انقذوهم..!

حين تنظر إليهم؛ وهم ينقِّبون في تلال الأوساخ، وجِبال النفايات، لا تملك إلا أن تُرسل شهقة حزنٍ.. وجعاً عليهم. وحين يقع منظرهم بملابسهم البالية الممزقة، في محيط ناظريك، لا تملك إلا أن تُرسل اللعنات لمن أوجدوا هذا الواقع المأزوم.. والوضع البائس.. الذي يجعل شباباً وفِتيان يبحثون عن القوارير الفارغة في أكوام الأوساخ، علَّهم يحصدون ما يسد رمقهم.. ويروئ ظمأهم. رغم أن ذلك يُعرِّضهم ــ بلا أدنى شك ــ لخطر الاصابة بـ”الاسهالات المائية” التي ضربت أنحاء واسعة من السودان، دون أن تجد الحكومة الجرأة والمقدرة والشجاعة التي تجعلها تعلن الوباء في البلاد. بما يقود لوصول منظمة الصحة العالمية، حتى تكف هذا الأذى اللعين عن المواطنين. ولكنها للأسف لا تريد أن تعلن أن “الاسهالات المائية” ـــ كما تسميها ـــ قد وصلت إلى مرحلة الوباء. مع أن المؤتمر الشعبي ــ وهو حليف حكومي راسخ ــ جزم بأنه أجرى دراسة علمية صارمة، توصَّل من خلالها إلى أن “الاسهالات المائية” وصلت مرحلة الوباء ــ وبناءً على ذلك ــ مهر مذكرة تطالب بإعلان الوباء، ودفع بها لرئيس مجلس الوزراء الفريق أول “بكري حسن صالح”، دون أن يحصد أية استجابة..!

وظنِّي؛ أن منظر الشباب الذين يحملون الجوالات على رؤسهم، وهم يجوبون الطرقات والأزقَّة بحثاً عن قوارير المياه الغازية الفارغة بين “القمامة”، لو أنه حدث في دولة أخرى لكنَّا قد شهدنا استقالة وزير التنمية الاجتماعية.. ووزير الصحة. لكنه يحدث في دولة لا تساوي عندها صحة الإنسان شيئاً، وإلا كيف نفسِّر تباطؤ الحكومة في تنفيذ حملة صارمة لاصحاح البيئة، بما يقلل خطر الاصابة بـ”الاسهالات المائية”، وكيف نفسِّر سكوتها وهي ترى جبال النفايات تشمخ في كل الأسواق. بل وبالقرب من مواقع بيع الأطعمة والمأكولات، دون أن تحرك ساكناً. مع أن “الاسهالات المائية” حصدت.. وتحصد الآلاف من أبناء هذا الشعب المكلوم، الذي انشغلت عنه السلطات بما يحدث في المحيط العربي والخليجي على وجه التحديد. كما لو أن القطيعة بين السعودية وقطر أهم من حياة المعدمين في السودان!!

ولا أدري كيف تصمت السلطات على تلال الأوساخ، وهي تعلم يقينا أن هناك شرائح مجتمعية كبيرة من المشردين، وبعض المعدمين، تضطرهم الحاجة للبحث عن بقايا الطعام في محطات النفايات الوسيطة!! ولا أدري كيف يتناول مسؤولو الصحة والنظافة إفطارهم الرمضاني، وهم يعلمون علم اليقين أن تباطؤهم في حرق الاوساخ ــ ولا سيما هذه الأيام ــ يسوق قطاعات كثيرة الى المحرقة، والاصابة بـ”الاسهالات المائية”.

المطلوب يا سادتي؛ إن كنتم تقرُّون بحق هؤلاء البسطاء في الصحة.. والعيش الكريم. أن تسارعوا بمطاردة تلال الأوساخ، وتبيدونها كُليَّة. حتى لا تكون سبباً في إضافة مصابين جُدد بـ”الاسهالات المائية”. فإذا كان هؤلاء البسطاء لا يرون أن بحثهم في مكبَّات النفايات عن قوارير المياه الغازية الفارغة، وعن لقيمات يقمن أصلابهم، يعرضهم للخطر. فإن الممسكين بملف الصحة والنظافة يعلمون ذلك جيداً..! وعليه، فإنهم مسؤولون أمام الله تعالى عن ما يمكن أن يتعرَّض له هؤلاء.. ألا هل بلغت.. اللهم فأشهد.

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..