كارثة الصحة وسطحية القرارات

بسم الله الرحمن الرحيم
كارثة الصحة وسطحية القرارات
د.سيد عبد القادر قنات
[email protected]
أقسم رب العزة بالقلم لعظمته وتجسيده للعلم والمعرفة عبر كلمة صادقة مقروءة تتناقلها أجيال عبر أجيال، ولو لم يكن هنالك قلم، لما وصل إلينا الذكر الحكيم كتاب الله ولا السنة النبوية ولا غيرها من العلوم في جميع المجالات.
في عالمنا المعاصر، السلطة الرابعة عبر الصحافة وعبر أقلام إرتأت أن تكون لسان صدق مُعبرة عن تطلعات وآمال المواطن في وطن نري أن الصدق قد تلاشي فيه، لكنه لن يندثر، و الضوء قد تضاءل ، لكنه لن ينطفيء ، و الحقيقة قد إنزوت ،لكنها لن تموت ، أقلام تجردت من أجل الوطن لا تخشي في الحق لومة لائم، وآخرون خلف إستعاراتهم التي عُرِفوا بها لا يتجرأون حتي بالكتابة بأسمائهم الحقيقية، ونقول لهم إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ففساد الرأي أن تستعير إسما هو ليس لك وهذا يمثل قمة الجبن ، بل أن تستغل إمكانيات الدولة لتصوير مئات النسخ من ذلك المقال وتوزيعه داخل الوزارة ، والذي يُعتبر إساءة ومنقصة لكاتبه أولا، قبل أن يكون تجريح لمن يخالفونكم الرأي بل يصدعون بالحق ، ويكتبون بالأصالة لابالوكالة والإستعارة، ولتعلموا أن الإساءة والتجريح مكانها ليس الصحافة.
إن قيادة وزارة الصحة الحالية ومنذ أن تسلمت مقاليدها لشهور خلت ، قد ضلت الطريق القويم من أجل إرساء الخدمات الصحية بالصورة المقبولة للمواطن ومُقدِّم الخدمة ، وحتي ما كان موجودا تدحرج نحو الكارثة وهاوية السقوط بفضل سطحية القرارات وعشوائيتها، بل ظلت طيلة ما مضي من أسابيع وشهور تتنكب الخطي فضلت الطريق، و تاهت في نرجسيتها وآحادية إتخاذ القرار، وصولا لقناعة : أنا أُقرِر ، إذا أنا موجود ، ونهاية المطاف فرقعة إعلامية تتلاشي بمجرد إختفاء الصورة من شاشة التلفاز أو قراءة المانشيت في الصحف، و حتي هذه الصحف كانت بالأمس يتم تمليكها المعلومة إسبوعيا من قيادة تُدرك أن الشعب عبرالسُلطة الرابعة ، يجب أن يعلم بكل صغيرة وكبيرة ولم يكن هناك حِجِر علي أي موظف في الصحة من الإدلاء بأي تصريح .
كان الهم الأكبر للمسئول الحالي أن يتقصي منْ سرّب أخبار الإمدادات الطبية، كأن معرفته ستحل مشكلة تسعيرة الدواء أو توفيره ومجانيته ، ألم يكن من الأفضل أن تتم معرفة هل تلك المعلومة هي الحقيقة أم عشرها فقط؟، و تقصي معلومة التسريب تلك كان من المُفترض أن يُترك أمرها لصغار الموظفين.
إن وضع الديباجة علي عبوات الأدوية لن تُخفِّض أسعارها، بل هو تقنين لها ، و في السودان يشتري المريض الدواء بغض النظر عن سعِرِه، والزيارات المُبرمجة للصيدليات فائدتها تعود علي المسئول ، ظهور خلف الكاميرات والتصريحات والمواطن سيدفع، أليس كذلك؟ إن وزير الدولة بالصحة هو رئيس المجلس الأعلي للصيدلة والسموم وهو رئيس مجلس إدارة الإمدادات الطبية، إذاً ماذا قدم للمريض من أجل تخفيض أسعار الأدوية؟ ديباجات لاتغني ولا تسمن من جوع؟ زيارات خلف الكاميرا لبعض الصيدليات ستُقنّن الأرباح. وناس الأقاليم ما تبعكُم ولا شنو؟وهل هيبة الدولة هي زيارات مبرمجة بواسطة الوزير شخصيا؟ أين الموءسسية؟ أين قنوات الرقابة والمتابعة ؟ هل نحتاج لزيارة الوزير لفرض القانون؟ ما لكم كيف تحكمون؟ أنا في الزيارة ، أنا أُصدر القرارات أنا موجود ، ماذا نسمي هذا الفهم بربكم؟
نأتي للقرار الوزاري لتنظيم العلاج بالخارج، ألم يكن أصلا هنالك قومسيون طبي هو المسئول عن تطبيق شروط السفر للعلاج بالخارج؟ هل تملك وزارة الصحة إحصائية عن عدد الذين يسافرون خارج سلطة القومسيون الطبي؟ كيف سافر إبن وزير المالية للعلاج بأمريكا وعلي حساب من تعالج؟ هل سافر إبن وزير الصحة بالإنابة للعلاج بالسعودية؟ أليس هنالك أكثر من 22 مجلس إستشاري تخصصي وكان مناطا بهم التصديق للعلاج للسفر بالخارج؟ هل فشلوا في أداء مهمتهم؟ أم أن زيادة الخير خيرين؟ ثم نحنا كل يومين في ضوابط جديدة؟ ما هو الخلل أو العيب في الضوابط القديمة؟ثم خلاص أي حاجة قرار وزاري ،؟حتي نقل الموظفين؟ بعدين توطين العلاج بالداخل يتم كيف ؟ بالزيارات؟ أم بالقرارات؟ أم بالموءسسية؟
كشف الإستشاريين المعتمد يضم حوالي 463، فماهي الأسس؟ هل بناء علي الربط السريري؟ حوالي 30000 ألف سرير ؟ إن كان عدد الإختصاصيين العاملين بوزارة الصحة و الجامعات في حدود1732 (إحصاء 2008) فلماذا لم يعتمد البقية؟ وإذا علمتم أن الإختصاصيين المسجلين بالمجلس الطبي حتي تاريخه أكثر من 5500، ألم يكن من الأفضل أن تعقد ورش وسمنارات لمعرفة أين هم الآن وعلاج أسباب النزوح داخليا وخارجيا؟ ألم يهاجر آلاف الأطباء في فترة وجيزة؟ أليس هذا أولوية لمعرفة الأسباب والحلول؟ لدينا حوالي 385 مستشفي في السودان ، ألا يحتاج مواطنوها لخدمات الإختصاصيين؟هل من خارطة صحية لإعادة توزيع الكوادر البشرية؟ النيل الأزرق بها 14 مستشفي، وجنوب كردفان 16 مستشفي وشمال دارفور13 مستشفي وجنوب دارفور 11 مستشفي وغرب دارفور 10 مستشفيات، ومعلوما أنها مناطق نزاعات ، ألم يكن من الأفضل زيارتها والوقوف علي الوضع الصحي بدلا من زيارة صيدليات العاصمة والوقوف علي الديباجات ؟ هذا أفضل من تتبع من أفشي المعلومة أو السؤال عن عمر الطبيب !
كان أولي زيارة مستشفي أمدرمان و العمل علي إفتتاح المجمع الجراحي بأسرع ما يمكن، ذلك المجمع الذي صرف عليه الشعب السوداني مئات الملايين وإكتمل العمل فيه قبل شهور عدة، بدلا من ترميم سقف مجمع العمليات القديم والذي إنهار جزء منه بالأمس القريب وتعطلت العمليات ؟ متي توفير جهاز image intensifier لعملية عظام أمدرمان؟ متي صيانة غرف عمليات الخراجات والجناح وحوادث أمدرمان إن كان إفتتاح المجمع الجراحي في إنتظار الفرج؟
قرارات كثر تم إستصدارها دون روية ودراسة وبحث، ما بين أيقاف العمل بمستشفي جبرة للطواريء وأيلولة المستشفيات التي ما زالت تراوح مكانها، ورفض الجلوس مع لجنة أطباء السودان ووضع العراقيل أمام تكوين رابطة الأطباء الإختصاصيين، كلها وغيرها تدل علي إنعدام الموءسسية والذي سيقود إلي دمار ما تبقي من عافية الصحة، ومعالجة الظواهر دون إدراك الجوهر ، هو آخر مسمار في نعش الصحة .
نتمني من قيادة الوطن وهو في أحلك الظروف إدراك المخاطر المُحدِقة بصحة المواطن في ظل هذا التخبط من قيادة وزارة الصحة الحالية والتي تعجّلت في إتخاذ قرارت سطحية دون دراسة ومشورة، فالأوطان تبني بسواعد بنوها الأصحاء المعافين جسديا وعقليا،.
يديكم دوام الصحة وتمام العافية
نهج ادارة الصحة هو نفسه نهج ادارة البلد و هو نفسه نهج فرعون الذي كان يرى نفسه الها لا ياتيه الباطل و يفعل ما يشاء و كل ما يفعله صحيح فقال لقومه " ما اريكم الا ما ارى و ما اهديكم الا سبيل الرشاد" فقاد قومه الى الهلاك في الدنيا و الآخرة… هذا هو نهج و عقلية المؤتمر الوطني في الصحة و غيرها…. احتذاءا لنهج فرعون !