الحاج أحمد .. قصة من وحى احداث منى

دخل على ّ ابنى المهندس والمغترب بالسعودية ذات اصيل متهلل الوجه وهو يصيح فى حبور : لقد تم اختيارك ضمن الذين اختارتهم القرعة للحج فى هذا العام ، ثم اردف ضاحكا : حجا مبرورا يا ابى .
هممت ان ارفض وذلك للسنة الثالثة على التوالى الّا ان شيء ما الجم لسانى ، اذاً اخيرا ساتحلل من آثامى وشرور نفسى ، وستنغسل ادرانى التى علقت بثنايا روحى طوال سنى عمرى ، وسوف ارجع من الحج نظيفاً من اى ذنب اغترفته يداى كما ولدتنى امى تماما .. هكذا تحدثت الى نفسى ساخراً ، فانا ومنذ بواكير الصبا كان اعتقادى فى وجود الله تشوبه شكوك عظيمة ترتقى فى بعض الاحيان الى مراقٍ تصل الى درجة الكفر .
صحيح اننى اصلى من حين الى آخر ، واذهب الى المسجد كل يوم جُمُعة حسبما جرت العادة ، واصوم شهر رمضان كما يفعل الآخرون ، وافعل الكثير من المعروف .. ولكن كل ذلك لم يكن بقناعة حقيقية .. وصحيح توقفت عن معاقرة الخمر منذ امد بعيد ، كما لم تجمعنى علاقة محرمة باى امرأة الا مرة واحدة ، وكان ذلك فى ايام الشباب ، وتحديدا عندما كنت طالبا بالمرحلة الثانوية ، فقد كنا خمس اصدقاء من مناطق مختلفة جمعتنا فصول الدراسة وسكن الداخلية فاجتمعنا على الضلال والسير فى طريق الباطل والسخرية من كل ما يمت للدين والمتدينين بصلة .. فبينما كان زملاءنا الطلبة يغطون فى نومهم ، او يستذكرون دروسهم ، كنا نتسلل لواذا من اسوار الداخلية حينما يتوغل المساء لنذهب الى بيت ( حواء ) طلبا للمتعة ومعاقرة الخمور ، ساعدنا فى ذلك تساهل مشرف الداخلية الذى كنا نرشوه بــ ( نص ) وفى بعض الاحيان وخاصة فى نهاية كل اسبوع بــ ( قزازة ) كاملة من ( عرقى ) حواء المعتق .
وحواء هذه امرأة فارعة الطول امتلكت ناصية الجمال .. مستهترة .. لعوب .. بذيئة .. ذربة اللسان ، إذ لا يكاد احد من مرتادى بيتها الذى احالته الى ( انداية ) صغيرة ان يسلم من سلاطة لسانها اللاذع .. كانت فى العقد الرابع من عمرها ، الا ان الناظر اليها يجزم بعدم تخطيها للعشرين ربيعا .. حيكت حولها القصص والاقاويل ، فمن قائل انها حملت سفاحا وهربت من بيت ذويها ، ومن قائل انها قتلت زوجها انتقاما لكرامتها إذ ضبطته ذات مساء يخونها فى مخدع الزوجية ، فما كان منها الا ان دست له السم فغادر الدنيا مبكيا على شبابه .. ذهب ولم يترك خلفه سوى صبية صغيرة جاءت مع امها لتعيشان فى احد اطراف تلك المدينة الصغيرة .. وهنالك من يقول ان اباها قد تبرأ منها بعد ان عجز عن تأديبها وثنيها عن السير فى طريق الرذيلة ، فطردها شر طردة ، ومن قال انها لقيطة جاءت من احد المدن البعيدة ، ولكن كل الذى قيل عنها كان مجرد شائعات واقاويل لا تستند الى دليل ، فالراجح وحسب لكنتها وسحنتها ولون بشرتها الذى يميل الى السمرة الفاقعة ، فان جذور حواء تعود الى احدى دول غرب افريقيا ، ومن الجائز ان تكون اسرتها وفدت الى المنطقة مع بداية المشروع واستقرت باحدى الكنابى المنتشرة بالقرب من المدينة ، ومن المؤكد ان حواء فضلت حياة المدينة على حياة الكنابى ، فامرأة بتلك المواصفات يستحيل لها العيش بين ( الترع ) و ( الكنارات ) و ( اب عشرين ) وما الى ذلك .
ففى ليلة ماطرة تسلل خمستنا ثم توجهنا الى بيت حواء تحت زخات المطر وقصف الرعود ، يدفعنا الى ذلك فورة الشباب وادماننا عرقى تلك المرأة اللعوب .. وصلنا الى وجهتنا وولجنا داخل البيت المكون من قطيتين بُنيتا من ( قش ) الحمرايا .. دلفنا الى احداها ، وهى التى يجتمع فيها الندامى ، فلم نجد غير مصطفى الذى حينما تلعب الخمر براسه يتوهم انه اصبح اسدا ، فيملأ بزئيره الذى يشبه مواء القطط ارجاء المكان ، وعندما ترتفع عقيرته بذلك لا يستطيع احد اسكاته سوى صديقه عبد الجبار .. وفى احد الاركان قبع عباس الذى كان يناديه اصحابه بــ ( حوض الرملة ) وامامه زجاجتان وكاس صغيرة ، فدعانا الى مجلسه وهو يصيح بلسان ( ألثغ ) اثقلته شدة السكرة التى ( ربطت ) برأسه : تفضلوا يا اولاد ( المصارين البيض ) واولاد المصارين البيض كُنية اطلقها علينا رواد الانداية لصغر سننا ، او لربما للمعاملة الرقيقة التى كنا نلقاها من صاحبتها .
انضممنا لعباس بعد ان خلعنا ملابسنا التى بللها المطر جاعلين من نتوءات ( الشِّعَب ) مشاجب نشرناها عليها .. جلسنا حوله نستمع الى بطولاته الوهمية مع دوران الكأس ورائحة القش المُبلل التى عبقت مع رائحة الخمر فأدارت الرؤوس .
لعبت الخمر براسى فوجدت نفسى اسير الى الخارج غير آبه بانهمار المطر الذى انفتحت عنه ابواب السماء ، فتوجهت الى القطية الاخرى وبيدى زجاجة لم يتبق بها سوى القليل من الخمر .. ولجت دونما اطرق الباب .. لم تحس بى حواء التى كانت تقف امام المرآة .. دنوت منها أتأمل صورتها بعينين نصف مغمضتين .. رات شبح ظلى خلفها على المرآة ، فالتففت الى وهمست فى رعب حقيقى وهى تنظر الى بنتها ( زينوبة ) التى كانت تغط فى سبات عميق : ما الذى اتى بك الى هنا ؟!! .. رفعت الزجاجة الى فمى وافرغت فى جوفى كل ما فيها دفعة واحدة ، دون ان اجيب على سؤالها .. دنوت اكثر فاكثر الى ان وقفت امامها مباشرة .. تجرأت ومددت يدى اتحسس شعرها .. ومن عجب انها لم تبد اى ممانعة وهى التى لا يطولها الا بعضا من ذوى الشأن فى المدينة .. كانت فى كامل زينتها .. لم اتمالك نفسى امام هذه ( الفتنة الهوجاء ) – كما يقول شاعرنا صلاح احمد ابراهيم – فتماديت حتى وجدتنى اضمها الى حضنى بكل عنفوان وجموح الشباب ، ظلت تنظر الى باستغراب وانفاسها تتسارع وصدرها يعلو ويهبط وانا اقوم بتقبيلها الى ان ارتمينا على اقرب سرير وجدناه امامنا ، ووو … فكان ما كان .
لم تجبنى ابى ، قالها عادل وهو ينظر الى بارتياب ..
همهمت باقتضاب : فاليكن ..
ثم سافرت حاجا الى بيت الله !!
لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك .. ان الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك .. كنت ارددها من لسانى فقط وانا اطوف بالكعبة ، واقول فى نفسى ما الفائدة من كل هذا الهراء .. رايت الكثيرون فى الطواف والسعى تنهمر من اعينهم الدموع ، ورأيت الجموع تتدافع نحو الحجر لتقبيله ، فكنت اتعجب واضحك ساخرا من سذاجتهم .. لم اكن مقتنع البتة بهذه المناسك التى كانت من وجهة نظرى لا تعدو ان تكون مجرد طقوس وثنية لا تقدم ولا تؤخر .. الاحرام الذى يساوى بين الجميع فتذوب بداخله كل الفوارق من طبقية واثنية وغيرها لم أرَ فيه الا خرقة ثقل على جسمى حملها .
فرغنا من عرفة وبتنا ليلتنا بمزدلفة ثم توجهنا صباحا الى منى لرمى الجمرات .. اثناء مسيرى مع الالوف الذين اكتظ بهم الممر كنت افكر وانا انظر الى الحصى فى كفى واقول فى نفسى ساخرا : أى شيطان هذا الذى ستؤثر فيه مثل هذه الحُصيًّات ، وفجاة وجدت نفسى ( معصور ) بين المئات ، لا ادرى ان كنت رائحا ام غاديا ، ومع شدة الضغط والدوران بدأت افقد توازنى شيئا فشيئا الى سقطت على وجهى .. اقدام على عنقى ، واخرى على ظهرى ، والكثير منها تضغط بشدة على رجلىّ ، امتلأ فمى ترابا عندما ( عفصت ) قدم احدهم راسى ، فجمعت قوتى وادخلت يدى تحت صدرى لاحرك جزء من الاحرام جعلته تحت وجهى ، ثم وضعت يداى على راسى وانا اردد بصدق اشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله .. طاف بذهنى الموت والنشور ، وعذاب القبر والنار ، وكلما تخيلت نفسى فى عرصات القيامة ازددت فى ترديد الشهادة ، ومن حسن حظى او لعله من لطف ( الله ) الذى كفرت به ردحا من الزمن ان سقط على كثير من الناس كوّنوا بينى وبين سيل الاقدام التى كانت تسير على غير هدى سدا منيعا .
كنت اتنفس بصعوبة وانا لازلت اردد فى الشهادة الى ان فقدت الوعى .. افقت من غيبوبتى على صوت ابنى عادل الذى كان ينظر الى باشفاق وهو يردد حمدا لهى على سلامتك ابى .
لم اصب باذى سوى رضوض خفيفة هنا وهناك ، وكسر فى احد اصابع رجلى اليمنى لم يمنعنى من اداء بقية المناسك .
ذهبت الى الحج وانا يومئذٍ اقرب الى الكفر ، ورجعت بايمان لو وُزع على اهل الارض لوسعهم .
احمد .. فى العشرين من ذى القعدة 1436
[email][email protected][/email]
نسأل الله لك القبول ياشيخ أحمد ومن أعظم الذنوب لقول الرسول صلي الله عليه وسلم أن يفضح المرء نفسه وقد ستره الله وهي المجاهرة بالمعاصي
.. تجرأت ومددت يدى اتحسس شعرها .. ومن عجب انها لم تبد اى ممانعة وهى التى لا يطولها الا بعضا من ذوى الشأن فى المدينة .. كانت فى كامل زينتها .. لم اتمالك نفسى امام هذه ( الفتنة الهوجاء ) – كما يقول شاعرنا صلاح احمد ابراهيم – فتماديت حتى وجدتنى اضمها الى حضنى بكل عنفوان وجموح الشباب ، ظلت تنظر الى باستغراب وانفاسها تتسارع وصدرها يعلو ويهبط وانا اقوم بتقبيلها الى ان ارتمينا على اقرب سرير وجدناه امامنا ، ووو … فكان ما كان .
طيب ما كان تتمها ياخ .. شحتفت روحنا .
قصة جوفاء الا من الاعتلال النفسى ….
اللهم لك الحمد ان هديت عبدك المنيب ( عوض )للايمان .اللهم اغفر ذنبه وتقبل حجه .اللهم ثبت ايمانه واحسن عاقبته وارزقه ونحن جميعا جنة الفردوس .. امييين
هذا عمل قصصي جميل وفاتن. ولو أن النهاية شكلت فخا دائريا بدأه المؤلف بالعنوان ووقع فيه طوعا.
من اجمل ماقرأت مؤخرا نضر الله قلمك الراقى ومزيدا من جراب الذكريات الجميلة مع اعجابى وخالص تحياتى