تخيلته عريساً محتملاً

تأمُلات
كمال الهِدي
. نشرت بصفحتى على الفيس بوك جزءاً من حوار تلفزيوني مع المطرب ترباس المبدع غناءً و(المشاتر) حديثاً، يتمنى فيه اطلاق سراح مجرمي وسفلة (الانقاذ) القابعين بسجن كوبر حيث قال بالحرف ” في قانون ومافي كبير على القانون” قبل أن يضيف ” بتمنى انه ربنا يمرقهم الناس دي عندهم حسناتهم وعندهم سيئاتهم، ولكل جواد كبوة الناس يشوفوا الحاصل شنو…”.
. كما أقر ترباس في اللقاء بصداقته لطه علي الحسين والبشير وعبد الرحيم وغيرهم من رؤوس الفساد في ذلك العهد الكريه.
. وقد كان رأي قلة من المتابعين أن ترباس محق في كلامه باعتبار أن (الإسلاميين) جزء من الشعب السوداني حسب قول أحد المعلقين الذي أضاف أن الأب أو الجار أو الشقيق يمكن أن يكون اسلامياً فهل نقاطعه!
. ولا أدري هل خلط المُعلق بين فكرة أن تكون إسلامياً أو مجرماً جاء سهواً أم متعمداً.
. فترباس قال أن طه صديقه، وطه مجرم وخائن لوطنه وفاسد من الطراز الأول.
. البشير وعبد الرحيم وبقية أصدقاء ترباس قتلة ومجرمين دخلوا السجن على جرائمهم التي ارتكبوها في حق هذا البلد ومواطنه وليس لأنهم من الصحابة.
. ولهذا عقبت على صاحب التعليق بأنني سأقاطع أبي نفسه لو كان قاتلاً ومجرماً وفاسداً.
. والواقع أن أبي الرجل الطاهر العفيف قد اختاره الله إلى جواره منذ سنوات طويلة (نسأل المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويغفر له ويسكنه الفردوس الأعلى)، لكنني قصدت من التعقيب أنني أرى أن الطبيعي هو أن أتبرأ من أقرب الأقربين إن قتل أو أجرم في حق وطنه وأهله.
. بالأمس القريب كنا نتناقش عبر الهاتف أنا والصديق شبونة حول هذه العاطفة غير الرشيدة والمفاهيم المغلوطة لدى الكثير منا كسودانيين.
. عرجنا لذلك النقاش بعد حديث عن ردة فعل البعض حول ما كتبه شبونة فيما يتصل بإعتقال اللواء عثمان المتهم بجريمة فض الاعتصام دونما توجيه هذا الاتهام بشكل رسمي أو محاكمته.
. ولا أدري لماذا غضب البعض، ولا لِمَ يتخوف بعض الزملاء من تناول مثل هذه القضايا.
. فشبونة لم يقل “أتمنى اطلاق سراح اللواء” بل كان رأيه أن تعتقله الجهة الصحيحة وأن يُقدم للمحاكمة العادلة، فهو ليس متهماً بفساد مالي، بل بجريمة غاية في البشاعة.
. ولو كان هناك عدل أصلاً ورغبت لجنة نبيل أديب في معرفة الحقيقة (المعروفة أصلاً) لكان اللواء أول من حققت معهم لجنته..
لكن أديب مين الممكن يقوم بعمل رجولي هكذا!
. أعود لعواطفنا ومواقفنا الغريبة لأقول أن (المقاطيع) وجدوا فينا الفرصة لأن لدينا نزعة غريبة للفصل بين الأمور بشكل غير مفهوم.
. فالأمنجي الذي كان يقتل شبابنا في منطقة السوق العربي مثلاً حين كان يعود لمسكنه في بحري أو أمدرمان لم يكن مستغرباً أن يعانقه بعض أبناء حلته باعتباره جار.
. والكاتب المنافق الذي يغطي علي المفسدين ويزين جرائمهم ما كان منبوذاً، بل قد يحتضنه الكثير من زملاؤه لأنه يعاملهم على المستوى الشخصي أفضل معاملة.
. والإداري الذي يدفع لأحد الناديين الكبيرين بسخاء تُغفر له خطاياه ومشاركته الفاعلة في تدمير اقتصاد البلد من قبل المناهضين لنظام الحكم الفاسد.
. والبشير نفسه عندما كان يحل بين جيرانه ومعارفه القدامى ظلوا يحتفون به وكأن الذي يصدر قرارات القتل ويتاجر في الجوازات والعملة ويدعم المفسدين شخص آخر غيره.
. قد يقول قائل ما معنى هذا الكلام بعد سقوط نظام (المقاطيع)، والحقيقة أنني أذكر به لأننا ما زلنا على ذات العاطفة والفهم القديم.
. فالبرهان إن أهدى عربة لطالبة حققت درجات عالية في الشهادة السودانية صار إنسانياً جداً.
. وحميدتي لو ساهم في تشييد مدرسة بإحدى القرى أضحى رجل بر وإحسان.
. ودكتور حمدوك (مؤسس) و (مُصلح) لكونه أتى بدرجته العلمية العالية وخبراته الدولية، أو لأنه صديق شخصي أو من معارف زيد وعبيد من المدافعين عن هذه الحكومة (ظالمة أو مظلومة).
. قبل يومين قرأت لزميل أو زميلة، لا أذكر، عبارات تتدفق عاطفة عن تهذيب ودماثة خلق وهدوء الدكتور حمدوك.
. عندما أقرأ كلاماً من هذا النوع أتخيل أن دكتور حمدوك تقدم لخطبة فتاة من أسرة محترمة، وأن الكاتب ممن لجأت لهم أسرة الفتاة للسؤال عن العريس المحتمل.
. كل ما تقدم عواطف لا تخدم قضايا هذا الوطن المعقدة.
. فهدوء وأخلاق وتهذيب دكتور حمدوك كلها صفات لا تغير من الواقع شيئاً ما لم يتخذ القرارات الشجاعة التي تعكس أنه رجل دولة جدير بالإحترام.
. وإن أهدى البرهان مائة عربة، أَو شيد حميدتي مليون مدرسة فلا يفترض أن ينسينا ذلك جريمة فض الاعتصام البشعة ولا مشاركتهما في نظام المقاطيع ولا (تطنيشهما) الحالي عن الكثير من الجرائم والتدمير المتعمد للاقتصاد عبر التهريب أو السيولة الأمنية المتعمدة أيضاً.
. ما لم نتعلم كيف نفصل بين العام والخاص، ونطور في دواخلنا فهم أن الجريمة في حق الوطن أشد قبحاً وأكثر سوءاً من الجريمة في حق فرد أو مجموعة صغيرة لن ينصلح حالنا حتى لو تحول البرهان وحمدوك وحميدتي وبقية رفاقهم لأشخاص وطنيين من الدرجة الرفيعة ومنعوا سادة الخارج من استغلال ثرواتنا ومواردنا.
. حتى لو حصل ذلك فستظل هناك مشكلة، بل أزمة ما لم نتغير نحن لأن أقبح مافي هذا البلد هي بطانة السوء التي تسمح لكل من يملك سلطة أن يعبث بنا وبمصايرنا.
اقتباس : ( حتى لو حصل ذلك فستظل هناك مشكلة، بل أزمة ما لم نتغير نحن لأن أقبح مافي هذا البلد هي بطانة السوء التي تسمح لكل من يملك سلطة أن يعبث بنا وبمصايرنا ).
أخي كمال أن أقبح ما في هذا البلد هو العملاء الذين لا يضعون الوطن في حدقات العيون، وهو لا يساوي عندهم حفنة أموال سحت تدخل جيوبهم أو وقت متعة فاسق يقضونه مع ….. وبالتالي هم من يعبث بنا وبمصائرنا، وتصفح بعض التاريخ لكثير من الدول حولنا أو بعيد منا لترى أن هلاك الدولة وانهيارها كان على يد العملاء من أبناء نفس الوطن العاقين، مصيبتنا اليوم في السودان عقوق أبناء السودان من الطبقة المتعلمة والمتعسكرة، حل بنا وبوطننا الخراب من خلال هاتين الفئتين، النخبة التي كانت تنادي بالاستقلال وجاء في وقتهم لم تكن لديهم رؤية استشرافية لمسقبل السودان أبداً، وكان كل همهم الجلوس على كراسي الحكم والسلطة والتناكف الحزبي الضيق الذي أضاع الوطن شذر مذر، عبدالله خليل العسكري الذي لبس اللباس الحزبي من خلال حزب الأمة أضاع السودان وسلمه للعسكر الذين لم يكن يدر في خلدهم حكم الوطن فقام باستدعائهم وسلمهم السلطة بالامر العسكري باعتباره وزيراً للدفاع، ففتح شهية العسكر للسلطة والحكم إلى يومنا هذا، عبود العسكري باع حلفا للمصريين بغفلة وسذاجة عجبية من خلال العملاء آل رضا فريد وقد كان اثنان منهم في المجلس العسكري الحاكم مع عبود ومن خلال كثير العملاء الذين اشترتهم مصر ممن يسمون أنفسهم الحزب الوطني الاتحادي أو مسمياته المتعددة تاريخياً، العسكري نميري كان مصرياً أكثر من المصريين في كثير أفعاله خلال فترة حكمه الممتدة لـ 16 عاماً تناسل فيها الفساد منذ فترة ما يسمى بالدكتور بهاء الدين ادريس وما قبله وما بعده، وفساد ترحيل الفلاشا وعمر محمد الطيب والفاتح عروة وعثمان السيد، والعلاقات المشبوهة مع اسرائيل من خلال العميل عدنان خاشقجي.
من وجهة نظري الخاصة أن أس مصائب السودان أتت إليه بعد الاستعمار الانجليزي الذي يحتفي كثير من الساسة والمثقفين في بلدي به من خلال الإنجازات المادية فقط والتجاوز عن أكبر مصيبة تركت أثرها السيء على السودان شعبه ألا وهي التربية السلبية التي أنشأ عليها الإنجليز الرعيل الأول مِن منَ حكموا السودان وفقاً لمخطط يخرج لنا جيل من الأفندية الذي لا هم لهم إلا مصالحهم الشخصية ونزواتهم الخاصة، ومما يُدرك بالعقل فقط دون الدين أن الإنجليز لا يمكن أن يرسو دعائم وأفكار تربوية تُنشىء جيلاً وطنياً خالصاً يقدم مصلحة الوطن فوق كل مصلحة لأن ذلك ببساطة يتعار ض مع مصالحهم الآنية وقتها والمستقبلية مع السودان الذي كل للإنجليز أمل كبير في ضمه لمجموعة دول الكومنولث، فذلك الحل أن تتغير المناهج التربوية التي وضعها مستر قريفيث وأعوانه من الإنجليز والسودانيين وأظنه كان يهودياً، ومما يذكر في هذا المجال تكوين نوادي الروتاري والليونز في السودان التي لا زالت تعمل حتى اليوم وهي معروفة بأنها ماسونية يهودية تتستر خلف الخدمات الإنسانية زوراً وبهتاناً، ولا زالت هناك شخصيات سودانية أعضاء في هذه النوادي إلى يومنا هذا منذ زمن محمد صالح الشنقيطي وما قبله ومابعده، لابد أن تُبني هذه المناهج منذ نعومة أظافر الطلاب والطالبات على مناهج تربوية قوية فتحصنهم جميعاً ضد العمالة وتحضهم وتزرع في قلوبهم ونفوسهم حب أرضهم ووطنهم فينشأ جيل قوي يتوارث هذه المحبة التي حتماً ستكون أكبر الدافع لخدمة هذا الوطن والنهوض به، وبخاصة أنه وطن يتمتع بكل الموارد الطبيعية التي حباها إياه الله سبحانه وتعالى فقط تحتاج إلى أيدي وطنية نظيفة غير عميلة أكرر غير عميلة، عندها سنرى وطناً شامخاً قوياً يعيش بنوه في عز ورفعة واعتداد بالنفس له أسبابه. والله المستعان.
والله ما ضيع السودان الا الاحزاب والعسكر والمتعلمين الخائين للوطن من عبود حتي عمر البشير والحريه والتغير والبرهان