لا بديل للتعددية وحرية التعبير

البشير وإعادة التاريخ إلى الوراء(4/4) ?

لا بديل للتعددية وحرية التعبير

سليمان حامد الحاج

إنّ النظام الحالي بسياسته التي برهنت على فشلها التام خاصة في المجال الاقتصادى، يتوافق تماماً مع ما يتطلبه النظام الدولي الحالي. ويتمثل ذلك في تبني سياسات الخصخصة، واقتصاد السوق، وفتح فرص الاستثمار بشروط متساهلة في الاتفاقيات الموقعة عن قصد، والإنضمام لمنظمة التجارة الدولية وسياسات التكيف الهيكلي وكلها تعتبر من القيم التي يبشر بها النظام الدولي على مستوى العالم. ورغم إنّ نظام الإنقاذ قطع شوطاً مقدراً في الخضوع والتنفيذ لهذه السياسات، إلا أنّ متغيرات الوضع العالمي وداخل السودان تفترض نظاماً مستقراً، يضمن مواصلة هذه السياسات. وهذا لن يأتي إلا بتأكيد قيم الديمقراطية، وحرية التنظيم والتعبير، والمحافظة على حقوق الإنسان..الخ لزوم التنفيس.

بإيجاز بأنّ النظام الدولي وعلى رأسه الإدارة الأمريكية، لا تريد أن يحدث تغييراً جذرياً في هذا النظام، بل تسعى لإصلاحات في أطره الحالية تبعد المتشردين والمغالين في الدين أو الذين يريدون فتح الباب من جديد لمتطرفي الهوس الديني والإرهابيين، وأحكام سد الثغرات التي يدخل فيها الرأي الآخر المعارض لسياسة الرأسمالية الطفيلية وممارستها التي دمرت البلاد. إنّ الحديث عن إقامة الحدود وإقامة الدولة الدينية?الخ ليس إلا غطاءً لمواصلة نهب ثروات البلاد وإباحة وتحليل الربا وممارسة الفساد بغطاء ديني.

لقد أصبح ذلك غير ممكن في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية وداخل السودان نفسه. فما عاد شعب السودان قادراً على العيش في ظل هذا النظام الذي يفاقم يومياً من معاناته. ولا أفق للخروج من الواقع الاقتصادي المأزوم. وفي ظل المآسي التي تعم العديد من أنحاء البلاد، في دارفور وأبييّ وبؤر السخط في أقصى الشمال وكردفان وجنوبي النيل الأزرق والشرق. وهي بؤر من الممكن- مع سياسات القهر والوعد والوعيد باسم الدين، من الممكن أن تتفجر في أي وقت وتطيح بالنظام كله. وهذا ما لاتريده الإدارة الأمريكية.

جاء في مؤتمر (مستقبل الثقافة العربية) الذي انعقد في الفترة 4011/1997م أنه يدين الغلو في الدين وتديين الدنيا. فمن المعلوم في الفقه الإسلامي أن الأصل في الأمور هو الإباحة، والتحريم لا يكون إلا بنص جامع مانع قطعي الثبوت قطعي الدلالة. وفي مثل هذا النص فأن القراءة وفهم النص خاضعان للظروف المحيطة بمن يقرأ وكيف يقرأ. وهذا هو السبب الذي كان يقف وراء تلك التعددية الفقهية والسياسية التي نراها في تاريخ الإسلام ودوله.

فلماذا يرمي السيد رئيس الجمهورية كل ماقله هؤلاء وراء ظهره ويصر على رأيه ويكرر التهديد والوعيد بمثل هذه السيولة.

لقد صار واضحاً لدى شعب السودان أن كل ذلك ليس سوى الخوف على المصالح الدنيوية التي احتازوها والمحافظ عليها بكل الأساليب بما فيها تزييف الدين.

كان هذا الخداع ممكناً فيما مضى، أما اليوم فالعالم لم يعد كما كان، وليس بمقدور أي سلطة اجتماعية لما بلغت من الطغيان والجبروت وقوة الإعلام الموغل في الخداع أن تغلق أبواب المعرفة وتفاصيل أخبار ما يجري في العالم. ودونكم ماحدث في تونس والجزائر والأردن والانتصارات التي تحرزها شعوبها رغم أنف القهر والقتل الجماعي.

إنّ البحث عن الحقيقة والحصول عليها لم يعد أمراً عسيراً، فهو من أبرز سمات هذا العصر التي ساعد في توفيرها التقدم التكنولوجي والعلم الحديث وجعل الناس يتحلقون حول شاشات التلفاز ويقرأوون الأحداث في كتاب مفتوح, ولهذا أصبح غشهم وخداعهم عسيراً وعصياً جداً.

ولهذا فإنّ هذا النظام باصراره على السير عكس متغيرات العصر ومستجداته، وببالغ في اضطهاد الشعب ومعاناته فإنه يعيش خارج العصر.

وهل كان شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه محقاً عندما قال بالحرف في عام 1978:

(من الأفضل للشعب أن يمر بتجربة حكم جماعة الأخوان المسلمين، إذ لاشك أنها سوف تكون مفيدة للغاية فهي سوف تكشف لأبناء هذا البلد مدى زيف شعارات هذه الجماعة التي سوف تسيطر على السودان سياساً واقتصادياً ولوبالوسائل العسكرية. وسوف يذيقون الشعب الآمرين، وسوف يدخلون البلاد في فتنه تحيل نهارها إلى ليل، وسوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم وسف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً).

لوكان الأستاذ محمود محمد طه حياً وشاهداً على معاناة الشعب السوداني التي فاقت كل تصور في ظل نظام الإنقاذ، لتردد كثيراً في تمنيه لحكم الإسلاميين لشعب السودان؛ إلا أن ماكان صادقاً فيه هو أن شعب السودان عرف أكثر من أي وقت مضى زيف شعاراتهم عرت بعد علاقتهم عن الدين الذي عرفه شعب السودان دين التسامح والمحبة والإخاء.

ورغم أنّ الفتنة ورغم أن الفتنه قد وقعت بينهم منذ المفاصلة إلا أن خلافات المصالح الشخصية خاصة بين الذين مازالوا قابضين على كراسي الحكم تنخز في نخاع نظامهم. إلا أننا نعتبر ذلك عاملاً مساعداً؛ ولكن الشارع السوداني هو العامل الحاسم الذي يصنع التغيير عبر نضاله المثابر والدؤوب وهو الذي سيطيح بالنظام طال الزمن أم قصر.

ولهذا فنحن في الحزب الشيوعي سنعمل متضامنين مع كل القوى المعارضة التي لها مصلحة حقيقة في التغيير الجذري، وخلق نظام ديمقراطي تكون المواطنة فيه هي أساس الحقوق والواجبات. وأن لا يسمح بقيام حزب سياسي على أسس دينية أو قبلية أو جهوية، يبرر بها إقصاء الآخرين بمن المشاركة بالرأي ويبعدهم من مواقع القرار، وأن لايكون هناك تمييز بسبب الدين أو العرق أو اللون أو الثقافة أو الجنس.

إنّ فصل الدين عن الدولة، ليس معناه الكفر والإلحاد كما يعتقد دعاة الهوس الديني؛ بل يعني في الواقع حياد الدولة تجاه جميع الأديان وعدم انحيازها لأي دين فالدين لله والوطن للجميع. والنأي عن تفضيل دين على آخر باصدار التشريعات التي تعبر عن قيم دين بعينه أو توجيه الحياة الاجتماعية والاقتصادية لتعكس مفاهيم ذلك الدين.

هذا هو الذي يوحد شعب السودان ويدرأ الفتنة ويسهم في تجميع أطرافه حتى تلك التي تختار الانفصال بسبب المممارسات والسياسات السابقة.

هذا يستوجب نظاماً ديمقراطياً يقنن بوضوح هذه الحقوق في دستور يتوافق عليه الجميع، وتقوم في ظله انتخابات نزيهة ديمقراطية تنتج عنه حكومة ديمقراطية تعبر النظر في تقسيم السلطة والثروة بعدالة وبصورة متوازنة في كل أقاليم السودان.

الميدان

تعليق واحد

  1. اتفق ان يطرح هذا الطرح ولكن من الضروري ان يوازيه طرح اخر حول اقتصاد السوق, وارى ان يكون موقف الحزب الشيوعي المعلن(تكتيكا واستراتيجية) ليس اقتلاع القطاع الخاص ولكن ان ان تنشا مؤسسات ضخمة قطاع عام الى جانبه- اقتساما للثروة بين القطاعين.
    ربما تصلح التجربة الصينية مثالا.
    لو اتفقنا ان ازمة بلادنا هي ازمة مركزة وتهيمش. فاقتصاد السوق هو مركزة داخل مركزة.كي فوق الكي.
    من هذا فى القطاع الخاص الذى لا يهمه السلم الاجتماعي؟
    ارى ان يكون هذا الموقف مبدا لقبول الحزب الشيوعي لاي جبهة تعمل لتغيير النظام.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..