزاوية في بناء علاقة قوية بين البلدين. فالسودان، بموارده الطبيعية الغنية، يمكن أن يشكل قاعدة زراعية وحيوانية وصناعية واعدة، في حين تمتلك مصر خبرات صناعية وتكنولوجية متقدمة يمكن أن تُسهم في تطوير هذه الموارد وتحقيق قيمة مضافة لكلا البلدين.
لكن هذا التكامل لن يكون مجديًا ما لم يتم تنظيمه وفق رؤية تنموية عادلة تضمن توزيع المنافع بشكل متوازن. فالاقتصاد ليس مجرد أرقام وصفقات، بل هو في جوهره وسيلة لتحقيق حياة كريمة للشعوب. ومن هنا، فإن نجاح أي مشروع تكاملي بين مصر والسودان يعتمد على إرادة سياسية صادقة، ونظم إدارية شفافة، ورؤية استراتيجية تجعل من التعاون الاقتصادي أداة لتحقيق رفاهية الشعبين، لا مجرد وسيلة لتعزيز نفوذ طرف على حساب الآخر. بناءً على ذلك، يكون استقلال القرار السوداني هو الشرط الأساسي لتلك الشراكة العادلة.
ورغم التأكيد على أهمية هذه العلاقة القوية بين البلدين، لا بد من الحرص على أن يحافظ السودان على استقلاله السياسي والاقتصادي، وألا تكون هناك أي شراكة مع مصر على حساب سيادته الوطنية. فالتكامل لا يعني الذوبان، والتعاون لا يعني التبعية، بل ينبغي أن يكون كل طرف قادرًا على اتخاذ قراراته بحرية بما يخدم مصالحه الوطنية.
لقد أثبت التاريخ أن العلاقات غير المتكافئة لا تدوم، وأن أي محاولة لفرض واقع غير عادل سرعان ما تؤدي إلى توترات تهدد استقرار المنطقة. ومن هنا، فإن بناء علاقة مستدامة بين مصر والسودان يتطلب إرادة مشتركة تحترم استقلالية القرار السوداني، وتؤسس لشراكة قائمة على الندية لا على التبعية.
والسؤال الجوهري الذي يحتاج إلى إجابة شفافة هو: ما هو دور الشعوب في بناء تلك العلاقات على أساس أنها القاعدة التي تضمن الاستدامة؟ يجب أن يكون النظر إلى العلاقات بين الدول ليس على أنها مجرد اتفاقيات سياسية بين الحكومات، بل لا بد أن نؤمن بأن الشعوب هي المحرك الأساسي لبناء علاقات مستدامة. فالتاريخ شاهد على أن العلاقات التي تقوم على المصالح الضيقة للأنظمة السياسية سرعان ما تنهار، بينما تلك التي تنبع من إرادة الشعوب وتستجيب لطموحاتها تظل راسخة وقادرة على مواجهة التحديات.
لذلك، فإن أي علاقة مستقبلية بين مصر والسودان ينبغي أن تكون مبنية على أسس شعبية، حيث يكون للمثقفين، ورجال الأعمال، والمجتمع المدني، والشباب دور فاعل في تشكيلها. فالشعوب، بحكم ارتباطها الفعلي بالمصالح الحقيقية، قادرة على تجاوز العقبات السياسية وفتح آفاق جديدة للتعاون القائم على الاحترام المتبادل.
فعلينا كشعبين شقيقين نطمح لخلق علاقة متينة بين بلدينا، هدفها السعي الحثيث نحو مستقبل مشترك، ولتمكين هذه الرؤية الاستراتيجية لتصبح علاقة مستدامة. فلندرك أن بناء علاقة متوازنة وقابلة للتطور بين مصر والسودان يتطلب تجاوز العقبات التقليدية والنظر إلى المستقبل برؤية استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة. وإذ نبشر وندعو إلى تحقيق هذه الرؤية الحصيفة على أرض الواقع، فإننا نطمئن من يحتاج إلى تطمين أن التكامل بين البلدين لا يعني ذوبان أحدهما في الآخر، بل يعني إيجاد صيغة تعاونية تحترم الخصوصيات وتستفيد من المزايا النسبية لكل منهما.
وفي ظل عالم متغير، حيث تلعب التحالفات الإقليمية دورًا متزايد الأهمية، فإن العلاقة بين وادي النيل يمكن أن تكون نموذجًا للشراكة الناجحة، ليس فقط بين بلدين جارين، بل كنموذج إقليمي يلهم دولًا أخرى لبناء شراكات قائمة على أسس عادلة ومستدامة.
إن الرؤية السليمة لهذه العلاقة تظل اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فالعالم لا ينتظر المترددين، والتاريخ لا يرحم من يهدرون الفرص. وبين مصر والسودان، لا تزال الفرصة قائمة لصياغة مستقبل جديد، حيث يكون التكامل خيارًا استراتيجيًا، لا مجرد شعار سياسي.
كلام عاقل جد جدا بعيد عن تشنج الغوغاء والرعاع وتجار الازمات
فما خلقنا الله الا لنتعايش معا في أرض الله الواسعه بحب وحريه وسلام .!!!
يا حسن لقد تجاوزت الاستعمار المصري لحلايب و….و….لذلك لا تكامل ولا علاقات مع مصر حتي تنسحب من حلايب وكل الاراضي السودانية المختلفة…
وخليك مع مربم الصادق…
ليكن الشعار “تحرير السودان من الاستعمار المصري ‘
لم ولن اتجاوز الاستعماري المصري لحلايب.. تحل مشكلة حلايب ثم نتجه للتكامل الاقتصادي
يا حسن نسيت الحكم الثنائي!
يبدو أن حسن عبد الرضي الشيخ مصري الجنسية لأن العرف المتبع عند العقلاء في كل بلاد العالم هو تقديم اسم بلدك عندما تتحدث عو العلاقات الثنائية !!!
هل سبق ان قرأتم لمصري يقدم اسم السودان على اسم بلاده ؟؟؟