الاستقلال والفيدرالية ومسئولية انفصال جنوب السودان

د. سلمان محمد أحمد سلمان
1
اتسمت علاقةُ الخرطوم بجنوب السودان منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي بنقض المواثيق، كما أشار الكثير من الباحثين. تمثّل أولُ وأهمُ نقضٍ لتلك المواثيق في تجاهلِ ثم رفضِ مطلب الجنوبيين لقيام نظامٍ فيدرالي بين طرفي البلاد. وقد تمّ ذلك الرفض من داخل الجمعية التشريعية، وأيضاً من داخل لجنة الدستور، وارتبط ارتباطاً وثيقاً باستقلال السودان.
وقد كان رفض النظام الفيدرالي أحد أهم الأسباب التي قادت إلى الحربِ الأهلية عام 1955، وإلى تدهورِ الوضع السياسي والعسكري في الجنوب، وكذلك العلاقات بين طرفي القطر. وقد أدّت تلك العوامل إلى ميلاد الحركة الشعبية واتفاقية السلام الشامل وانفصال جنوب السودان.
سوف نزكّز في هذا المقال على مطلب الفيدرالية، ونوضّح كيف ربط السياسيون الجنوبيون موافقتهم على استقلال السودان بمنح الجنوب نظام الحكم الفيدرالي، وكيف وافق الساسة الشماليون على ذلك، ثم عادوا ونقضوا ذلك الوعد بعنادٍ وغطرسةٍ واستخفاف.
وقد أدّى رفض الساسة الشماليين لمطلب النظام الفيدرالي إلى رفع سقف مطالب الجنوبيين إلى حقِّ تقرير المصير، والذي قاد بدوره لانفصال جنوب السودان.
2
أثار النوابُ الجنوبيون في الجمعية التشريعية بعد شهور قليلة من قيام الجمعية في عام 1948، وبعد حوالي العام من مؤتمر جوبا (يونيو عام 1947)، مسألةَ قيام نظامٍ فيدرالي بين الشمال والجنوب، وأشاروا إلى أن ذلك المطلب كان قد تمّت إثارته في مؤتمر جوبا. ولكنّ النواب الشماليين قرّروا تركيز نقاش الجمعية على مسألة تقرير المصير للسودان في علاقته مع مصر، ونجحوا في تجميد النقاش في مطلب الجنوبيين لنظامٍ فيدرالي بين الشمال والجنوب.
3
ثم أثار السيد بوث ديو، العضو الجنوبي الوحيد في لجنة القاضي ستانلي بيكر للدستور، مسألة النظام الفيدرالي لجنوب السودان مرةً ثانية في عام 1951. ولكنَّ اللجنة رفضتْ مناقشة هذا المقترح. وقد دفع هذا الرفض السيد بوث ديو إلى مقاطعة أعمال اللجنة ثم الانسحاب منها. كان ذلك أوّلَ انسحابٍ احتجاجيٍّ للجنوب من لجنة دستور مشتركة مع الشمال، وقد تلته انسحاباتٌ عدّة مماثلة للجنوبيين شملت لجنتي الدستور في عام 1958، وعام 1968.
4
تواصل تجاهل السياسيين الشماليين للنواب الجنوبيين والاستخفاف بهم وبمطالبهم خصوصاً مطلب النظام الفيدرالي. فبعد نجاح الثورة المصرية في 23 يوليو عام 1952 بدأت المباحثات بين الوفدين المصري والسوداني، وانتهت بتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير في 12 فبراير عام 1953. لم تقم الأحزابُ الشمالية بدعوة جنوبيٍ واحد للمشاركة في المفاوضات، أو حتى حضور مراسم توقيع الاتفاقية.
وفي 21 مارس عام 1953 صدر قانون الحكم الذاتي كأولِّ دستورٍ للسودان، بغرض وضع الأسس لإدارة السودان خلال الفترة الانتقالية، والتي ستقود إلى تقرير المصير. ورغم أهمية تلك الوثيقة الدستورية، إلا أنه لم تتمْ دعوة جنوبيٍ واحد للمشاركة في وضعها.
وقد أكّد ذلك الموقف الاقصائي قناعة الجنوبيين أن مسألة مستقبل السودان وتقرير المصير ظلّت وستظلُّ أمراً شمالياً بحتاً، ولا دخل لابناء الجنوب فيه.
5
وضح للقادة الجنوبيين أن الساسة الشماليين نجحوا في انتزاع حق تقرير المصير للسودان من مصر، ووثّقوا ذلك في الاتفاقية مع مصر، وفي قانون الحكم الذاتي، بينما فشلوا هم في انتزاع الفيدرالية من الشماليين. وقد زاد من غبنهم ظنهم أنهم نجحوا في اجتماعات الجمعية التشريعية في الربط بين الاثنين عندما أوضحوا أنهم سيصوّتون لمطلب تقرير المصير للسودان مقابل تطبيق النظام الفيدرالي في جنوب السودان.
غير أن قانون الحكم الذاتي جاء خالياً من أيِّ نصوصٍ تعطي جنوب السودان أيَّ وضعٍ خاص، دعك من نظام الحكم الفيدرالي. وتم تمييع المادة 100 من الدستور التي كانت ستعطي بعض الخصوصية للجنوب، وحلّت مكانها مادةٌ عامة تتناول كل مديريات السودان، وبالتساوي بينها.
6
جرت الانتخابات البرلمانية في شهر نوفمبر عام 1953، وفاز الحزب الوطني الاتحادي بالأغلبية بسبب وقوف بعض النواب الجنوبيين مع الحزب، وشكّل الحزبُ الحكومةَ المدنية الأولى في السودان برئاسة السيد إسماعيل الأزهري. وقد قام السيد الأزهري بتعيين ثلاثة من أبناء الجنوب هم السادة سانتينو دينق، وبولين ألير، وداك داي كوزراء دولة بلا أعباء، وليس كوزراء أو حتى كوزراء دولة لأيٍ من الوزارات الخمس عشرة التي تمّ إنشاؤها.
7
نظّم ستة عشر من النواب الجنوبيين الذين فازوا في انتخابات عام 1953 أنفسهم تحت مظلة حزبٍ أطلقوا عليه اسم “الحزب الليبرالي”، وأعلنوا أن مطلب الحزب الأساسي هو النظام الفيدرالي لجنوب السودان. قرّر الحزب عقد مؤتمره في جوبا. لكن السيد الأزهري رئيس الوزراء رفض السماح لموظفي الحكومة بالمشاركة في المؤتمر رغم تاريخه الطويل في العمل السياسي ضد الإنجليز عندما كان هو نفسه موظفاً حكومياً.
8
عقد الحزب الليبرالي مؤتمره في أكتوبر عام 1954 وتبنّى المؤتمرُ مطلبَ النظام الفيدرالي بما يشبه الإجماع بين الأشخاص الذين حضروا المؤتمر والذين فاق عددهم 240 عضواً. كانت نتيجة التصويت تلك أشبه بنتيجة التصويت على الانفصال عام 2011. وقد قامت سكرتارية المؤتمر بتسليم قرارات المؤتمر الخاصة بالاحتجاج على نتائج السودنة التي أعطتهم ست وظائف من بين 800 وظيفة شاغرة، ومطلب النظام الفيدرالي، إلى السيد رئيس الوزراء وأعضاء حكومته، وإخطارهم بأنه إذا لم تتم الاستجابة لمطلب النظام الفيدرالي فإن ممثلي الجنوب سيقومون بعرض مطلبهم على الهيئات الدولية.
تجاهل السيد رئيس الوزراء وحكومته المؤتمر وقراراته ولم يعيروها أدنى اهتمام، ولكن صوت الجنوبيين كان قد بدأ فعلاً في ذلك الوقت في الوصول إلى المحافل الدولية.
9
تراكم غبن أبناء الجنوب على المعاملة الإقصائية والاستعلائية التي لقوها في السنوات الثمانية التي تلت مؤتمر جوبا، وعلى الاستخفاف بمطالبهم وتجاهلها، وعدم وجود قنواتٍ يستطيعون من خلالها توصيل آرائهم ومتابعة تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه.
وقد أدّى ذلك الإحباط إلى تمرّد حامية توريت في 18 أغسطس عام 1955. وقد كان قرار نقل الحامية الجنوبية للشمال في تلك الظروف، كما ذكر تقرير لجنة التحقيق في التمرّد التي ترأسها القاضي قطران، “والإصرار على عدم تغيير الأوامر بدون أن تكون هناك خطط مضادة أو أن توضع مثل هذه الخطط …. يدل على عدم اكتراث بأرواح وممتلكات المواطنين الآخرين.” واعتبرته اللجنةُ نفسها “في الحقيقة … خطأً عظيماً.”
10
بعد أربعة أشهر من تمرّد توريت قرّرت الحكومة والمعارضة إعلان الاستقلال من داخل البرلمان. وافق الجنوبيون البرلمانيون على تأييد قرار استقلال السودان شريطة أن يتضمّن ذلك القرار مطلبهم لإقامة نظام حكمٍ فيدرالي في الجنوب. وافقت الأحزاب الشمالية على ذلك وصدر قرار مجلس النواب بإعلان استقلال السودان من داخل البرلمان بالإجماع يوم 19 ديسمبر عام 1955، وتضمّن القرار فقرةً تطلب من الجمعية التأسيسية القادمة أن تعطي اعتباراً كاملاً لمطلب النواب الجنوبيين بإقامة النظام الفيدرالي داخل السودان الموحّد.
وتمّت الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال ورُفع علم السودان في أول يناير عام 1956 في وحدةٍ وطنية أعادت للأذهان روح مؤتمر جوبا في يونيو عام 1947.
11
لكنّ الأحزاب الشمالية تنكّرت لذلك الوعد مثل وعودها السابقة، وتمخّضت لجنة دستورها وولدت دستوراً إسلامياً عربياً للسودان، ودولةً مركزيةً لا مكان فيها للفيدرالية، وتحتل فيها المجموعات غير العربية وغير الإسلامية الدرجة الثانية من المواطنة.
وفي تبريرٍ رفض لجنة الدستور للنظام الفيدرالي أوضحت اللجنة على لسان السيد محمد أحمد محجوب أنها أولت مطالب الجنوبيين للحكم الفيدرالي اعتباراً جاداً للغاية وتوصّلت إلى أن ذلك لن يكون مجدياً للسودان.
وقد أوضح السيد محمد أحمد محجوب أن قرار البرلمان في 19 ديسمبر عام 1955 بطلبه للجمعية التأسيسية القادمة إعطاء النظام الفيدرالي الاعتبار الكافي كان فقط لاستمالة الجنوبيين حتى يصوتوا للاستقلال، ولم يكن عن قناعة السياسيين الشماليين بالنظام الفيدرالي.
وهكذا وبتلك البساطة المتناهية، حطّمت اللجنة على لسان السيد محمد أحمد محجوب آمال وتطلّعات أبناء الجنوب المتواضعة، وأهدر الشماليون بغطرسةٍ وعناد فرصةً نادرة لوحدة البلاد تحت مظلة الفيدرالية. وقد بذر ذلك الرفض للنظام الفيدرالي، والاستعلاء والاستخفاف الذي تمّ به، بذور الانفصال التي استطالت وآتت أكلها بعد نصف قرنٍ من الزمان. فقد ارتفع سقف المطالب كردّة فعلٍ لرفض الفيدرالية إلى حق تقرير المصير. وأدّى حق تقرير المصير إلى الانفصال.
12
وقد عبّر عن خيبة أمل الجنوبيين أبلغَ تعبير الأب سترنينو لوهوري، النائب عن الدائرة 80 توريت ? لاتوكا بالمديرية الإستوائية بجنوب السودان، ورئيس كتلة الأعضاء الجنوبيين بالبرلمان، وأحد ممثلي النواب الجنوبيين في لجنة الدستور. فقد ألقى الأب لوهوري كلمةً أمام البرلمان السوداني بالخرطوم في يوم الخميس 19 يونيو عام 1958 كانت شاملةً ومتكاملةً في تصوّرها للعلاقة بين شمال وجنوب السودان. تحدّث الأب لوهوري بإسهابٍ عن التباينات والخلافات الثقافية والعرقية والدينية واللغوية بين طرفي البلاد، وأعمال لجنة الدستور التي كان قد تمّ اختياره عضواً فيها. وقد طرح الأب لوهوري في ذلك التصوّر بوضوحٍ موقف ومطالب السودانيين الجنوبيين السياسية التي تمثّلت في إدارة الجنوب شئونه بنفسه تحت مظلة النظام الفيدرالي في إطار السودان الموحّد. اختتم الأب لوهوري كلمته بالآتي:
” إن الجنوب لا يكِنُّ أبداً نوايا سيّئة نحو الشمال. إن الجنوب يطالب فقط بإدارة شئونه المحلية في إطار السودان المُوحّد. كما أنه ليست لدى الجنوب نيّةٌ للانفصال عن الشمال لإنه لو كان ذلك هو الحال فليس هناك قوّةٌ على الأرض تستطيع منع الجنوب من المطالبة بالانفصال. فالجنوب يطالب بإقامة علاقة فيدرالية مع الشمال، وهذا بلا ريب حقٌ يستحقه الجنوب بمقتضى حقِّ تقرير المصير الذي يمنحه المنطق والديمقراطية للشعب الحر. وسينفصلُ الجنوبُ في أي وقتٍ بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة متى أراد الشمالُ ذلك، من خلال سيطرة الشمال على الجنوب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.”
13
بعد نصف قرنٍ من الزمان تحقّقت تلك النبوءة وانفصل جنوب السودان عن شماله ولنفس الأسباب التي ذكرها الأب لوهوري ? محاولات الشمال المتواصلة وإصراره على السيطرة على جنوب السودان سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ورفض الشمال بإصرارٍ وعنادٍ متصلّب مطلب الجنوب لإقامة علاقة فيدرالية بين طرفي البلاد.
14
وبينما كانت الخرطوم تحتفل بالاستقلال في بداية يناير عام 1956، كانت جوبا تشهد أحد مسلسل القصاص من الذين شاركوا في حوادث توريت التي جرت في أغسطس عام 1955. فقد تمّ في نفس أسبوع الاستقلال إعدام الملازم رينالدو لويولا، أحد المتهمين بقيادة تمرد توريت في 18 أغسطس عام 1955، ومعه مجموعة من زملائه من أبناء الجنوب الذين تمّت ادانتهم إثر محاكمات عاجلة افتقرت إلى أبسط قواعد العدالة والنظم القانونية.
وبينما كانت الخرطوم تتحدث في يوم الاستقلال بنشوةٍ وكبرياء عن ميلاد الدولة السودانية الفتية العظيمة، كانت بذور الانفصال والانشطار لتلك الدولة الوليدة قد تمّت زراعتها في جنوب البلاد. كان رفض النظام الفيدرالي بتلك الغطرسة والاستخفاف أحد الأسباب الرئيسية لذلك الانشطار.
وقد أتت تلك البذور حصادها في 9 يناير عام 2011 عندما صوّت أبناء وبنات الجنوب بما يشبه الإجماع للانفصال.
15
كان يمكن للسودان أن يظل دولةً موحدةً إذا كنا قد احتفلنا باستقلالنا في الفاتح من يناير عام كدولةٍ فيدرالية، كما وعدنا أبناء وبنات الجنوب. بل كان يمكن أن نفتخر ونعتز في ذلك اليوم أننا الدولة الأولى في أفريقيا والعام العربي التي استطاعت أن تحيلَ تباينتها العرقية والدينية واللغوية والثقافية إلى مصدرٍ للقوة والتعايش السلمي تحت مظلة الفيدرالية. لكن أسبوع الاحتفال بأول عيدٍ للاستقلال في الخرطوم كان أسبوعَ المشانق والثأرَ الأعمى والأحمقَ في جوبا.
ساستنا على إطلاقهم لا يتمتعون ببعد النظر ولا طول النفس ولا الرؤية الشاملة لمنظور الوطن بأبعاده الجغرافية ولا التأريخية .ردود أفعالهم تميل الىتضخيم الذأت وزرعها بشكل قسرى فى صفحات تاريخ الأنسانية مما يؤدى الى نتائج وخيمة عليهم فى العاجل وعلى البلاد فى الآجل الأكيد. و الجنوب صار ضحية لمجمل ما تم ذكره أعلاه إضافة الى شوفينية وإستعلاء دينى ما زلنا متوحلين فيه الى (الركب!)
جيتنا تانى يا سلمان تبحت فى التاريخ الذى لا يودى ولا يجيب ؟
اقتباس :
وقد أكّد ذلك الموقف الاقصائي قناعة الجنوبيين أن مسألة مستقبل السودان وتقرير المصير ظلّت وستظلُّ أمراً شمالياً بحتاً، ولا دخل لابناء الجنوب فيه ”
طيب الان وبعد ان نال الجنوب استقلاله وصار حكمه بيد ابنايه ماذا فعلو به ؟ لاشى سوى ان حولوه الى افشل دولة فى التاريخ وهى تخوض اليوم ااسوا انواع الصراع الذى كان مكتوما بين الدينكا والنوير وبعد عشرر سنوات من الحكم الفاشل يتضح ان جيل الاباء كان على حق .
ساستنا على إطلاقهم لا يتمتعون ببعد النظر ولا طول النفس ولا الرؤية الشاملة لمنظور الوطن بأبعاده الجغرافية ولا التأريخية .ردود أفعالهم تميل الىتضخيم الذأت وزرعها بشكل قسرى فى صفحات تاريخ الأنسانية مما يؤدى الى نتائج وخيمة عليهم فى العاجل وعلى البلاد فى الآجل الأكيد. و الجنوب صار ضحية لمجمل ما تم ذكره أعلاه إضافة الى شوفينية وإستعلاء دينى ما زلنا متوحلين فيه الى (الركب!)
جيتنا تانى يا سلمان تبحت فى التاريخ الذى لا يودى ولا يجيب ؟
اقتباس :
وقد أكّد ذلك الموقف الاقصائي قناعة الجنوبيين أن مسألة مستقبل السودان وتقرير المصير ظلّت وستظلُّ أمراً شمالياً بحتاً، ولا دخل لابناء الجنوب فيه ”
طيب الان وبعد ان نال الجنوب استقلاله وصار حكمه بيد ابنايه ماذا فعلو به ؟ لاشى سوى ان حولوه الى افشل دولة فى التاريخ وهى تخوض اليوم ااسوا انواع الصراع الذى كان مكتوما بين الدينكا والنوير وبعد عشرر سنوات من الحكم الفاشل يتضح ان جيل الاباء كان على حق .
الشاب ده ما مواكب البحصل فى الشارع واللا شنو ؟
حقا قال الاستاذ محمود محمد طه مشكلة الجنوب تكمن في مشكلة الشمال
هذا النوع من المواقف المتصلبة التي لا تجد لها مسوغ بقدر ما حاولت .. لا تدل إلا على أن ثمة شيء ما ينقص الناس ..
وبالرغم من أن الجنوب بصرف النظر عن أوضاعها الحالية قد صار دولة .. نرى السياسيين الشمالية في نظام الكيزان يمارسون نفس التعنت والغطرسة وبنفس الدرجة إن لم يكن أشد وبلا مسوغ واضح تجاه المطالب البسيطة لحركات الهامش الحالية التي لا تعدو أن تكون طلب منها للحكومة أن تقوم بواجباتها تجاه مواطنيها ..
ولا ندري صدقية مقال السياسيين الشمالية في معارضة النظام الحالي عندما يمارس ن(نظام الكيزان) التطهير العرقي ضد مواطنيه في الهامش .. لا ندري إن كانوا يتخذون جرائم النظام في الهامش أداة لتجريم النظام المجرم أم هي مشاعر حقيقية تنم عن إعتراف حقيقي بوجود مظالم في الهامش ستنظر فيها النظام الخالف بجدية بعد ذهاب نظام الكيزان الذي لا محالة ذاهب.
يبدو أن الصادق المهدي قد وعى نتائج الغطرسة والتعالي الأجوف على بعض السودانيين في إنفصال الجنوب .. فإن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي ..
الاستاذ سلمان الموضوع اكبر من ذلك بكثير نعم رفض الشماليين فكرة النظام الفيدرالي للجنوب ولكن الم يكن لهذا الرفض ما يبرره تعلم استاذي سلمان بأن الجنوب ظل ومنذ فترة ليست بالقصيرة مفصولاً عن الشمال بحكم قانون المناطق المغلقة الذي طبقه المستعمر وتعرف ايضاً ان السياسيون الجنوبيون في ذلك الوقت كانوا في ولاء تام للمستعمر الذي يعود له الفضل في تعليمهم وتنشئتهم السياسية وحتى في عقيدتهم المسيحية حيث كان التعليم في الجنوب في ذلك الوقت وبحكم قانون المناطق المغلقة حكراً على المنظمات الكنسية التي اعطاها القانون أعلاه الجق في حكم الجنوب بشكل منفرد ووضع جميع السياسات سواء الإجتماعية أو التعليمية أو الثقافية بيد هذه المنظمات و بالتالي ابتعد الجنوبيين من أي إرتباط بالشمال حيث كان القانون أعلاه يهدف الى ذلك بغرض خلق كيان في الجنوب مختلف عن ذالك الموجود في الشمال أضف الى ذلك ان السودان بلد متعدد الاعراق والثقافات وبالتالي من الممكن ان تنتقل عدوى النظام الفيدرالي الى باقي مناطق السودان الأخرى التي توجد بها نفس الإشكاليات لذا خاف السياسيون الشمالين من ان يتمخض الاستقلال عن دولة مفككة يحكمها نظام فيدرالي شكلي لكنها في الواقع مجموعة دول في داخلها وإذا أخذنا دور المستعمر في خلق هوية الجنوب المختلفة تماماً عن كل باقي أجزاء السودان الأخرى نجد أن خوف الشماليين له ما يبرره خصوصا وانهم عانوا الأمريين في سبيل الحصول على الاستغلال إذ كان المستعمر دائماً ما يتذرع بمصير الجنوبيين وخوفه عليهم بعد الاستغلال من ان يطالهم الإضطهاد من الشمال نتيجة الخلافات التي زرعها هو نفسة بين الجنوبيين والشماليين لذا كان القرار صعباً على الساسة في الشمال حيث كان عليهم الخيار بين أمرين كلاهما مر بين ان يمنحوا الجنوب الذي تيسطر عليه يد المستعمر نظاماً فيدرالياً وبالتالي يخرج تدريجياً عن البلاد هذا إذا لم يكن مصدراً دائماً للقلق والمشاكل التي غالباً ما يثيرها المستعمر أو ان يرفضوا إعطاءهم هذا الحق على أمل ان يمتزج الجنوب بعد الاستغلال مع الشمال وتتشكل هوية أخرى وطنية سودانية غير تلك التي صنعها المستعمر ومن ثم تزول الخلافات تدريجيا وتتوحد البلاد دون الحاجة للدخول في مغامرة فيدرالية مجهول العواقب وباالتالي فضلوا هذا الخيار