(الهيبك)..هل حان الوقت لقطف ثمارها؟

تقرير:اسماء سليمان
إصلاحات عديدة ظلت الحكومة تعِد بتطبيقها منذ انضمامها الى مبادرة (الهيبيك، التي اطلقها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي 1999، والتي تتضمن اتفاقاً بين كافة جهات الإقراض الدولية الرئيسية على تخفيف أعباء الديون الخارجية على البلدان الفقيرة، التي من ضمنها السودا، أن الإصلاحات التي يطلبها البنك من الدول المنضمة، يجب أن تتمثل في عدة شروط أهمها إدخال سياسات اقتصادية وطنية شاملة (اقتصاد كلي)، وإنشاء نظام قانوني سليم، علاوة على إقامة نظام مالي يمكن التعويل عليه، وخاضع للمساءلة، كما يجب وضع خطط تفصيلية لتحسين الجودة النوعية للخدمات العامة، وطرق الحصول عليها، وكذلك تحسين نوعية حياة الفقراء. وعلى ضوء ما سبق وبعد تنفيذ الشروط آنفة الذكر يمكن للبنك الدولي أن يتخذ قرارات من شأنها تسوية أية متأخرات مستحقة عليه، وعند ذلك يتم قبول هذا البلد في هذا البرنامج، ويتم منحه مساعدات لتخفيف أعباء الديون، فهل استوفى السودان هذه الشروط.في وقت سابق قال مسؤول رفيع وهو ادوارد جميل مدير إدارة الشرق الأوسط بالبنك أن السودان لن يتمكن من الاستفادة من الهيبيك إلا بعد تسوية ديونه للبنك، و البالغة 5.1 مليون دولار إما بتسديدها أو جدولتها، أو بمعنى آخر تصفيتها وتصفيرها.وعد فني:هذه الأيام يزور السودان بعثة من صندوق النقد الدولي بهدف تقييم (الاداء الاقتصادي) قبل مواصلة تقديم المساعدات الفنية والعون المطلوب لتطوير أداء الاقتصاد، ودعم برامج الإصلاح الاقتصادي في السودان.الحكومة السودانية من طرفها أكدت التعاون مع الصندوق لتحقيق التطور الاقتصادي المنشود مع الاستعداد للمزيد من التعاون خلال المرحلة القادمة، وفي نفس الوقت دعت الصندوق لزيادة مساعداته لكافة القطاعات المالية وتقديم العون اللازم لمعالجة ديون السودان الخارجية.السودان يعتبر أن عدم معالجة ديونه هو السبب وراء عدم حصوله على تمويل جديد من مؤسسات التمويل الدولية، فضلاً عن استفادته من الفرص المتاحة لغيره من الدول، ولم يغفل مسؤولون سودانيون عن الإشارة الى أن عدم استفادة السودان من ميزات الهيبك يعود في الأساس الى (التقاطعات السياسية) وليست الاقتصادية.ومع ذلك، فإن المسؤولين في القطاع يرون أن حال الاقتصاد في البلاد يتحرك في الاتجاه الصحيح، ما جعلهم يستمرون في جهود الإصلاح الرامية لتطوير الأداء الاقتصادي، إنفاذاً لبرامج إصلاح الدولة.وزير الدولة بالمالية الدكتور عبدالرحمن ضرار قال: إن عملية إصلاح الدولة الجارية أسفرت عن تقارير جيدة للأداء الاقتصادي شهدت بها مؤسسات التمويل الخارجي، ما ينبه لأهمية عون المجتمع الدولي ومساعدات الصندوق لدعم خطط السودان في تمويل الإنتاج والتمويل التنموي. احتجاجات الحكومة:العون الفني الذي يقدمه صندوق النقد الدولي رغم أهمية لكنه لا يشكل الطرق الى الاستفادة من مبادرة الهيبك، ما يبدأ السودان حواراً جاداً لجولة الديون خاصة ديونه مع البنك الدولي، التي تجاوزت الـ 5 مليارات دولار، وقد يفتح الحوار الجاري حول رفع العقوبات الأمريكية الطريق الى ذلك.وزير المالية السابق بدر الدين محمود عباس اعترف في وقت سابق بعدم استفادة السودان من مبادرة (الهيبك) لاعفاء ديونه الخارجية، البالغة نحو(43) مليار دولار، وأشار وقتها الى تحركات مشتركة مع جنوب السودان للوصول الى قرارات مهمة بشأن الديون الخارجية، لجهة أن ديون البلاد كانت منذ استقلاله- اي قبل الانفصال بوقت طويل- لذا كان من المنطقي أن يتم تقسيمها بين البلدين عقب الانفصال، وعزا عدم الاستفادة من مبادرة (الهيبك) الى أسباب سياسية، ولم يكتف محمود بذلك، بل أتهم محمود المؤسسات الدولية بالسعي الى تسويق أجندتها واستغلال واضعاف الدول النامية، وجزم بأن السودان يستحق الحصول على إعفاء لديونه، وقال (الحكومة استوفت المعايير الفنية وطبقت برامج إصلاحية قصيرة المدى لكننا لم نستفيد شيئاً من هذه المطلوبات). والجدير بالذكر أنه بعد تحقيق السلام بين شمال وجنوب السودان، ربطت مسألة إعفاء ديون السودان الخارجية بقضية دارفور، ثم بقضيتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في مرحلة تالية، وهكذا دواليك، حيث طالبت الحكومة المجتمع الدولي بعدم اشتراط حلحلة مشاكل السودان الداخل، واعتبرتها شروطاً تعجيزية ومؤكداً العمل على حلها داخلياً، وأكدت أن السودان مؤهل لإعفاء الديون حسب مبادرة (الهيبك) وأدى اشتراط الولايات المتحدة الأمريكية تحقيق تقدم في قضايا السودان الداخلية.توقعات الخبراء:نصح خبراء اقتصاديون بعدم فتح هذا الملف إلا بعد الثاني عشر من اكتوبر المقبل، اي عقب قرار رفع العقوبات النهائي المرتقب، وفي ذلك أبدى الخبير الاقتصادي محمد الناير تفاؤلاً برفع العقوبات، واوضح أن هناك توقعات إيجابية حيال الأمر، واستشهد باستثناء البلاد من قرار الحماية المؤقتة، الى جانب قرار البيت الابيض الأخير، والقاضي بإبعادالسودان من قائمة الدول المحظور على مواطنيها من دخول اراضي الولايات المتحدة، ونبه الناير في ذات الوقت الى تكثيف العمل حول قضية رفع البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. معتبراً الأمر يصب في قضية حلحلة ديون البلاد، بما فيها مبادرة الهيبيك، مشيراً الى تعدد وسائل الحكومة الاميريكية لحل هذه القضية. واتفق المحلل الاقتصادي عبد العظيم المهل مع الناير في ارجاء أمر النظر في مبادرة الهيبيك وديون البلاد بشكل عام الى بعد حسم قضية الرفع النهائي للعقوبات، لجهة أن التمثيل الاميريكي في البنك الدولى يعتبر صاحب اكبر كتلة عضوية، وليس الأمر منطبقاً على البنك وحده وإنما في صندوق النقد الدولي أيضاً، وهنا أكد المهل أن قرار جدولة الديون أو البحث عن سبل لتسويتها أمر سياسي في االمقام الأول وليس اقتصادياً، لارتباطه بالحكومات وليس الأفراد.البحث عن مخرج:ولفت المهل الى أن البلاد ظلت مثقلة بالديون لعدة سنوات، رغم استيفائها للشروط الخاصة بمبادرة الهيبيك وغيرها، وأوضح أن المشكلة ليست في الديون نفسها وإنما في تراكم فوائدها وعدم جدولتها، و تابع أن أصل الديون 17 مليار دولار وإنما بعد سعر الفائدة أصبحت 40 مليار، وأكد في الوقت ذاته عدم مقدرة الدولة على احصاء حجم الديون بصورة دقيقة، مشيراً الى أن مبلغ 5.1 مليار تخص البنك الدولي وحده، ولكن البلاد مديونة لجهات أخرى منها صندوق النقد الدولي، و نادي باريس فضلاً عن منظمات مدنية وجهات افريقية وأخرى عربية، ولفت المحلل الاقتصادي الى بعض الدول التي وجدت حلولاً أخرى غير مبادرة الهيبيك والبحث عن سبل لتخفيف ديونها، ومثل لها بتجارب بيع الدين كما حدث في الارجنتين، والبعض الآخر الذي تخلص من ديونه عن طريق نظام البوت، عبر طرح مشاريع استثمارية للجهات المدينة بغرض الاستفادة من عائدات تلك المشاريع لسداد الديون.
آخر لحظة.