أمر القبض

تحقيق : أسماء ميكائيل اسطنبول
هنالك بعض الإجراءات القانونية التي ينص عليها القانون وبموجب تنفيذها تعتبر أول خطوة تتبع في سير القضية، ولكن أصبح تنفيذ هذه الإجراء يستخدم في غير موضعه الصحيح، وقد يتم في بعض الأحيان من غير أن تكون هناك قضية من الأساس أو فتح بلاغ، بل يخرج هذا إجراء وينفذ عن طريق العلاقات والمعارف داخل بعض أقسام الشرطة، و يقوم به من أجل الابتزاز والمكايدات، فأصبح هذا الإجراء بدلاً من أن يخدم المواطن ويضمن له حقه، بل شكَّل ضرراً على بعض المواطنين وهضم حقوقهم (في ظل غياب الرقيب)، وفي بعض الأحيان قد ينعكس تنفيذ هذا الإجراء سلباً على رجل الشرطة نفسه، خاصة في أثناء تأديته لتنفيذه هذا الإجراء، وقد يؤدي بحياته، فهذا الإجراء هو إجراء أمر القبض الذي يصدر من وكيل النيابة أو القاضي في إطار دعوة جنائية، فهناك بعض المواطنين تم تنفيذ أمر القبض عليهم وظلوا في الحراسات لأيام من غير أن تكون لديهم قضايا، أو فتح بلاغ ضدهم، ورغم ذلك تم القبض عليهم ووضعوا في الحراسات لأيام وآخرين لشهور، وضاع حقهم دون وجه حق، فهناك بعض المواطنين الذين تعرضوا لظلم هذا الإجراء من بعض رجال الشرطة، فاستطاع البعض منهم أن ينال حقه وآخرين لم يستطيعوا حتى الآن، هذا ماقاله بعض المواطنين للصحيفة .
عربة تاتشر و12 نظامياً
فأول تنفيذ أمر قبض ظالم وقع على أحد المواطنين نتيجة لخروج هذا الأمر بطريقة غير رسمية – على حد قوله – حيث تم القبض عليه بعربة تاتشر بقيادة ملازم وبها 12 فرداً من أفراد القوات النظامية 6، يرتدون الزي الرسمي والـ6 الآخرين مناوبتهم انتهت (وقت الانصراف ) ويرتدون الزي الملكي، ولكن بأمر من الملازم تحركوا مع أمر القبض من أجل القبض على المواطن عمار الصول، يعمل بدلالة أحد العربات بمنطقة الخرطوم، وقال المواطن عمار للصحيفة: تم القبض عليَّ أثناء خروجي من المسجد بسبب حجزي لعربة أحد أقرباء الملازم، لأنني طالبته ببقية قروشي وكان مبلغ ثلاثة مليون، وتم القبض عليَّ ببلاغ دوِّن تحت المادة 180، ثم ضحك عمار وقال: الشيء المدهش بالجد يا أستاذة بعد كذا يوم من خروجي تفاجأت بأنه من الأساس لا يوجد بلاغ حتى يتم القبض عليَّ وبعربة تاتشر وبها 12 فرداً من القوات النظامية، فسألته كيف حدث ذلك ؟ رد: كما قلت لك، لأن عربة المدعي إفراج موقت وممكن يدخل في مشكلة مع الجمارك، فاستنجد بقريبة العميد عادل محجوب نائب مدير شرطة كسلا حالياً، وكان في ذلك الوقت عقيد في قسم شرطة السوق المحلي، فكانت هذه المرة الأولى التي يتم القبض عليَّ، وبعدها لم أصمت بحثت خلف الموضوع إلى أن تم تعويضي، ثم تم القبض عليَّ للمرة الثانية، وكانت بطريقة أغرب من المرة الأولى، وهذه المرة كانت بواسطة شرطة المرور جنوب، وظليت في الحراسة لمدة ستة أيام، وكانت تجدد في كل مرة، ثم قال: والشيء الذي جعلني في حيرة من أمري أنني تم القبض عليَّ واتحبست تحت بلاغ لا وجد له، وأنه بلاغ وهمي برقم 8177 وبعدما خرجت من الحبس، وظللت أبحث خلف الموضوع علمت بأن البلاغات حتى يوم الاثنين الموافق 27 من شهر 7 لم يصل رقم البلاغات، هذا الرقم (8177) وإنما آخر رقم بلاغ كان تحت الرقم 1160 ومازالت مشكلتي قائمة بيني وبين شرطة الخرطوم جنوب، لأنه تم القبض عليَّ وظللت في الحراسة لمدة ستة أيام، وكانت تجدد لي بدون وجه حق.
أطفال قُصَّر
أما أمر القبض الثالث نفذ على اثنين من الأطفال القُصَّر بنت وولد، فالطفلة لم يتجاوز عمرها خمسة عشر عاماً، ومازالت تدرس في الصف السابع، أما الولد فهو يدرس في الصف الرابع ولم يتجاوز عمره العاشرة، وتم القبض على الطفلين بتهمة سرقة موبايل، حيث سردت خالتهما رشا قصة أبناء أختها قائلة -والحسرة تكسوة وجهها -: الشيء الذي هز الأسرة بالجد – ثم صمتت وبعدها أخرجت بعض الكلمات حتى أحسست بصعوبة في إخراجها – بعد أن تم القبض عليهم ظل الولد مع المجرمين والحرامية، رجال أكبر منه عمراً يكون بمثابة ابن لهم، البنت أدخلت مع ستات العرقي والدعارة، ثم وارت وجهها في الأرض وبدأت تبكي قائلة: ورغم ذلك قام الضابط بوضع نار الزناد على بطن رجل الطفلة وهي في ذات الوقت مريضة وتعاني من أورام في الجسد، لأنها مريضة بالكلى، وعندما أغمي عليها قال إنها بتدعي ورفض تحويلها للمستشفى أو حتى نيابة الطفل، ثم استمدت شجاعتها قائلة بصوت قوي: حتى طريقة القبض كانت غريبة، كانت ذاهبة لجلب الماء من الجيران (نتيجة لأزمة المياه المعروفة )، حيث جاء الشاكي ومعه رجل شرطة وهما بداخل الركشة ثم ناديا لها تعالي يا بنت فرفضت الذهاب إليهما خوفاً مما كانت تسمعه من قصص وحكاوي عن عملية الاختطاف والاغتصاب، فسرعان ما دخلت المنزل ثم بعدها طرق الشرطي والشاكي الباب وعندما فتحت الباب وجدتهما ولم يكن معهما أمر قبض وأرادا أن يأخذا البنت والولد وحدثت مشاجرة بيننا ورفضنا تسليمهما وفي نهاية الأمر اضطررنا للذهاب معهما، وبمجرد وصولنا لقسم شرطة جبرة قام الضابط بحبس الطفلة والطفل وفتح لهما بلاغاً تحت المادة 174، وطالبنا بتحويلنا إلى نيابة حماية الطفل فرفض الضابط، وقال: كل الإجراءات أصبحت تتم هنا، لا يوجد تحويل ولا غيره، وبعدها الشاكي تنازل من البلاغ لأنه لم يتأكد أين فقد هاتفه بالضبط، ولم يكن لديه شهود، ولكن الضابط رفض التنازل، وقال الشاكي: أنا اتهمت أبناءكم، لأن الشخص الذي وجد الهاتف وصف لي الشارع الذي وجد فيه أطفالكم، وقال: الصوت كان غير واضح، وبعدها اتهم أبناءنا فذهبنا إلى نيابة حماية الطفل بعد إطلاق سراحهما بالضمانة، ولكن حماية الطفل قامت بإدخالنا مكتب يسمى مكتب المعالجات وطلبوا منا تسوية الموضوع، ونحن رفضا وبنطالب بحق الأطفال إلى النهاية.
رجال أمن ولكنهم متفرجون
أما أمر القبض الرابع حيث جرت أحداثه بطريقة أقرب للأفلام البوليسية، حيث روى عادل أحداث تنفيذ أمر القبض قائلاً: جاء اثنان من رجال الأمن ومعهما الشاكي، وكان مسلحاً أيضاً، ومعه ابنه من أجل القبض على أخي للمرة الثانية، حيث قام أخي ياسر ببيع قطعة أرض الشاكي (وفي ذات الوقت صديقه ) إلى أحد الزبائن يعرفه أخي، ولم يسدد الشاري بقية المبلغ هو ثمانية مليون، فقام الشاكي بفتح بلاغ ضد الشاري، وكتب أخي شاهداً، وعندما عجز الشاكي عن إيجاد الشاري لقطعة أرضه فتح بلاغاً ضد ياسر ولم يخبره بفتح البلاغ، وتم استدراجه بحجة أن المتحري يريدك، لأن أخي كان شاهداً، وعندما ذهب وضع في الحبس، وقال له المتحري: أنت مفتوح فيك بلاغ تحت المادة 41، وعندما علمنا وذهبنا من أجل الضمانة قالوا الوقت قد انتهى ولا توجد ضمانة حالياً وعندها اجتمعنا بالشاكي – وكما ذكرت – كان صديق أخي، فقال مافي مشكلة أنا مستعد أطلعوا ليكم من الحبس ولو نصف الليل (لأنني بعرف كل ناس القسم – وعندما قال هذا الحديث كان أمام شهود – شرطاً أن تأتوا لي بالشاري لقطعة الأرض، وبعدها تحركنا وقمنا بإجراءات الضمانة، ولكن رجع الشاكي مرة أخرى، وجاء بأمر قبض للمرة الثانية، – وكما ذكرت – كان مسلحاً وقال: أنا كسرت الضمانة لأنكم لم تخبروني بأنكم تريدون عمل ضمانة لياسر، ولابد أن يذهب معنا الآن وهنا دار نقاش حاد أمام الاثنين من رجال الأمن، وعندها قام الشاكي بتعمير السلاح ورجع للخلف وأطلق النار على أخي فأصابه في رجله، وبعدها هرول وأنا من خلفه، فأطلق النار أمام أرجلي أيضاً، ولكن لم تصبني، وهنا انتهت طلقاته النارية وزاد من سرعة الجري ولحق به ابنه بالعربة، وكل هذه الأحداث ورجال الأمن يقفون متفرجين لم يحركوا ساكناً، وبعدها انسحب أحد رجال المباحث عندما رجعت لإسعاف أخي ياسر، وعند وصولنا إلى المستشفى انسحب رجل الأمن الثاني بعد أن قام بإجراء كذا مكالمة، وفي أثناء إسعاف أخي للمستشفى هاتفني الملازم خالد وسألني عن حالة أخي، وقال إنه على علم تام بما حدث، وعندما التقيت به طلبت منه أن أطلع على أمر القبض الذي أخُرج إلى أخي، وأريد أن أفتح بلاغاً في أفراد المباحث رفض وقال: أي إجراء تريد أن تعمله يجب أن تعمله هنا، فقلت له: إن كل الإجراءات التي تمت لم تكن في دائرة اختصاصكم ومازالت، وكل الإجراءات التي قمت بها لم تكن سليمة وأنتم مشتركين مع الشاكي، وبعدها خرجت ومازالت القضية مستمرة.
الشرطي عوض زايد
وكما سردنا بعض قصص الذين تم تنفيذ أمر القبض فيهم بطريقة غير صحيحة وعادت عليهم بأضرار، فأمر القبض هذا قد يشكِّل إشكالية لبعض رجال الشرطة أثناء تأديتهم لواجبهم، وقد يعرِّض حياتهم للخطر أو يؤدي بهم إلى الوفاة، كما حدث مع الشرطي عوض زايد، الذي راح ضحية أثناء تنفيذه لأمر القبض على بعض المتهمين بمنطقة شرق النيل، عندما لاذوا بالفرار وأطلقت الشرطة عليهم النار مما أثار حفيظة المواطنين فتهجموا على الشرطي وأنهالوا عليه بالضرب حتى فارق الحياة، (هذا ما قاله الأستاذ المحامي سيد عثمان حميدة في أحد إصدارة الشرطة الشهرية).
حمام ميت والقضايا الدسمة
وقال صول بالمعاش فضَّل حجب اسمه: أمر القبض هو إجراء قانوني يصدر من النيابات المختصة، وآخر بيصدر بموجب بلاغات مطلقة لا يوجد فيها أمر قبض مثل: بلاغات المادة 174 والـ130 أو أي شخص تعدى أو أساء لرجل الشرطة ممكن يتم التحفظ عليه ثم يقام بعمل إجراءات القبض ويسلَّم أمر القبض داخل اليومية ويسلَّم إلى سجلات القسم ثم المتحري ثم قسم المباحث ثم إلى قسم التنفيذات من أجل تنفيذ أمر القبض، وهناك أمر قبض يأخذ زمناً طويلاً وعندما تنتهي فترته القانونية لابد أن يجدد، وإذا لم يجدد يتعرض رجل الشرطة للمساءلة الإدارية إذا قام بتنفيذه، ولابد أن يُحرر بواسطة ضابط القسم حتى يكون على علم، ويضمن سلامة الشرطة حتى إذا حدثت إشكالية أو التعدي عليه، وهناك أمر قبض بيصدر من المحكمة المدنية مثل النفقة والتعامل التجاري وغيرها، فهناك ثغرات بتحدث في أمر القبض، مثل: بعض البلاغات التي تسلَّم للشاكي في يده بحجة أنه بيجد المتهم في أوقات غير متوقعة، فيطلب بأن يكون أمر القبض بحوزته، وهنا تحدث عمليات الابتزاز من الشاكي تجاه الشخص الذي فتح فيه البلاغ، وهناك أمر قبض أيضاً يتم عن طريق العلاقات وهذه كثير جداً والكثير يعلم بها، وتتم بعيد من دائرة اختصاص النيابات المختصة (كل وكيل نيابة عنده أقسام مسؤول منها )، وعندما سألته هل بالفعل هناك رجال شرطة لم يقموا بتنفيذ أمر القبض إلا بعد تسليم مبلغ من الشاكي؟ قال: يا أستاذ الموضوع لم يكن بالطريقة التي سألتي بها، ولكن جرت العادة بأن يقوم الشاكي بتوفير الوسيلة التي يذهب بها من أجل تنفيذ أمر القبض، طيب، يا جنابوا أليست الدولة تقوم بهذه التكلفة؟ قال بلا، ولكن هناك رجال شرطة بيكون دوامهم انتهى ولا يوجد شرطي غيره ممكن يطلع، فممكن في هذه الحالة يتفق مع الشاكي ويقول: أنا بذهب معك، ولكن تديني حقي كده. هل هناك رجال شرطة لم يقموا بتنفيذ أمر القبض إلا في حالات معينة أو مع ناس معينين، لأن هناك بعض القضايا يقال عليها حمام ميت ؟ ضحك ثم قال: لا يوجد مثل هذا الحديث، ولكن هناك بعض القضايا الدسمة التي ممكن أن تعود على الأقسام بحوافز.
فلان الفلاني
وقال أحمد عمر حسن – متحري بالمعاش – : في الماضي كان أمر القبض يخرج من القاضي، لأن في ذاك الزمن لا توجد نيابات، وكان القاضي يقوم بكل شيء وينفذ عن طريق الشرطة، ولكن حالياً أمر القبض يخرج من النيابة، وفي الماضي عندما يراد تنفيذ أمر القبض يأتي المنفذ ويسأل الشخص أولاً أنت فلان الفلاني؟ وبعد أن يتأكد أنه فلان الفلاني يقوم الشرطي بتعريف شخصه إذا كان لابساً مدنياً ويظهر البطاقة التي تثبت بأنه رجل شرطة للشخص المتهم، ويقول له: أنا رجل شرطة ومكلف بالقبض عليك وأسباب القبض كذا وكذا، ولابد أن يكون أمر القبض مختوم وممضي، وبعد أن يتأكد المتهم من أمر القبض ويكون على علم إلى أي قسم سوف يذهب، ثم بعد ذلك يذهب مع الشرطي، وهناك قضايا لا تحتاج إلى أمر قبض، ويقال عليها الجرائم المطلقة أو الحدية، مثل قضايا السرقة والزنا والقتل والخمر، أما هناك جرائم لا يجوز فيها القبض إلا بواسطة أمر قبض مثل القضايا غير المطلقة والتي تحتاج إلى أمر من القاضي.
أمر حساس جداً جداً
ووضَّح الأستاذ إبراهيم أبو طالب إبراهيم – محامي- بأن أمر القبض هو أمر حساس جداً جداً، لأنه يسلب الشخص حريته، فلذلك لابد أن يكون على أساس قانوني ولأسباب قانونية ومعقولة وفقاً للنصوص القانونية، ويصدر لشخص (والمقصود به الشرطة ) من وكيل النيابة أو القاضي للقبض على متهم في دعوة أو في إطار إجراءات دعوة قضائية سواءً كان من أجل تنفيذ حكم أو عدم الامتثال للعلم من قبل المحكمة أو القاضي، والمحكمة بتصدر أمر القبض للدعاوي الجنائية، وتفتح الدعوة الجنائية بناءً على شكوى أو بلاغ، وبعد التحري عن أسباب الدعوة والتأكد من الأسباب لفتح الدعوة الجنائية، وممكن للمحكمة أن تصدر أمر قبض لشخص تم إعلانه للإدلاء بشهادة أمام المحكمة ولم يمتثل لأمر التكليف بالحضور، ممكن المحكمة تأمر بالقبض عليه، ولابد أن يكون أمر القبض مكتوب وموجه لشخص معيَّن (الشرطي الذي يقوم بإجراء التنفيذ ) والشخص المراد تنفيذ أمر القبض عليه، ولابد أن يكون اسم الشخص المكتوب على أمر القبض أقل حاجة أن يكون اسمه مكتوب ثلاثي وأسباب القبض والمادة البموجبها اتفتحت الدعوة الجنائية وأمر القبض (لشنو)، وكل ذلك على حسب قانون إجراءات المادة 72، وللعلم ممكن تنفيذ أمر القبض يتم بواسطة أكثر من شرطي، وهذه تتوقف على حسب المعلومات عن المتهم إذا كان معتاد إجرام أو معروف بمقاومته للشرطة (ذو جسم ممتليء )، ولا يجوز القبض على المتهم بدون أمر صادر ومكتوب من النيابة أو المحكمة في إطار إجراءات قانونية، ولكن القانون أعطى الشرطي الحق في القبض من غير أمر قبض في حالات الاشتباه في شخص أو وقوع جريمة أمامه، يعني في حالة تلبس في هذه الحالة يجوز القبض على المتهم دون أمر قبض.
التيار