حرب السودان.. تطبيق عملي لحروب الجيل الرابع التي تستهدف موارد الدول(١-٣)

–
مجدي عبد القيوم(كنب)
التطور التاريخي لانماط الحروب
الفكرة والمفهوم والسمات
مقدمة
يجدر بنا وقبل الدخول في تفاصيل المقال باجزائه الثلاثة العودة الي الوراء للتذكير بالأحداث وفقا للتسلسل التاريخي.
منذ الهلة أو بالادق الطلقة الاولي التي عادة ما تخرج من سلاح المجموعات التي ترتبط بجهات استخباراتية دولية وإقليمية والتي اصطلح علي تسميتها في القاموس السياسي بالطرف الثالث لإخفاء عورة المؤامرة التي يراد تنفيذها وامعانا في ارباك المشهد
بدأ واضحا ان حرب الكفلاء علي موارد البلاد قد بدأت في التقدير أن هذا المشهد قد بدأ الاعداد له مبكرا واهم محطاته:
* فض غشاء بكارة الثورة التي استهدفت تحقيق عدة اغراض من بينها قطع الطريق علي الثورة وحصرها في حيز التغيير المتحكم فيه واهمها تسميم العلاقة بين القوات المسلحة والشعب كمرحلة أساسية في إطار المشروع اللاحق القاضي بتفكيكها بدعاوي الإصلاح كمدخل لتقكيك البلاد
*قلب الطاولة علي الحكومة المدنية بانقلاب المجتمع الدولي .
*ما لازم الاحتجاجات والتظاهرات المنددة بالانقلاب من استهداف واغتيال ممنهج للمحتجين من الشباب عز أوان الحلم والشابات في ذروة استدارة القد
*الارباك الممنهج للمناخ السياسي فقد عبثت الأصابع التي حاكت خيوط المؤامرة بكل الفاعلين في المشهد الذى اعد له بحرفية عالية فزرعت الشقاق بينهم ولم تترك منفذا لتوافق إلا وسدته ولا محاولة لإحداث اختراق إلا وأجهضتها في مشيمة التكوين ليتفرق دم الوطن المسفوح علي مذبح الاطماع الدولية والإقليمية بين الثلاثية والرباعية والبعثة الاممية والذاتية لبعض الساسة ومثل المبعوث الاممي قطب الرحي في صناعة هذا المشهد.
*ثم تلي ذلك استقالة رئيس الوزراء الذي رمي بها في وجه الذين كانوا يبتغون ضوءا في نهاية النفق وهم يقذون الخطي علي الطريق ويحلمون بعبور أمن والتى فتحت البلاد علي كل الاحتمالات قبل أن يعود لاحقا كما خرج “تأبط شرا” .
* في كل هذا المشهد مثل الاتفاق الاطاري الملغوم الذي علق علي شماعة الزمن كل القضايا المركزية التي هي اس أزمة البلاد واكتفي بهياكل السلطة التي تخطف ابصار البعض اخر الحلقات
غرقت البلاد في لجة الاطاري وكان واضحا أنها هي نفسها التي ستطفو جثتها علي الضفة الاخري دعك عن الاطاري الذي سخر سدنته من الذين ينتظرون جثته ووصفوهم بالحالمين إلي أن افاقوا هم من احلام يقظتهم بالعودة إلي حكم اضاعوه بعدم كفاءتهم وتهافتهم علي المناصب بعد أن بناه الثوار بالدماء والدموع وحق عليهم البكاء كما تبكي النساء
كان آخر الاكلشيهات هو “الاطاري أو الحرب” وهي رسالة التهديد المغلفة التي فشل من صاغوها في تغليفها بسلوفان التحذير مثلما فشلوا لاحقا بعيد اندلاع الحرب في اقناع المواطنين أنها حرب مقدسة لاجل مدنية الدولة فالخيال الشعبي دائما من يركن إلي موروثه في وصف المفارقات فهو يدرك أن الديمقراطية لا تنتج في معامل اجهزة مختبرات استخبارات الانظمة التي تقوم علي التوريث وبالتالي هي مجرد “غلفاء وشايلا موسا تطهر ”
فشلوا في ترويج بضاعتهم الكاسدة بانهم يخوضون غمارها ضد الاسلاميين الذين يحاولون العودة لدست الحكم تماما مثلما فشلوا في الاتكاء علي مظلة دولة ٥٦ ومظلمة التهميش فلا شأن للديمقراطية والدولة المدنية باغتيال الابرياء واغتصاب الحرائر والنهب وكل اشكال الجرائم ضد الانسانية
في كل ذلك لم يكن المتابع عن كثب بحاجة إلي تاجر عملة ليدرك أن الحوت الازرق قد ابتلع كل المعروض في سوق الضمير الوطني وان ثمة لعوب أستبدلت شراك مواشطها بما هو أكثر تاثيرا من تلك الخصل التائهة بعد أن تخيرت العشاق لعلمها انها وان اررتدت غلالات الشذي ولسان حالها “اني هيئت” لك فليس كل الرجال يرغبون في “حوار مع نهديها في الاسحار”.
لم يكن صباح الخامس عشر من ابريل “بهيا كوجه سلمي* ولأ بدأ كمالوف عادته ينسج من أشعة الشمس وشاح بل بدأ مستمسكا بالليل البهيم يأبي أن يفك اساره وطفق يغزل من ضفائره السود عياءة من الموت الزؤام فردها في ساحات الوطن ليحوله إلي سرادق كبير للعزاء.
كان واضحا لكل صاحب بصيرة ان هذه الحرب ليس كسابقتها التي اقعدت بالبلاد وان ورثت بعض جيناتها التي استفاد منها من هندس المشهد ووظفها لصالح مشروعه وأنها بلاشك حرب مختلفة وليس كما يزعم المدلسون عبثية بل مشروع دولي معلوم الأهداف وأنها حرب بالوكالة في سياق الجيل الرابع من الحروب التي تستهدف اخضاع الدول لنهب مواردها
لم يخالجنا شك في رغم كثافة الخطاب الاعلامي المضلل الذي يهدف إلي تغبيش الوعي والذي للاسف شارك في الترويج له بعض المشتغلين بالسياسة الذين وجدوا حتي في حريق البلاد سانحة للثأر من المرقوت وكذلك فعلت الغالبية من النشطاء بأثر الذهنية الجمعية التي يصنعها “البلهاء” الذين غزوا الميديا في “زمن التفاهة” من الذين لم يروا ارض المحنة حين كانت تبدو كفتاة حسناء في بواكير المراهقة تتفق انوثة ذات’خدرة دقاقة” علي راسها طرحة بيضاء من لوز القطن يزيدها بهاء علي نضار وبالتالي لا يجدون تفسيرا لاستهداف الجزيرة دعك عن جدلية العلاقة بين ذلك وسد النهضة وعلاقة الدم مع الفشقة ووادي الهواد وناهيك عن صلة ذلك بأزمة المناخ وحاجة العالم للاراضى الخصبة والمياه.
في الحلقات الثلاث تحت عنوان هذا المقال سنستعرض بتصرف في الصياغة يقتضيه السياق الدراسة المفصلة للواء ا.ح ناجي شهود الخبير العسكري والمستشار بأكاديمية ناصر العليا الموسومة *حروب الجيل الرابع ومستقبل إعادة بناء* الدولة مكتفين بالتعليق فقط علي بعض الجزئيات
أن المسألة لا تتعلق بشكل الحرب من الناحية الفنية العسكرية البحتة ولكن ما نود التركيز عليه هو أهداف هذه الحرب والمدخل السليم في تقديري يتمثل في ضحد الفكرة التي تاسس عليها الخطاب الاعلامي المصاحب والذي هو ركن اساسي في حروب الجيل الرابع و الذي ينبني علي الصورة المزيفة والأخبار المفبركة المزاعم التي تم الترويج لها عبر فاترينات عرض الحسان المسماة قنوات اخبار اللائي يجدن عرض الخبر المفبرك مستعينات بلغة الجسد التي تجعل المشاهد يتابع “الحدث” المفبرك بعينيه لا عقله
انها ليست حرب بين جنرالين يتنازعا علي السلطة ولا هي حرب لاجل الدولة المدنية ولا محاربة الاسلاميين فهذا محض هراء انها حرب لاخطاع الدولة واعادة تفكيكها وتركيبها بما يمكن الاطراف الإقليمية والدولية من وضع يدها علي موارد البلاد بشتي الذرائع .
كما نعتقد أنه ينبغي الابتعاد عن الاكليشه المحفوظ حول نظرية المؤامرة فهذا محض كسل ذهني فهذه استراتيجيات منشورة ومعلومة علاوة علي ان المؤامرة نفسها في السياسة هي ركن اساسي في “لعبة الامم” لذلك فإن الواجب الوطني يملي علينا كشف وتعرية وفضح هذا المشروع واطرافه
يقبننا الذي لا يعتوره شك أن هذه البلاد ستبقي حتف انف كل المتأمرين وأنها كطائر العنقاء ستنفض عنها الرماد وتخلع ثوب الحداد و’تمرق من بيت الحبس”
—————
يبتدر اللواء ناجي شهود مقالته بالقول أن لكل عصر من العصور مفرداته ولغته التي يمكن للبشر التعامل معها وينجحوا معها في بناء حضاراتهم وثقافاتهم واخلاقهم وهوياتهم وخصوصياتهم وقبل أن يصل العالم إلي ما عليه الآن كان لكل مجتمع أخلاقه وخصوصيته التي لا يمكن التأثير عليها من الاخرين ايا كانت قوتهم ومع تحول العالم إلي قرية واحدة تحت رحمة التكنولوجيا الحديثة أصبح كل من يعيش فيه يري ويسمع ويتأثر بانماط مختلفة وفي خضم هذه التحولات الكبري ظهرت حروب الجيل الرابع وقد تبحرت الدراسات والبحوث في شرح وتمحيص هذه الحروب ولكنها كلها هدفت إلي فرض إرادة المنتصر علي المهزوم واجباره علي الخضوع لارادته.
لكي يحقق المقال حول حروب الجيل الرابع والحرب بالوكالة الغرض المستهدف فينبغي التعريف بالاجيال الثلاثة السابقة من الحروب فقد عرف الإنسان الصراع منذ بداية الكون.
في مستهل المقال يستعرض اللواء ناجي بإيجاز الأجيال الثلاثة من الحروب ويقول أن الجيل الأول تميز بالأسلحة البدائية التي تعتمد علي قدرة الإنسان الذاتية لذلك سميت بقوة الإنسان(Man Power)
وبعد ظهور البارود بقوته التدميرية العالية التي تميز بها وسمي بقوة النيران( Fire Power) ومع ظهور الالة والمحرك واختراع العجلة والدبابة والطائرة وما تبع ذلك من تطورات حققت المرونة والمناورة العالية للقوات المتحاربة ظهر الجيل الثالث من الحروب والذي أطلق عليه قوة المناورة
(Manewver)
واستهدفت الأجيال الثلاثة تدمير القطاع العسكري الذي يمثل القوة الصلبة للشعوب وتدميره يتم اخضاع الدول لمن قهرها
اقتصر تصنيع وتسويق السلاح في السابق علي عدد محدود من الدول كانت تتحكم في مصائر الامم ولكن منذ الفرن الماضي انتشرت تجارة السلاح وهنا تعدلت استراتيجية الدول التي تسعي إلي السيطرة علي الشعوب فليس هناك ضامن لتسويق السلاح وبالتالي لا قيمة لكسر القطاع العسكري فقط وليكن الهدف هو هدم القطاع المدني في الدولة المسؤل عن إدارة كل شؤونها عبر استهداف الانسان الذي هو المحرك الاساسي في تطور وتقدم أو تأخر الدول ووضعه تحت الضغط ليظل تائها. بين الصواب والخطاء والحلال والحرام والحقيقة ونقيضها
ولعل القاري يجد إجابة علي السؤال الحائر حول الاستهداف الممنهج لهذه المليشيا للمواطن العادي بكل أشكال العنف المادي والمعنوي.
منذ القرن الماضي بعد انطلاق الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي تراجعت القوة الصلبة بكل مكوناتها المادية وانطلقت القوة الناعمة الضرب اعماق الإنسان الذي هو محرك للحياة بكل مفوماتها في الكرة الأرضية.
*حروب الجيل الرابع الفكرة والمضمون والسمات*
يقول اللواء ناجي من الأهمية بمكان معرفة طبيعة هذه الحروب واهدافها وكيف تتسلل الي أعماق الإنسان ويمضي في توصيفه للجيل الرابع من الحروب قائلا أنها حروب لا مركزية التنفيذ وغير رسمية ولا تحتاج إلي قادة وهى طويلة الأمد ولا تتقيد يسيادة أي قوانين إلا لصالح مخططاتها وهي غير نمطية ساحتها عمق المجتمع ويتمحور صراعها حول الثقافة والفيم والروح المعنوية والاخلاق والاديان والتماسك الاجتماعي وذلك من خلال الهدف الأساسي وهو الانسان الذي وهي غير تقليدية تتداخل فيها المراحل ولا يمكن معها اتخاذ تدابير واقية طال كان الدولة بها ثغرات والإنسان فيها غير راضي عن معيشته.
في المقال القاني نستكمل ما جاء في هذا الجزء ودور الدبلوماسية الماكرة والمخادعة في المنابر الدولية والاقليمية ودور منظمات المجتمع المدني ومؤسسات التمويل ثم نستعرض ملام ومنهج الخطاب الاعلامي المصاحب لهذا الجيل من الحروب.