لباس الخوف والجوع

دنيا دبنقا
يمر السودان هذه الأيام، خاصة في ولاياته: الشرقية، والغربية، والجنوبية، بمنعطفات وظروف، قد توسم (بضم التاء) بالخطيرة والعصيبة، والقاهرة علي سكانها، سيما بعد ثورتهم المجيدة، التي يعتقد فيها الكثيرون، أن الخرطوم هي وحدها من جنت الثمار، وشهدت بعضا من التغيير، دون سواها من الولايات.
الولايات التي جأر مواطنوها بالشكوي، لأنهم لم يتنفسوا تغييرا أو يحسوا نتائج ثورية؛ حيث إنهم ما زالوا يواجهون أمرين (بتشديد الراء وتسكين الياء) مهمين: أولهما، منذ سقوط النظام الإسلاموي الدموي، ظلت هذه الولايات تعيش فراغا دستوريا، ولم يحدث علي وجه بسيطتها أي تغيير يذكر؛ ثانيهما، ما زالت هذه الولايات تدار بواسطة قيادات النظام البائد، المتعفن بالفساد والفشل، وهم من خرج ضدهم الشعب، لكن الظالمون ما زالوا في شقاق بعيد.
فالشعب بالطبع في حاجة ماسة إلي الأمن والسلام الإجتماعي، ليكون الإستقرار ذروة سنامه، يمارس فيه حياته الطبيعية، من تجارة وصناعة، وحرفة زراعية بشقيها: النباتي والحيواني.
والناظر إلي خريف هذا العام، بالطبع يستقرؤ الإستنذار بهطول أمطار غزيرة، والإستبشار بخير وبركة الخريف، الذي سيعزز من فرص الإنتاج العالي؛ بيد أن هذا الإنتاج مواجه بتحديات كثيرة أبرزها: الأمنية؛ المتعلقة بالتفلت والإنفلات والمتفلت.
الثلاثي الذي يهدد الزرع والضرع، مما يستوجب الحكومة التعامل معه بالجد والحسم، وعدم المجاملة؛ بإعتبار أن حركة البادية من المصايف إلى المخارف، كثيرا ما تسبب العراقيل، في عملية إنجاح الخريف، وتتحكم في نهاياته.
مما يتطلب كذلك من الحكومة، وضع رؤية أمنية متكاملة، من توفير قوات عسكرية وأمنية لتأمين الموسم الزراعى، ومراقبة تحركات البادية، بين الفينة والأخرى، عبر المسارات والمراحيل المعروفة، ضمانا لشيئين مهمين: سلامة عودة البادية، وعدم التعدى على المزارع، ضمانا لعدم حدوث أي نزاع أو صراع، بين الزرع والضرع.
وعلى جميع مكونات المجتمع، بمناطق النزاعات والصراعات، إعلاء قيم التسامح، وتعزيز السلام المجتمعى بينهم؛ والعمل علي وقف التصعيد والمشاحنات والإصطفاف، الذي سيرجع هذه المناطق كرتين إلى مربعات الإحتراب القبلى.
وعلى الدولة إطلاق سلطانها، وتفعيل دور وقوانين الإدارات الأهلية، لإحتواء الأزمات والصراعات والمشكلات، التى تشهدها بعض أقاليم أو ولايات السودان.
كل ذلك لأن إعمار الدنيا وفلاحها، وصلاح الآخرة، يتطلب المزيد من المحبة والثناء، بين سكان الأرض، والعمل علي مغالبة الشقاق، والإبتعاد عنه، ومن ثم تقريب الشقة، بين من غابت بينهم المواصلة، بالبر والمحبة والتآلف، ضد الشر والمنكر.
الأمر الذي ينبغي علينا جميعا، إيلاء النصح والإرشاد أهمية، وإعطائه دورا طليعيا بين المتنابزين المتناحرين؛ والإعلاء من قيم: التصافي، والتسامح، والتسامي، فوق الجراحات، بدلا عن ممارسة المكر والخداع والنفاق.
حتي لا نكون كالذين نقضوا غزل عيشهم بأيديهم، فنصحهم العلماء، لكنهم أغروا بهم، ولما صمت عنهم العقلاء، إزدروا عليهم؛ فأؤلئك الجهاد في علمهم، والفقراء في طولهم، والبخلاء عن الله عز وجل بأنفسهم؛ لا يفلحون ولا ينجح تابعهم.
ولذلك لا تظهر عليهم مواريث الصدق، ولا تسطع حولهم أنوار الولاية، ولا تتحقق لديهم أعلام المعرفة، ولا يستر عوراتهم لباس الخشية؛ إلا بمخافة رب العباد، وإحترام الحقوق والواجبات.
نور الدين بريمة
[email protected]