الشيوعى والكفر والايمان (9)

( فقهاء محدثون )
تحدثنا فى المرة الماضية عن فهم الدكتور عماد ، الطبيب النفسى ، صاحب آذان الانعام . وعن تفسيره لكهولة سيدنا عيسى حسب الآية القرآنية الكريمة , بربطها بما توصل اليه العلم مؤخرا من ان النعجة دولى ماتت وعمرها ست سنوات فقط لانها عندما ولدت كانت خلاياها فى عمر امها الذى كان عندئذ خمس عشؤة سنه ! ولاأظن ان احدا من القدامى ، او المتمسكين بتفسيرات القدامى يمكن ان يأخذ مأخذا دينيا على تفسير الدكتور عماد .
بيت العنكبوت :
فى تفسير رائع آخر للآية القرآنية الكريمة : ( مثل الذين أتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت أتخذت بيتا وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) .
يقول الدكتور : غير انه لما اتضح ان بيت العنكبوت ? المادى- ليس اوهن البيوت ، ولكن قد يكون المعنى المقصود من الله ? سبحانه وتعالى ? بعد ان كشف العلم بين الزوج والزوجة العنكبوتية هى الواهنة ، التى ” يقتل فيها الاب والام بعضهما ، وكلاهما يقتل الصغار ، وصغارهما يأكلون أباهم وامهم فيما أتيحت لهم الفرصة “. بعد هذا الكشف قد يكون وهن البيت المعنى هو فى هذه العلاقة ! والله أعلم .
نعم ، والله أعلم . لاحظ ان المؤلف لايقول ان هذا هو التفسير الصحيح الذى ليس غيره تفسير ، ولكنه يقول بكل تواضع : قد يكون المعنى المقصود من الله هو …
هذا يذكرنى مايكرره الدكتور سعد الدين الهلالى ، ولايمل تكراره : لا احد يدرك المعنى المقصود من الله تماما ، وانما يقول بمايرى هو ، وقوله ليس ملزم الا لمن يقتنع به وله . لذلك قال رسول الله لقادته : اذا طلبوا منك ان تنزلهم على قول الله فلاتفعل وانزلهم على قولك ، فانت لاتعلم اتصيب قول الله فيهم ام لا .
فياايها الفقهاء قولوا ما لديكم ولكن لاتجعلوه القول الفصل ولاتلزموا به أحد . واتركوا الباب مفتوحا لاجتهاد أمثال الدكتور عماد طالما انه لايخالف ماهو معلوم من الدين .
مثل آخر لتفسيرات الدكتور المعجزة فى قوله تعالى :( ان الله لايستحى ان يضرب مثلا ما بعوضة فمافوقها …) ، يقول كان المفروض ، اذا كان المقصود هو حجم البعوضة ،ان يقال وماتحتها ، الا انه اتضح مع العلم ، ان البعوضة تحمل فوقها حشرة اقل منها حجما ، لاترى بالعين ، وهى ضرورية لعيش البعوضة !
يقول المؤلف : من هذه الامثلة نستخلص ان ضرب المثل فى القرآن أمر خطير ، وذو مدلولات علمية وتعليمية أبعد كثيرا من تبسيط المعنى الذى ضرب المثل من أجله . فالمثل فى القرآن قد يضرب ليزيل حيرة ، ولكنه يخلق حيرة جديدة ، حتى لاتنتهى الاعجاز ولا ينتهى التدبر فيه .
وأقول : غير ان الذين يريدون تثبيتنا على معان معينة فيها فائدة دنيوية لهم ، هم من أغلقوا باب الاجتهاد فى البداية ، وهم من يريدون استمرار اغلاقه حتى النهاية . من امثال من قتلوا الاستاذ محمود محمد طه ، وقبله الآلاف . هم من احرقوا كتب ابن رشد ومن قتلواالدكتور فرج فودة .
وللتدليل على الفهم الخاطئ الذى يقول بالفهم الواحد للنصوص ، بل واحيانا اختراع نصوص غير موجودة فى الاصل ، اسمعوا هذه الحكاية التى حكاها الاستاذ ماهر فرغلى ، مؤلف كتاب ” الخروج من بوابات الجحيم “، عضو الجماعة الاسلامية السابق ، عن اغتيال الدكتور فودة ، وموقف بعض ? الوسطيين ? منها . يقول :
( قصة صفوت عبدالغنى ، الذى هرب ثم قبض عليه ، فأودع سجن العقرب . ومن هناك أخرج ورقة صغيرة فى علبة كبريت ، يأمر عبدالشافى ان يفعل شيئاً مع فرج فودة . وفى مساء أحد الايام من شهر يونيو 1992 أقدم شابان على اغتيال فرج فودة اثناء خروجه من مكتبه بمدينة نصر . وكانت جبهة علماء الازهر بقيادة الدكتور عبدالعزيز عبد الغفار قد هاجمت فودة ، كما ان المناظرة التى جرت بين فودة والهضيبى والشيخ صلاح ابو اسماعيل قد أحدثت دويا هائلا جعلنا لانشك لحظة فى انه مستحل الدم )
وهكذا ترى هذا الاجماع فى قتل شخص عبر عن رأيه ،فى موضوع لا يتفق علماء السنة اذا ما كان من الفروع أو الاصول ، وهو موضوع الخلافة . وفى نفس الموضوع يورد الكاتب شهادة الشيخ الغزالى فى القضية ، الذى قال : ” ان فرج فودة بما قاله وفعله ، كان فى حكم المرتد ، والمرتد مهدور الدم ، وولى الامر هو المسئول عن تطبيق الحد . وان التهمة التى ينبغى ان يحاسب عليها الشباب الواقفون فى القفص ليست القتل وانما هى الافتئات على السلطة ” ! فتصور ، لم يقف عند الحكم على فودة بل تعدى ذلك لتخفيف الحكم على القتلة !!
هذه التفسيرات جاء بها دكتور عماد كمقدمة لحديثه عن الخلق تحت عنوان : الحلقة المفقودة ، فى ارتباط بنظرية التطور ، التى وعدنا ان نتحدث عنها فى حلقة لاحقة . يقول الدكتور ان تفسيره لهذه الآيات لتقريب الشقة فى موضوع الخلق . وفى هذا الاتجاه يأتى بآية ( ياأخت هارون ماكان ابوك امرأ سوء وماكانت امك بغيا ) ، يقول : وهذا يدل على ان حملها على ان حملها ومخاضها كانا عاديين ، يمكن ان يشتبه فى انه حمل سفاح ، ولذلك قالوا عليها بهتانا عظيما . ومن هنا نفهم ان بطنها انتفخ بالحمل واستغرق من الزمن مايستغرق أى حمل ، لكن الفرق الوحيد ? والله أعلم ? هو ان حملها ابتدأ ” باذن الله ” ، وليس بوجود ماء الرجل .
لاحظ هنا ان الحمل برغم انه بدأ بمعجزة ، الا انه استمر ? فى تفسير د. عماد كحمل عادى ، لانه لو حدث بشكل غير عادى ، فى مدة أقل مثلا أو بدون انتفاخ فى البطن ،لمقال القائلون عليها ماقالوا . وأود التركيز الشديد على هذه النقطة ، لانها تعنى ان الله يريد لنا ان نفهم ان هناك قولنين ثابتة ? سنن ? لاتتغير حتى نعرفها ونستفيد منها فى تعمير العالم . هذا الفهم لابد منه لمن يريد ان يتخذ اسلوبا علميا فى نواحى الحياة . وقد فهم هذا الكثيرون من الاوائل ، من امثال سيدنا عمر ” السماء لا تمطر ذهبا ولافضة ” .
ويواصل الدكتور تنويره ، فيشرح لنا مفهوم ” يا أخت هارون ” ، وهو- كما يقول ليس ذو علاقة مباشرة بوضوعنا ، ولكنه يؤكد مبدأ التدبر ، فيقول : درج اليهود على تسمية بناتهك بمريم ، تيمنا بمريم أخت هارون وموسى ? عليهما السلام ? وهى التى تبعت موسى بعد ان التقطه فرعون ، ونجحت فى اقناعهم بان تأتى أمه لترضعه ، وهكذا رد الله موسى لامه كى تقر عينها. أخته تلك كان أسمها مريم ، ولما كانت قد أدت دورا خطيرا فى انقاذ موسى واعادته لامها وامه ، فقد تيمن اليهود باسمها . وأصبح متعارفا بينهم ان كل فتاة تسمى مريم يقال لها “أخت هارون” ، كما يصف المسلمون كل فتاة اسمها فاطمة ب ” الزهراء ” تيمنا ببنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم-
يقول : ذكرنا هذه المعلومة عرضا ، لان الكثيرين من المسلمين يدخلون فى حرج ، حينما يتهم النصارى القرآن بانه خلط بين مريم بنت عمران مع هارون وموسى ، ولا يجد أغلب المسلمين أجابة على هذا الاتهام .