سياسة (الهوشة)

في اجتماع وصف بالعاصف ناقشت الحكومة موضوع ما أسمته الانفلات الأخير في سعر الصرف والوقوف على المسببات الموضوعية له، وخلص الاجتماع إلى قرارات تضمنت إتخاذ سياسات تعزز من قدرة البنك المركزي وتمكينه من موارد النقد الأجني وضبط سوقه. وأعلنت عن إجراءات قانونية صارمة ستتخذ بكل حزم فيما يتعلق بالتعامل بالنقد الأجنبي، وتهريب السلع المدعومة والذهب وسلع الصادر، وستوجه تهم تخريب الاقتصاد الوطني وغسل الأموال وتمويل الإرهاب في مواجهة المتعاملين بالنقد الأجنبي، وسماسرة العملة بمختلف مستوياتهم والمشتركين في تهريب الذهب. وأجازت عدداً من السياسات على المدى القصير والمتوسط والطويل، تمثلت في وقف شراء الشركات الحكومية للنقد الأجنبي وتنظيمه عبر البنك المركزي مستقبلاً. السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تقم الحكومة بهذه الإجراءات من زمان وهي إجراءات ضرورية لحماية الاقتصاد.
ما توصلت إليه الحكومة في اجتماعها يدينها هي قبل المواطنين ويحملها مسؤولية الانفلات في سعر الصرف، ليس الأخير فقط بل وعلى مدى سنوات ومنذ أن كان الدولار بـ6 جنيهات، وما يحدث الآن كله بسبب سياساتها الفاشلة التي فصلت الجنوب وعطلت الزراعة والصناعة والرعي وأفقدت المواطنين مهناً كثيرة ومصادر دخل متنوعة، وشاركتهم هي في المجال التجاري ومارست عليهم الكثير من الضغوط حتى أجبرتهم على الدخول إلى عالم التهريب وتجارة العملة، وكافة أنواع الأعمال والمهن غير المشروعة والمدمرة للاقتصاد الوطني.
وفي ظل غياب هيبة الدولة الاقتصادية والقانونية اختلط الحابل بالنابل، وما وصل إليه الحال عموماً نتيجة طبيعية لأداء الحكومة، وقبل أن تحاسب المواطنين وتتخذ تجاههم إجراءات قانونية صارمة كلام (خشم ساكت)، الأجدى أن تفعل هذا مع نفسها، فإن كانت هي تقوم بدورها بكل فاعلية وأمانة لما حدثت هذه الفوضى. فالاقتصاد مجال يتداخل عمله ما بين قوتين أساسيتين قوة ?السوق? وقوة ?الدولة?، وإن لم تكن الحكومة قادرة على السيطرة على القوتين فستعم الفوضى بلا شك.
لما كان سعر الصرف مرتبطاً ارتباطًا مباشرًا بالاستقرار الاقتصادي، فإن البنوك المركزية في جميع البلدان تضطلع بدور مهم في تحديد أسعار صرف العملات، عن طريق الكثير من الإجراءات ولديها قدرة على استشعار الخطر قبل أن ينفلت سعر الصرف، فماذا كان ينتظر بنك السودان المركزي .
عموماً عودتنا الحكومة أنها دائماً لا تقوم بحل مشكلة إلا عندما تصل إلى قمتها، (تهوش) وتقرر تطبيق جميع الحلول في مرة واحدة وتعلن ثورة سرعان ما تنتهي بلا شيء. الآن وبعد مدة قصيرة من هذه الإجراءات التي أعلنتها سيعود الحال كما هو، وكل المضاربين في سوق العملة يعرفون سلوك الحكومة جيداً وسيعتبرون الأمر مجرد عاصفة فينحنون لها حتى تمر، أي نعم ستظل متحفزة يومين ثلاثة ثم تعود حليمة لعادتها القديمة، وخليكم متابعين .
الحكومة هي التي تضيق ذرعاً بتطبيق الإجراءات والقوانين التي تحمي العملة الوطنية، بل والاقتصاد عموماً وسياسة الهوشة هذه لن تضمن لنا إلا مزيداً من الفوضى والانفلات.
التيار