الوجود والكينونة

إننا ملقون في مادة الوجود إلقاء ، ليتكشف عنا وجودنا المجروح ، إن هذا الوباء ذا إحداثيات معقدة ، وروابط شائكة يحتاج إلى مرونة للمرور بين خنادق الوجود المتداخلة ، يحتاج تلونا ، يحتاج دماغا صحيا يقظا أو يحتاج العكس من ذلك ، يحتاج برودا ، خمولا ، لا اكتراث . إننا ملقون في الوجود الحارق الصلب الحاد كالأشواك المسمومة ، الثقيل ككومة قطن بللتها الأمطار ، إنه ثقيل في سجن الجسد وسجن الأرض والكون وسجن الروابط الحتمية والقسرية. إنه وجود متعفن كدماء قديمة ، إننا نحاول التملص منه عبر منمنمات معنوية، عبر موجات الموسيقى المتمايلة ، عبر الرسم والنحت ، عبر الشعر ، أي عبر الفن والحب ، نرغب في أن نقلب أجسادنا من الداخل إلى الخارج ، أي من احتشادات الروح في اللحم والعظم إلى فضاءات لا مرئية ، إن وجودنا زائف ، والخلاص من الزيف يأتي بالتضحيات ، بالتضحية بالجسد من أجل الروح ، لنعبر البرزخ الأثيري الجميل الرائع ، هناك حيث الوجود الحقيقي .. الوجود الحر والخفيف جدا .

أي كينونة ناقصة تلك التي يحققها الوجود الزائف؟ التي هي غير عارفة لذاتها ولا للآخر وكأن كل وجودها ملخص في الرأس دون سائر الجسد ، أن كل شيء يبدو موضوعا مفارقا حتى مكونات الوجود والجسد والإدراك الهلامي المحدود ، عاجز عن الخلق من العدم ، فهو وجود يتحرك تحت وطأة كثافة المادة ، يزيحها قليلا بحثا عن فراغ ، عن موطئ قدم ، عن محايثته لذاته من بين الذوات ، ولكن كل هذا الوجود يصيح بطبيعته الدائرية المغلقة ، يصيح في وجهه بخيبة الأمل والسقوط في هوة المادة ، إن الفراغ ممتلئ حتى الحافة بالقضايا والمقولات ، بالشيء الذي هو شيء في كل شيء ، ومن كل شيء ، أي وجود زائف وسطحي هو ؟ إنه كالتعلق بقوس قزح ، لا يفضي إلا إلى ما نصفه جهلا بالفناء ؛ فهل هو حقا فناء؟ إن المادة لا تفنى هذا هو القانون ؛ فهل يتمدد الوجود الزائف خارج البرزخ أيضا ، أم أن قوة مطلقة ستنتشلنا من هذا البؤس والشقاء؟
إن الشكوك تحوم حول كل شيء ، فكأننا خلقنا من الشك ، ﻷننا نجهل الوجود والكينونة ، ونسبح في سائل المادة الهائج ، لا نحيا بالمطلق ولا نفنى بالمطلق ، بل نحن في تشاد بين قوة هذا وقوة ذاك ليلقينا في المنتصف ، في منتصف الوجود . إننا نعود إلى الإلقاء من جديد ، كلما حاولنا التقدم إلى الأمام وجدنا الفكر يتقهقر إلى الإلقاء .
وعندما ألقينا هناك بلا ماض صار تحتنا الحاضر ، تلك النقطة الزمنية المتراجعة ، التي تحملنا في مسيرتها إلى الخلف فتصنع هي أيضا ماض زائف وحاضر فارغ ، فكل نقطة زمنية تتراجع مخلفة أنقاض وجود وكينونات عدة تتراص ملتحمة ببعضها لتجسد الألم في الوجود الزائف ، في الحاضر الغائب في زمن من بعدين فقط.
2أغسطس2016

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..