مقالات سياسية

نحو طليعة ثورية أعمق إيمانا بأهداف الثورة وأوثق إرتباطا بقاعدتها الإجتماعية

م. يوسف مصطفى محمد احمد

مامن ثورة سلمية حققت أهدافها ما لم تكن تعبر عن مصالح قاعدة اجتماعية عريضة وغالبة ، وما من قاعدة اجتماعية جنت ثمار ثورتها إلا وكانت فى مقدمتها طليعة ثورية مؤمنة بحتمية التغيير الجذرى لبنية وعلاقات النظام القديم ، كما انه ما من طليعة ترغب فى قيادة قواعدها الاجتماعية لتحقيق اهداف ثورتها يمكن ان تغض الطرف عن معيقات الواقع وتحدياته او قدرات القوى الاجتماعية المناهضة للثورة ، الراغبة فى الحفاظ على القديم بتناقضاته العميقة من اجل استدامة مصالحها الاقتصادية ومن ثم حظوظها الاجتماعية والسياسية.

إن ماتوفر لثورة ديسمبر من زخم شعبى و قاعدة اجتماعية ذات مصلحة غالبة فى التغيير ، لم يتوفر للثورتين السابقتين فى اكتوبر وابريل ولا اظنه قد توفر للثورات التى انتظمت الاقليم فيما عرف بالربيع العربى ، وذلك بقياس حجم التخريب الممنهج وتناقض مصالح اقلية استحوزت على الحكم المنفرد على مدى عقود ثلاثة ومصالح الغالبية الغالبة لشعبها، يضاف الى ذلك ثنائية قهر النظام الساقط التى جمعت مابين الشمولية العسكرية والايدولوجية الدينية فى بلد متعدد الاعراق والثقافات والاديان ، الامر الذى فتح امام القاعدة الاجتماعية المتضررة من هذا التناقض افاق مؤازرة رأى عام دولى، اما تعاطفا مع اقليات انتهكت حقوقها الانسانية قبل الاقتصادية والسياسية، او تناصرا من اجل تحجيم المد الاصولى وآثاره المدمرة فيما يخص الامن والسلم العالميين .

فلماذا إذن تقاصر اداء الطليعة الثورية لثورة ديسمبر عن بلوغ الغايات والاهداف التى صاغتها ذات الطليعة فيما عرف باعلان الحرية والتغيير ؟؟،

يلزمنا بدءا البحث فيما اذا كانت القوى النخبوية المعبرة عن تلك القواعد الاجتماعية الغالبة مما يصح ان يطلق عليها (طليعة ثورية) ام لا !! هذا هو السؤال، الذى بإجابته، تنفتح أمامنا مغاليق الواقع وتستبين تناقضاته ، ان اهم ما يميز الطليعة الثورية – فيما اعتقد – ؛ الايمان العميق بحتمية التغيير الجذرى لبنية النظام الذى قامت على ركام تناقضاته الثورة ، ثم امتلاك هذه الطليعة لمشروع رؤية ثورية متجاوز لتناقضات مصالح مكوناتها المختلفة من اجل الصالح الوطنى العام ، واخيرا تأتى ضرورة تماسك البنيان الداخلى لهيكل تلك الطليعة توفيقا مابين مطلوبات ديمقراطية التنظيم التحالفى وثورية الاداء والسلوك .

فهل إمتاز تحالف الحرية والتغيير بكل هذه المواصفات او بعضها ؟

إن الراصد لمحصلة اداء تحالف الحرية والتغيير للفترة التى اعقبت سقوط قمة هرم النظام السابق والممتدة لما يقارب العام والنصف ، يلحظ وبلا عناء جملة من التناقضات حالت بين هذا التحالف والاطلاع بدوره المأمول؛ فمن حيث عمق الإيمان بضرورة التغيير الجذرى لبنية النظام السابق او اعادة هيكلة مجمل مؤسسات الدولة بما يتسق ومطلوبات التحول الديمقراطى المنشود نلحظ تناقض مكونات التحالف مابين اصحاب الخيار الثورى الشامل الذى ينشد بنيانا ثوريا كامل النقاء على انقاض قديم لم يتم هدم قواعده بعد، ومابين اصحاب التوجه الاصلاحى او ان شئت الدقة اصحاب الحل التوفيقى الذى لايرى غضاضة فى إستصحاب بعض مؤسسات القديم وعلاقاته الشائهة كجزء من مرحلة الانتقال تحت زريعة توازن القوى وحتمية الامر الواقع ، اما فيما يخص امتلاك التحالف لمشروع ثوري شامل يخاطب مجمل قضايا التغيير فى ابعادها الاقتصادية ، الاجتماعية والسياسية ، يكتفى التحالف باعلان اشبه باعلان المبادئ دون بذل ما هو مطلوب من جهد لتطويره – بعد ما انجز هدفه المرحلى – الى برنامج عمل او خارطة طريق، اما فيما يتعلق بتماسك البنيان الداخلى لهيكل التحالف ، فالكل شهود على حالة الصراع المحموم بين كتله الاساسية المختلفة، صراع يمتد حتى داخل الكتلة الواحدة كما شاع فيما يخص خلافات تجمع المهنيين او تحالف نداء السودان او بقية التحالفات العسكرية او المدنية لذلك التحالف العريض الذى اعتبر بحق الاضخم فى تاريخ السودان .

يضاف لكل هذه التناقضات ما هو اعظم وأجل ، ما كان سببا مقيما فى عدم بلوغنا غايات اى تحالف على مدى تاريخنا السياسى واعنى هنا تحديدا (فوقية) كل تحالفاتنا السابقة والتى يصح فيها وصف (تحالف النخب ) المنفصمة عن جذور قواعدها الاجتماعية وبالتالى البعيدة عن هموم وامال تلك القواعد ، نخب لا ترى فى تلك القواعد أكثر من رصيد انتخابى تخطب ودها فقط وهى على مشارف صناديق الاقتراع !! هذا الفهم يجب ان يتغير الان قبل الغد ، ان اراد هذا التحالف كتابة عمر جديد لتفويضه الشعبى غير المسبوق ، والذى ارى بوادر تآكله راى العين ، استياءا من ضعف منتوج الثورة واحباطا من تقاصر اداء (الحاضنة السياسية) وسلطتها الانتقالية ، مما يفتح ابوابا مشرعة لتحالفات جنينية تتشكل نطفها الان، مما يهدد ما انجز وما لم ينجز !!! . عليه يتوجب على تحالف الحرية والتغيير وهو مقبل على مؤتمره المعلن ، التحلى بالشجاعة اللازمة واتساع الافق لإجراء المراجعات الضرورية التى تعالج تناقضاته المعيقة ودفع ما يستحق من اثمان حتى يتحول من تحالف فوقى منبت الصلة عن جذوره الى طليعة ثورية تعبر بصدق عن طموحات ومصالح القواعد الاجتماعية الممثلة لها.

نعلم ان الطريق الى تحقيق مطلوبات الثورة لم يكن فى يوم من الايام ميسورا ولا مفروشا بالورود بل هو طريق طويل وشاق، كثير المنعرجات ملئ بالمطبات، كما نعلم ايضا ان الرومانسيين وحدهم من يحلمون بانتصار خاطف وحاسم للثورة مما يضفى على القوى الثورية عبئا فوق ما تحمل من أعباء، غير ان الطريق الطويل لن تقطعه مالم تمتلك خارطة تحدد مساره وعزيمة تغالب مطباته ورفيق يبدد وحشته.

م. يوسف مصطفى محمد احمد

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..