عبد المنعم سعد.. حكاية رجل كرّس حياته لنشر الثقافة.. منظمة ومكتبة للقراءة

الخرطوم- نمارق ضو البيت
رفع البعض حواجبهم دهشة لمعرفتهم بأن هنالك رجلاً اقتطع جزءاً من منزله، الذي يقع خلف الجامع الكبير ببحري، ليقيم عليه مكتبة عامة تفتح أبوابها للجميع طول الأسبوع، العم عبد المنعم سعد الحاج من مواليد عام 1943م الخرطوم بحري ?حلة حمد- حاول جاهدا أن يسهم في انتعاش القراءة في الخرطوم مرة أخرى.
وهو يتمنى من والي الخرطوم أن يجتهد في أن يعيد للعاصمة مجدها مرة أخرى، عبر اعتنائه بالعقول حتى يستطيع أن يتغلب على عقبات الفقر، المرض، واتساخ المدينة.
هذا الرجل السبعيني الذي لازال يدافع عن قضيته في نشر الثقافة، لم تثنه سخرية البعض وظل في عزيمته أفضت إلى اقتطاع جزء من بيته لأجل إنشاء مكتبة عامة، سيما وان موقع المنزل استثماري وبإمكانه أن يدر عليه أرباحاً ممتازة، لكنه لم يكترث لذلك، وظل يناضل من أجل استمرار المكتبة، التي أوصى أبناءه بأن تظل مفتوحة حتى بعد وفاته.
سليل جيل القراءة والمكتبات
“نبعت فكرة تكوين منظمة خاصة بالقراءة من إيماني بأهميتها للإنسان، لذلك بدأت بنفسي قبل الآخرين..”، هكذا ابتدر العم عبدالمنعم حديثه وقال: خصصت جزءا من منزلي كمكتبة عامة يمكن أن يرتادها الجميع من الساعة العاشرة صباحا وحتى الرابعة عصرا، فأنا واحد من الجيل الذي عاصر الخرطوم وهي تقرأ، وشاهدت المكتبات في كل مكان إلى جانب السينما والمسرح الهادف، في حقبة الستينيات حينما كانت هنالك ثورات في العالم العربي، وأضاف: كانت لدينا مكتبة في المنزل وأخرى في المدرسة والحي، وكانت هناك الكثير من المكتبات العامة المنتشرة في كل أنحاء البلاد، هذا غير المكتبات والأكشاك المخصصة لبيع الكتب والصحف، وتابع العم عبد المنعم حديثه وهو يسترجع أجمل الذكريات: كنت أعمل موظفاً قبل أن أنتقل للعمل الحر؛ وبرغم ضغوط الحياة وزخمها إلا أنني لم أترك القراءة ولا يوم، وعلى أسوأ الفروض كنت أقرأ كتابا واحدا في اليوم، وأضاف: مشروع المكتبة لا يجلب دخلاً مادياً لكنه يحقق لي ربحاً معنوياً كبيراً، سيما وأن المشترك لا يدفع سوى 10 جنيهات فقط كل شهر؛ ويمكنه مقابل ذلك المبلغ القراءة داخل المكتبة أو استعارة الكتاب حتى وإن لم يدفع اشتراكه الشهري، ومضى قائلاً: وجدت فكرة المكتبة العامة دعما لا محدود من الأهل والأصدقاء، وأثنى عليها الكثيرون لأنها تعزز وتدفع الشباب الراغبين إلى القراءة، ومع ذلك هنالك أشخاص اعتبروا مشروع المكتبة خطوة غير موفقة، نسبة لموقع المكتبة الاستثماري؛ وإقامة مكتبة عامة وشبه مجانية ليس مفيدا في هذه ظل الظروف الاقتصادية السيئة، لكني مؤمن بأهمية القراءة وأرى أنه من المهم إيجاد أماكن للقراءة والاطلاع في كل الأحياء؛ للطلاب والراغبين وإتاحة الفرص والأماكن المناسبة لذلك.
دهشة لوجود مكتبة عامة
وواصل عم عبد المنعم حديثة قائلا: اندهش البعض من وجود مكتبة عامة لم توصد أبوابها بعد، فالمكتبات المفتوحه أصبحت شبه منعدمة، وأخبرني عدد من الأشخاص أنهم بحثوا عن مكتبات عامة متاحه ولم يجدوا جوابا، وفي رأيي أن اختفاء حصة المكتبة من المدارس أثر كثيرا على هذا الأمر، فقلت روح القراءة لدى الأطفال شيئا فشيئا، وبالتالي تسببت المؤسسات التعليمية في إفراز جيل لا يقرأ، ولم يعد لدى الشباب رغبة في دخول المكتبات والاستمتاع بالكتب؛ لأنهم لم يعتادوا عليها، هذا الخلل في النظام التعليمي والتربوي تسبب في الجهل والانحطاط والتخلف، فالقراءة تعمل على إيقاد الذهن وإضافة المعرفة تهذب الأخلاق.
واستطرد: هنالك عدد من الشباب اعتبروا القراءة وسيلة ترفيهية؛ وهم يلهثون وراء معايشهم ووظائفهم التي لم تترك لهم وقتاً لذلك، وحتى لو توفر لهم الزمن ـ قال عم عبدالمنعم ـ فإنهم يفضلون تصفح الكتب الإلكترونية الموجودة في هواتفهم الذكية ولاب توباتهم، ومن وجهة نظري أنه لا بديل للكتب الورقية؛ ففي الدول المتقدمة التي ابتكرت هذه التكنولوجيا لازال الناس يحتفون بالكتاب الورقي، ويُقيمون له مكتبات ضخمة أشبه بالقصور والمتاحف، ولا غنى لهم عن الكتب والمكتبات، وهم أكثر الشعوب كتابة وقراءة وانتعشت لديهم حركة التأليف؛ وإلى جانب الكتاب تتوفر في المكتبات أسطوانات وكتب إلكترونية، وأضاف: وقد أوصيت بناتي بأن لا يغلقوا هذه المكتبة حتى بعد وفاتي.
إقبال ضعيف
بالرغم من أن المكتبة تُشرع أبوابها كل يوم، إلا أن الإقبال عليها ضعيف، وفي كثير من الأحيان لا يأتي غير قارئ واحد؛ ومع ذلك تظل أبواب المكتبة مشرعة، وأضاف: هنالك صفوف لتعليم الخط العربي، بعد أن أكدت الملاحظة الخطوط الرديئة التي باتت معتادة من لدن الصغار والكبار، ولاقت إقبالا لا بأس به، وفي السياق قال محمد دفع الله الامين العام لمنظمة اقرأ الثقافية: إن المجموعة تضم أكثر من 200 عضو، لكن الأعضاء الفاعلين 15، واسترسل قائلا: منظمتنا تحتاج لأفراد أكثر وعياً بأهمية القراءة للإنسان، فمعظم المنظمات الطوعية تهتم بالجانب الخدمي لكننا آثرنا الاهتمام بالجانب الفكري، ومن برامجنا إقامة مناقشات لبعض الكتب داخل أو خارج المكتبة، نقوم بالإعلان عنها على صفحتنا في الفيس بوك، وفيها يتم التصويت على الكتاب وتحديد مواعيد المناقشات، ونقوم بتوفير الكتاب إلكترونياً على الصفحة.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..