التخويف بشرع الله

هنادي الصديق

البيع والتجارة أيام الجمع (إذا)
* أمَرَ الله سبحانه وتعالى أن نترك نودي للصلاة.. والأمر موجه لنا كافة المسلمين باعتبار أننا نطيع أوامر الله و رسوله.. وأننا قادرون على تهيئة أنفسنا للذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة كما ينبغي..!
* و( إذا نودي للصلاة) توقيتٌ لترك البيع والتجارة واضح لكل ذي بصر و بصيرة، فما بال كتائب منسوبي نظام الإنقاذ تتهجم على المحلات التجارية والمهنية مرَوِّعين أصحاب تلك المحلات وزبائنهم كل جمعة.!!
* هل يعلمون خبايا الأنفس أكثر مما يعلم الخالق الباسط؟
* لم يكن يوم الجمعة ذاك الأسبوع، يومَ سعْدٍ لـ(التوم) صاحب البقالة الكائنة في شارعنا.. مع أن أيام الجمع تسعده كثيراً.. فبعد الثانية عشرة ظهراً بقليل، داهم متجره رجال شداد غلاظ: “قفِّل.. قفِّل!”.. رجال يحرصون على زرع الخوف مجاناً في كل المحلات التجارية والمهنية قبل الساعة الثانية ظهراً، رجال يعملون تحت إمرة نظام يلغي العقل ويتجاوز الشريعة لتأكيد الشريعة.. ولا يعترف بالمنطق.. ولا يتقبل الواقع ويبالغ في تحدي الموجود فوق مقاصد الخالق.
يتقبل الواقع.. ويبالغ في تحدي الموجود.. فوق مقاصد خالق الوجود ولا يعتقدون أن هنالك مستحيلاً في الدين ولا في الدنيا.. طالما بيدهم (التمكين).. ليس تمكيناً لإقامة الصلاة.. ولا لإيتاء الزكاة.. وفي سيرتهم الذاتية يشكِّل الإعدام شنقاً حتى الموت لوحة بشعة للأمر بالمعروف..
* فكم مقتول باسم الدين.. وقتلاهم كثر.. ويا لسخرية الأقدار أن يكون الدولار محرماً لدرجة الإعدام وهم عَبَدَتُه.. فكم قتل الدولار شباباً في بدايات حكمهم، قبل ربع قرن ونيف من الزمان، أما الآن فقد امتلكوا ناصية الدولار.. والدولار لاعب أساسي في ملاعب الأسفار والترف والحج (الفاخر) كل عام، فالحج سوف يفسح الطريق إلى جنات الخلد.. وبعد العودة من الحج يغوصون في بِرك الفساد مرة أخرى، ومن ثم الإعداد للحج (الفاخر) كَرَّة أخرى لمسح ما علق من أدران، والله غفور رحيم.
* وأكثروا من تكميم الأفواه وصادروا العقول.. فصارت الفتوى (الشرعية) هي كل الدين وكل الدنيا.. فإذا أردت دخول بيتك عليك أن تستفتي عن أي
الرِجلين تُقدِّم للدخول، الرجل اليمنى أم اليسرى.. وإن شئت أن تأكل الطعام عليك أن تستفتي عن كيف تدخل يدك في قصعة الطعام (شرعياً).. وكيف تدخل الطعام إلى فمك وكيف تبتلع أو تزدرد الطعام (شرعياً)، وإذا مججت طعم الأكل عليك أن تستفتي عن ماذا بوسعك أن تفعل (شرعياً) هل تلفظ ما في فمك أم مكرهاً تبتلعه (شرعياً).. وعليك أن تستفتي علماء السلطان قبل أن تختلي بزوجتك (شرعياً)..
* الهواتف لا تتوقف عن الرنين في محطات الإذاعة وقنوات التلفاز.. زبائن كُثر يطلبون كلاماً من مفتٍ – أي كلام – والمفتي يرشدهم إلى السلوك القويم في الأكل والشرب والنكاح والطلاق- وما أكثر الأسئلة عن الطلاق.
* أَفلا تعقلون؟!”.. العقل في إجازة طويلة منذ أن يبلغ السوداني المسلم الحلم.. العقل خاضع لرؤية رهبان شريعة قوامها ( ذا أو الطوفان)، وعليك ألا تفكر إلا حين يجئ المفتي.. لا تفعل شيئاً إلا بعد استشارة سيدنا العارف بالله.. واترك البيع والتجارة الساعة الثانية عشرة بالضبط قبل!! أذان صلاة الجمعة.. لعلهم يرحموك..
الجريدة

تعليق واحد

  1. الامر بترك البيع يوم الجمعة واضح ولكنه امر نهي وليس امر تحريم وقد اتفق جمهور الفقهاء على ضرورة ترك البيع يوم الجمعة عملاً بأية سورة الجمعة ومع ذلك فالفقهاء متفقين على ان عقود البيع والمعاملات التي تتم في هذه الساعة (إن وجدت) صحيحةولا تلغي او تفسد لكونها وقعت في امر نهي..

    كما لا يجوز لاي جهة دينية إجبار الناس على إغلاق المحلات التجارية او عدم ممارسة البيع يوم الجمعة او في أي اوقات للنهي الاخرى ويتم ذلك بالحسنى والتراضي والدعوة بالموعظة الحسنة فإن اغلق الرجل محله فقد استجاب لله وللرسول وان رفض فحسابه على الله وذلك انه لا يجوز ان يكره الناس على الدين او تطبيقه بالعنف لأن الله سبحانه وتعالى يريد ان يأتي اليه الشخص طائعاً غير مكره.

    ولتفادي هذه المشكلة (مشكلة قيام بعض المتطوعين الدينين بإجبار الناس على اغلاق المحلات) تقوم بعض الدول عادة بإصدار اوامر محلية بعدم البيع وقت الصلوات وبالتالي يقوم المتطوعين الدينيين بإجبار المحلات على اغلاق المحلات التجارية تطبيقاً للأمر المحلي الصادر من الجهة المختصة وله الحق في اجبارك على تطبيق القانون الوضعي وليس من ناحية اجبارك على الدين لانه كما لا يجوز شرعاً البيع وقت النهي او حتى الصلاة وقت النهي فكذلك لا يجوز اجبار الناس على الحج او الصلاة او الصيام إلا الزكاة ففيها خلاف فقهي في حادثة ابو بكر الصديق لقتال مانعي الزكاة فهل كان منعهم منع انكار ام منع ردة ومحاربة للمدينة.

  2. والله نؤيد فكرة العصيان المدني لأنك جبت الزبدة .. لازم كل الناس تتحرك في الموضوع وتروج ليهو وتتابع كيفية تنفيذه .. لكن بتمني من الخبراء توضيح النقاط العملية للجميع يعني مثلا ح تعمل شنو عشان تنفذ العصيان؟؟ ولو الحكومة إتخذت إجراء بكون زي شنو؟ والحل في حالة إرغام الناس علي النزول الي الشارع؟ يعني الخطوات التنفيذية في الإعتصامات والحركة.
    يلا يا شباب دايرين كل المواقع والفيس والواتساب ووو كلها تنادي بإحتفالنا بالخلاص تزامنا مع الإستقلال ونسميها لحظة الإستقلال الثاني الجديد يعني 3-1-2016 هو تأريخ نيل إستقلالنا الحقيقي

  3. اختى: هذه (الحده)و الغلظه فى الدين لها جذورها:

    هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) ، وقال تعالى : ((وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) ، فالحمد لله تعالى أن جعلنا من أهل السنة والجماعة وأعاننا على فعل الخيرا والله الموفق .

    من هو ((الضاال))؟؟؟ من كان ضالا قبل الرسول (محمد) و من لم يهتدى بتلاوة …و تزكية… و تعليم … و حكمة الرسول (محمد) الذى (((لا))) ينطق على الهوى..؟؟؟؟؟؟؟؟

    http://www.aqaed.com/book/556/sabil_16.html
    أبو بكر والسنّة النبويّة
    ثمّ جاء عصر الخليفة الأول أبي بكر، فلننظر عزيزي القارئ ماذا جرى لسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في عهد أبي بكر.
    فقد قام أبو بكر من أوّل يوم، بنبذ سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) باعتراف صريح في خطبته الأولى، وتأكيد على ما قاله عمر بن الخطّاب يوم رزيّة الخميس، حيث قال: حسبنا كتاب الله.
    روى الذهبي في تذكرة الحفاظ عن ابن أبي مليكة: أنّ أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيّهم فقال: إنكم تحدّثون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم، فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه(1).
    وهذا تصريح خطير فاضح، واعتراف واضح، يؤكّد قول المسلمين الذين قالوا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حسبنا كتاب الله، أي لا نريد سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ; ولذلك كان أبو بكر كثيراً ما يقول: لا تحملوني على سنّة نبيكم، فإنّي لا أطيقها، وهذا يؤكّد على تصميمهم على اغتيال السنّة النبويّة الشريفة.
    روى أحمد في مسنده عن قيس بن أبي حازم قال: ” إنّي لجالس عند أبي بكر، خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
    ____________
    1- تذكرة الحفاظ 1: 2 ـ 3.
    ________________________________________ الصفحة 448 ________________________________________
    بشهر، فذكر قصّة، فنودي في الناس: أنّ الصلاة جامعة، وهي أوّل صلاة في المسلمين نودي بها أنّ الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، شيئا صنع له كان يخطب عليه، وهي أوّل خطبة خطبها في الإسلام. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أيّها الناس ولوددت أنّ هذا كفانيه غيري، ولئن أخذتموني سنّة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ما أطيقها، إنْ كان لمعصوماً من الشيطان، وإنْ كان لينزل عليه الوحي من السماء(1).
    وقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أكّد في مرّات عديدة على أنّه سيأتي بعده رجال لا يحتكمون إلى سنتّه، وأكّد أنّ حرام محمّد حرام إلى يوم القيامة، وحلاله حلال إلى يوم القيامة وأنّ ما حرّم محمّد هو ما حرّم الله، وما حلّل محمّد هو ما حلّل الله، لكنّهم أبوا أنْ يحتكموا إلى هذه القاعدة النبويّة الشريفة.
    روى أحمد في مسنده، عن معدى كرب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” يوشك أحدكم أنْ يكذّبني وهو متكئ على أريكته، يحدّث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه، ألا وإنّ ما حرّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ما حرّم الله “(2).
    روى الترمذي في سننه، عن أبي رافع وغيره، رفعه قال: ” لا ألفينّ أحدكم متّكئاً على أريكته، يأتيه أمر مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه “(3).
    روى الحاكم في مستدركه عن معد يكرب قال: قال رسول الله صلّى الله
    ____________
    1- مسند أحمد 1: 14.
    2- مسند أحمد 4: 132.
    3- سنن الترمذي 4: 144.
    ________________________________________ الصفحة 449 ________________________________________
    عليه وسلّم: ” يوشك أنْ يقعد الرجل منكم على أريكته، يحدّث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلال استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرّمناه، وإنّما حرّم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، كما حرّم الله “(1).
    ومن المعروف في اللغة العربية أنّ كلمة ( يوشك ) هي من أفعال المقاربة. أي تدلّ على حدوث هذا الفعل بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة، ولو كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي هو سيّد البلغاء، وأفصح العرب، لو كان يريد الزمن البعيد، لقال: يأتي زمان، أو يكون في آخر الزمان، كما ذكر في أحاديث كثيرة.
    ثمّ إنّ أبا بكر لم يكتف بذلك، بل أراد أنْ يسلك طريقاً أشدّ وأوضح، حتّى يؤكّد على معنى نبذ السنّة وتركها. فقد قام بخطوة خطيرة جداً ضدّ أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). حيث قام بجمع الأحاديث النبويّة التي كانت عنده، وقام بحرقها جميعا، وهذا الحدث الخطير، موجود في صحاح أهل السنّة وكتبهم، وإليك بعض من تلك الروايات، التي تؤكّد وقوع هذا الحادث الخطير.
    روى المتقي الهندي في كنز العمّال عن مسند الصدّيق، بسنده عن القاسم بن محمّد قال: قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكانت خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلّب كثيراً، قالت: فغمّني، فقلت: تتقلّب لشكوى أو لشيء بلغك. فلمّا أصبح قال: أي بنيّة، هلمّي الأحاديث التي عندك. فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها وقال: خشيت أنْ أموت وهي عندك، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد تقلّدت ذلك(2). ورواه الطبري في الرياض النضرة(3).
    ____________
    1- المستدرك على الصحيحين 1: 109.
    2- كنز العمّال 10: 285.
    3- الرياض النضرة في فضائل العشرة 1: 173.
    ________________________________________ الصفحة 450 ________________________________________
    وأعتقد أنّه لا يوجد عند كلّ عقل سوي، أي مبرّر لهذا الحادث الخطير، إلا اغتيال سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ووأدها في مهدها، قبل انتشارها، لأسباب كثيرة نذكر بعضاً منها خلال البحث.
    والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يقوم هذا الرجل الذي يدّعي محبّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والاقتداء به بهذا العمل، مع العلم بأنّ جميع الأمم في السابق واللاحق، إذا مات عندهم عزيز، فإنّهم أوّل ما يقومون به بعد وفاته، تخليد ذكراه، وتمجيده من خلال إنجازاته وأفعاله وأقواله.
    وأظنّ أنّ هذا الأمر تقوم به جميع الأمم، حتّى الأمم الملحدة، فدونك مدوّنات مراجع الشيوعيين مثل ستالين ولينين وماركس، وأيضاً أقوال زعماء أمريكا وغيرهم مدوّنة حتّى اليوم، حتّى أنّ الحاضرات السابقة مثل الفراعنة، خلّدت الكثير من أقوال فراعنتها على الحجارة التي لا زالت موجودة حتّى اليوم.
    فهل هذا جزاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) سيّد الخلق، وخير الخلق، هل هذا جزاؤهُ، أنْ تحرق سنّته وتطمس؟!
    ________________________________________ الصفحة 451 ________________________________________
    عمر والسنّة النبويّة
    وأنتقل بك عزيزي القارئ إلى العصر الثاني، عصر الخليفة الثاني عمر، وماذا قام من إجراءات ضدّ السنّة النبويّة.
    في البداية أودّ أنْ أذكر أنّ عمر بن الخطّاب كان في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) له مواقف عجيبة وغريبة ومتناقضة مع موقفه من تدوين سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، مدّعياً أنّ وجود السنّة النبويّة مدوّنة في كتب، قد تخلط على المسلمين، فلا يستطيعون أنْ يفرّقوا بينها وبين كتاب الله.
    جاء في كنز العمّال: أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنّي كنت أريد أنْ أكتب السنن، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها، وتركوا كتاب الله(1).
    وفي كنز العمّال، عن الزهري قال: أراد عمر بن الخطّاب أنْ يكتب السنن، فاستخار الله شهراً، ثمّ أصبح وقد عزم له، فقال: ذكرت قوماً كتبواً كتاباً، فأقبلوا عليه، وتركوا كتاب الله(2).
    ولذلك كان تبريره أمام المسلمين هو حرصه على ألا يختلط الحديث بالقرآن، وهذا الادّعاء الباطل من أساسه يتناقض مع واقع حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حيث كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يبلّغ القرآن، وفي نفس الوقت يتحدّث بالحديث، ويأمر
    ____________
    1- كنز العمّال 1: 64.
    2- كنز العمّال 10: 293، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3: 287.
    ________________________________________ الصفحة 452 ________________________________________
    بالكتابة،وكان المسلمون يستطيعون التمييز بين الآية والحديث.
    والأمر الثاني: أنّ الله سبحانه وتعالى قد تكفّل بحفظ القرآن وآياته حيث قال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(1)، وهذا الحفظ الإلهي للقرآن والعقيدة، يبعّد أيّ ادّعاء من نوع ادّعاءات عمر.
    ثمّ لو كان هذا الادّعاء صحيحاً، لما دعى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى كتابة حديثه وحفظه ورعايته وتبليغه، فالله أمر رسوله بتبليغ الإسلام من قرآن وحديث، حيث قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ }(2)، وكذلك فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال في عدّة مناسبات: إنّي أوتيت القرآن ومثله معه.
    فقد روى أبو داود في سننه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: ” ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن ; فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه “(3).
    وجاء في الدرّ المنثور للسيوطي: أخرج الدارمي، عن يحيى بن أبي كثير قال: كان جبريل ينزل بالسنّة، كما ينزل بالقرآن(4).
    وأيضاً فإنّ من المعلوم من الدين بالضرورة، أنّه لا يمكن أنْ يفهم القرآن بدون أنْ يبيّنه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويبيّن أحكامه، ويشرح مفصّله، أو يخصّص عمومه، أو يبيّن ناسخه من منسوخة، فالحديث النبوي إذاً ضرورة دينية لابدّ من وجودها،
    ____________
    1- الحجر: 9.
    2- المائدة: 67.
    3- سنن أبي داود 2: 392.
    4- الدرّ المنثور 6: 122.
    ________________________________________ الصفحة 453 ________________________________________
    ومن تدوينها وحفظها، ورعايتها، وتبليغها.
    ثمّ إنّ المسلمين أدركوا بطلان صحّة ذلك الادّعاء، وهو ادّعاء عمر، أنّ في حرق سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومحوها ومنع تدوينها حفظاً للدين والقرآن، أدرك المسلمون بطلان ذلك الادّعاء، فلم يقبلوه، بل ورفضوه، ولم يلتزموا به، حيث قاموا ببدء تدوين الحديث، لكن بعد القرن الأول الهجري، وفي القرن الثاني حتّى بداية الثالث الهجري، فلو كان هناك أمر نبويّ بمنع التدوين، أو بحرق السنّة أو محوها، لما خالف المسلمون ذلك الأمر النبوي.
    ثمّ إنّه من المعروف أنّ عمر بن الخطّاب كان في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يحاول دائما أنْ يقرأ التوراة، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يغضب لذلك، وكان دائماً يمنعه من قراءتها، حتّى وصل به الأمر أنْ طلب من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يدوّن حكم وتعاليم اليهود التي يتحدّثون بها ويتداولونها، حتّى تنفع المسلمين، إلا أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، رفض ذلك الأمر، وغضب غضباً شديداً.
    روى أحمد في مسنده، عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر بن الخطّاب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة، ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عبد الله، فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(1).
    روى الهيثمي في مجمع الزوائد، عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر بن الخطّاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي مررت بأخ لي من بني قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال عبد الله، يعني: ابن ثابت. فقلت: ألا ترى ما
    ____________
    1- مسند أحمد 3: 470، 4: 265، وأورده السيوطي في الدرّ المنثور 2: 48.
    ________________________________________ الصفحة 454 ________________________________________
    بوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم!!(1).
    وفي أسد الغابة: جاء عمر بن الخطّاب بكتاب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أقرأ عليك هذا الكتاب؟ فغضب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم(2).
    روى الدارمي في سننه، عن جابر، أنّ عمر بن الخطّاب أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله هذه نسخة من التوراة، فسكت، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغيّر(3).
    وروى أحمد في مسنده، عن جابر بن عبد الله، أنّ عمر بن الخطّاب أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبيّ، فغضب فقال: ” أمتهوكون فيها يا ابن الخطّاب! والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذبوا به، أو بباطل فتصدّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أنّ موسى كان حيّاً ما وسعه إلا أنْ يتبعني “(4).
    وفي مجمع الزوائد: عن جابر قال: نسخ عمر كتاباً من التوراة بالعربيّة، فجاء به إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يقرأ، ووجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغيّر. فقال رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطّاب ألا ترى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهّم لن يهدوكم، وقد ضلّوا، وإنّكم إمّا أنْ تكذّبوا بحقّ، أو تصدّقوا بباطل، والله، لو كان موسى بين أظهركم، ما حلّ له إلا أنْ يتبّعني “(5).
    ____________
    1- مجمع الزوائد 1: 173.
    2- أسد الغابة 1: 235.
    3- سنن الدارمي 1: 115.
    4- مسند أحمد 3: 387، المصنّف 6: 228.
    5- مجمع الزوائد 1: 174.
    ________________________________________ الصفحة 455 ________________________________________
    وفي مجمع الزوائد، عن أبي الدرداء قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق. فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عبد الله بن زيد الذي أري الأذان: أمسخ الله عقلك، ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(1).
    وفي كنز العمّال، عن جبير بن نفير، عن عمر قال: انطلقت في حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت خيبر، فوجدت يهوديّاً يقول قولاً، فأعجبني، قلت: هل أنت مكتبي بما تقول؟ قال: نعم، فأتيته بأديم، فأخذ يملي عليّ(2).
    وفي الدرّ المنثور: أخرج عبد الرزاق، والبيهقي، عن أبي قلابة، أنّ عمر بن الخطّاب مرّ برجل يقرأ كتاباً، فاستمعه ساعة، فاستحسنه، فقال للرجل: اكتب لي من هذا الكتاب. قال: نعم، فاشترى أديماً، فهيّأه، ثمّ جاء به إليه، فنسخ له في ظهره وبطنه، ثمّ أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل يقرؤه عليه، وجعل وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلوّن، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال: ثكلتك أمّك يا ابن الخطّاب، أما ترى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: ” إنّما بعثت فاتحاً وخاتماً، وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه، واختصر لي الحديث اختصاراً، فلا يهلكنّكم المتهوّكون “(3).
    وفي الدرّ المنثور: أخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وإسحاق بن راهويه في مسنده، وابن جرير، وابن أبي حاتم، أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنّي كنت أغشى
    ____________
    1- مجمع الزوائد 1: 174.
    2- كنز العمّال 1: 372.
    3- الدرّ المنثور 5: 148.
    ________________________________________ الصفحة 456 ________________________________________
    اليهود يوم دراستهم، فقالوا: ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك ; لأنّك تأتينا(1).
    وإنّني أستغرب من هذا الأمر كثيراً، عمر لا يريد كتابة السنّة النبويّة، بل قام بحرقها، ومنع من الحديث بها، ومنع من تدوينها، وعاقب على ذلك وخالف أمر الله وأمر رسوله، بينما كان حريصاً على فائدة المسلمين عن طريق تدوين ما عند اليهود من حكم وتعاليم وأشعار!!
    وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى، عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم يملي عليّ أحاديث، فقال: إنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطّاب، فأنشد الناس أنْ يأتوه بها، فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها(2).
    وروى ذلك الخطيب البغدادي أيضاً(3).
    وروى في كنز العمّال، عن ابن شهاب، أنّ عمر بن الخطّاب كتب إلى أبي موسى الأشعري، أنْ مر من قبلك يتعلّم العربية، فإنّها تدلّ على صواب الكلام، ومرهم برواية الشعر، فإنّه يدلّ على معالي الأخلاق(4).
    روى الحاكم في مستدركه، عن أبيه: أنّ عمر بن الخطّاب قال لابن مسعود، ولأبي الدرداء، ولأبي ذرّ: ما هذا الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحسبه حبسهم بالمدينة حتّى أصيب(5).
    وفي كنز العمّال عن محمّد بن إسحاق قال: أخبرني صالح بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: والله ما مات عمر بن الخطّاب حتّى بعث إلى
    ____________
    1- الدرّ المنثور 1: 90.
    2- الطبقات الكبرى 5: 188.
    3- اُنظر تقييد العلم للخطيب البغدادي: 52 .
    4- كنز العمّال 10: 300.
    5- المستدرك على الصحيحين 1: 110.
    ________________________________________ الصفحة 457 ________________________________________
    أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجمعهم من الآفاق، عبد الله ابن حذافة، وأبا الدرداء، وأبا ذرّ، وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الآفاق؟ قالوا: أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله، لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ ونردّ عليكم، فما فارقوه حتّى مات(1).
    أخرج ابن سعد في الطبقات، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال: قال عمر بن الخطّاب لعبد الله بن مسعود، ولأبي الدرداء، ولأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ ولم يدعهم يخرجون من المدينة حتّى مات(2).
    وفي كنز العمّال، عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول لأبي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو لألحقنّك بأرض دوس. وقال لكعب: لتتركنّ الحديث، أو لألحقنّك بأرض القردة(3).
    وروى في جامع بيان العلم وفضله، عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يحدّث أنّ عمر بن الخطّاب أراد أنْ يكتب هذه الأحاديث، أو كتبها ثمّ قال: لا كتاب مع كتاب الله(4).
    وروي جامع بيان العلم وفضله، عن يحيى بن جعدة قال: أراد عمر أنْ يكتب السنّة، ثمّ بدا له أنْ لا يكتبها، ثمّ كتب في الأمصار: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه(5).
    لماذا يا عمر بن الخطّاب، قلت بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حسبنا كتاب الله،
    ____________
    1- كنز العمّال 10: 293.
    2- الطبقات الكبرى 2: 336.
    3- كنز العمّال 1: 291.
    4- جامع بيان العلم 1: 64.
    5- جامع بيان العلم 1: 65.
    ________________________________________ الصفحة 458 ________________________________________
    دعوه فإنّه يهجر، بينما كنت حريصاً على قراءة التوراة، وكنت حريصاً على كتابة ما عند اليهود من تعاليم وحكم، لفائدة المسلمين؟ أليس في سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الكفاية، أم أنّها لا تعجبك؟ ولم تكن تريد أنْ يعرفها أحد من المسلمين؟ هل كلامك هذا يعني أنّ الله تعالى قد أنزل إلينا ديناً ناقصاً!
    هذه تساؤلات أترك لك عزيزي القارئ الإجابة عليها من خلال البحث والتقصّي عنها، من خلال كتب أهل السنّة وصحاحهم وسيرهم.
    والأنكى من ذلك، لمّا حصل الفراغ عند المسلمين، حيث مُنعوا في زمن عمر التحدّث بحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكتابته، وعوقبوا بالحبس أو النفي، صار الناس يجهلون كثيراً من الأحكام، وصارت السنّة النبويّة بعيدة عن حياتهم العمليّة، ومن أجل ملئ ذلك الفراغ، قام عمر بن الخطّاب بخطوة جريئة، وهي فرض القصّاصين في المساجد، ومن المعروف أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد حذر المسملين من أولئك القصّاصين. أقدّم لك بعضا من الروايات التي تدلّ على هذا المعنى:
    روى السيوطي في الجامع الصغير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” سيكون بعدي قصّاص، لا ينظر الله إليهم “(1).
    وروي في كنز العمّال، عن عليّ أنّه دخل المسجد، فإذا بصوت قاصّ، فلمّا رآه سكت. قال عليّ: من هذا؟ قال القاصّ: أنا. فقال عليّ: اما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ” سيكون بعدي قصاص لا ينظر الله إليهم “(2)
    وروى الطبراني، عن خباب، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ” إنّ بني
    ____________
    1- الجامع الصغير 2: 64.
    2- كنز العمّال 10: 282، عن أبي عمير بن فضالة في أماليه.
    ________________________________________ الصفحة 459 ________________________________________
    إسرائيل لمّا هلكوا قصّوا “(1).
    وبالرغم من هذا التحذير النبويّ من القصّاصين، وبالرغم من الأحاديث النبويّة التي تأمر بحفظ الحديث النبويّ وتدوينه ورعايته ونقله، قام عمر بن الخطّاب بمخالفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فبعد أنْ حرق السنّة، ومنع من التحدّث بها، وروايتها، وعاقب على ذلك، جاء بالقصّاصين وعيّنهم في المساجد، حتّى يحدّثوا الناس، وفرض لهم أيّاماً معيّنة.
    روى الإمام أحمد عن السائب بن يزيد قال: ” إنّه لم يكن يقصّ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا أبي بكر، وكان أوّل من قصّ تميم الداري. استأذن عمر أنْ يقصّ على الناس قائماً، فأذن له ورواه ابن شبّة في تاريخ المدينة(2).
    ويحب أنْ يُعلم أنّ أولئك القصّاصين الذين عيّنهم عمر، كانوا أحباراً ورهباناً قبل مجيئهم إلى المدينة المنوّرة، من أمثال كعب الأحبار، ووهب بن منبّه، وعبد الله بن سلام، وتميم الداري، وقد عيّن عمر بن الخطّاب لهم أيّاما في المسجد، لكي يقصّوا على الناس قصصاً من الإسرائيليات.
    في تاريخ المدينة: حدّثنا هارون بن معروف قال، حدّثنا محمّد بن سلمة الحرّاني، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: خرج عمر إلى المسجد، فرأى حلقاً في المسجد فقال: ما هؤلاء؟ فقالوا: قصّاص، فقال: وما القصّاص؟ سنجمعهم على قاصّ يقصّ لهم في يوم سبت مرّة، إلى مثلها من الآخر. فأمر تميم الداري(3).
    ____________
    1- المعجم الكبير 4: 80 .
    2- مسند أحمد 3: 449، تاريخ المدينة 1: 12.
    3- تاريخ المدينة 1: 11.
    ________________________________________ الصفحة 460 ________________________________________
    وبما أنّ هناك فراغ عند الناس، وجهل بالسنّة النبويّة بسبب منع تدوين الحديث، اختلطت تلك الإسرائيليات، بما يعرفه الناس من حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبواسطة كعب وابن منبّه وسواهما من اليهود، الذين أسلموا، تسرّبت إلى الحديث طائفة من أقاصيص الإسرائيليات، وما لبثت هذه الروايات أنْ أصبحت جزءاً من الأخبار التاريخيّة والدينيّة، حيث قرّب عمر هؤلاء الأشخاص وأدناهم من مجلسه، وجعل لهم قيمة علميّة واجتماعيّة بين الناس، بينما أقصى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وأبا ذرّ، والمقداد، وسلمان، وغيرهم ممّن منعهم من الحديث بحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أنّ عمر كان يسأل أولئك الأحبار والرهبان عن كثير من أمور العقيدة والأحكام.
    روي في كنز العمّال عن عمير بن سعد الأنصاري [كان ولاه عمر حمص فذكر الحديث] قال: قال عمر لكعب: إنّي أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: لا والله، لا أكتمك شيئاً أعلمه، قال: ما أخوف شيء تخوفه على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أئمّة مضلّين(1).
    قال السيوطي في الدرّ المنثور: أخرج ابن مردويه، عن عبد الرحمن بن ميمون، أنّ كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطّاب، فقال له عمر: حدّثني إلى ما تنتهي شفاعة محمّد يوم القيامة؟ فقال كعب: قد أخبرك الله في القرآن، إنّ الله يقول: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ }(2)، إلى قوله: { الْيَقِينُ }. قال كعب: فيشفع يومئذ حتّى يبلغ من لم يصلّ صلاة قط ، ويطعم مسكينا قطّ ، ومن لم يؤمن ببعث قطّ ، فاذا بلغت هؤلاء، لم يبقَ أحد فيه خير(3).
    وقال السيوطيّ في الدرّ المنثور: وأخرج ابن جرير، عن أبي المخارق،
    ____________
    1- كنز العمّال 5: 756، وأخرجه أحمد في المسند 1: 42.
    2- المدّثر: 42 ـ 47.
    3- الدرّ المنثور 6: 285.
    ________________________________________ الصفحة 461 ________________________________________
    زهير بن سالم، قال: قال عمر لكعب: ما أوّل شيء ابتداءه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد، ولكن كتب بإصبعه، يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: أنا الله، لا إله إلاّ أنا، سبقت رحمتي غضبي(1).
    وقال السيوطيّ في الدرّ المنثور: وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، أنّ عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنّة، لا يدخله إلا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيد، أو حَكم عدل(2).
    وفي كنز العمّال، عن أبي إدريس قال: قدم علينا عمر بن الخطّاب الشام فقال: إنّي أريد أنْ آتي العراق، فقال له كعب الأحبار: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك! قال: وما تكره من ذلك؟ قال: بها تسعة أعشار الشرّ، وكلّ داء عضال، وعصاة الجنّ، وهاروت وماروت، وبها باض إبليس وفرخ(3).
    قد ذكرت لك عزيزي القارئ بعضاً من الروايات، والتي تبيّن كيف كان عمر يتتلمذ على أيدي أولئك الأحبار كان يستطيع أنْ يعلم شيئا من الأشياء التي لم يعرفها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّه كان مشغولا بالصفق بالأسواق، كما روى البخاري: فقال عمر: أخفى هذا عليّ من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ ألهاني الصفق بالأسواق(4). كان يستطع أنْ يعرف ذلك لو توجّه إلى أمير المؤمنين باب مدينة العلم سلام الله عليه، ليسأله عن أيّ شيء يجهل حكمه، لا أنْ يتوجه إلى أولئك الأحبار، الذين يخلطون في الدين والسنّة ما ليس منهما فكانت النتيجة أنْ أدخل عمر على المسلمين أفكاراً جديدة، كالقدريّة، والمرجئة، وغيرها من المعتقدات التي ما انزل الله بها من سلطان، ومع أنّه كان واضحاً عند الصحابة كذّب أولئك
    ____________
    1- المصدر نفسه 3: 6.
    2- المصدر نفسه 4: 57 .
    3- كنز العمّال 14: 173.
    4- صحيح البخاري 3: 7.
    ________________________________________ الصفحة 462 ________________________________________
    الأحبار والرهبان الذين تأسلموا، إلا أنّ عمر قرّبهم، وأدناهم، واعتمد أقوالهم، بدلاً من سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
    روى البخاري في باب: قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ” لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ” وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن: سمع معاوية يحدّث رهطاً من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار فقال: إنْ كان من أصدق هؤلاء المحدّثين الذين يحدّثون عن أهل الكتاب، وإنْ كنّا مع ذلك لنبلو عليه الكذب(1).
    روى البخاري في الصحيح، خرج رجل من بني سهم، مع تميم الداري، وعديّ بن بداء، فمات السهميّ بأرض ليس بها مسلم، فلمّا قدما بتركته، فقدوا جاما من فضّة مخوصا من ذهب، فأحلفهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ وجد الجام بمكّة، فقالوا: ابتعناه من تميم، وعديّ، فقام رجلان من أوليائه، فحلفا: لشهادتنا أحقّ من شهادتهما، وأنّ الجام لصاحبهم(2).
    وبالتالي، صار ادّعاء عمر الذي بسببه منع تدوين الحديث، صار ذلك الأمر حقيقة، فدخلت الإسرائيليات على كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى أنّ أهل السنّة لمّا دوّنوا الحديث وضعوا تلك الإسرائيليات في كتبهم، واعتبروها من كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعتبرها المسلمون اليوم يعتبرونها سنّة نبويّة، تقوم على أساسها أحكام شرعيّة عديدة، مثل القدريّة، والمرجئة، والتجسيم، وقضايا كثيرة، كالطعن في عصمة الأنبياء، وعصمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والأهمّ من ذلك، التناقضات في المئات من الأحاديث، ممّا أدّى إلى ظهور، الاجتهاد بالرأي، والقياس والاستحسان، وغير ذلك في عصر مبّكر جداً عند المسلمين.
    ____________
    1- المصدر نفسه 8: 160.
    2- صحيح البخاري 3: 198 ـ 199.
    ________________________________________ الصفحة 463 ________________________________________
    عثمان بن عفان والسنّة
    ثمّ جاء عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفّان والذي أمضى سنّة أبي بكر وعمر في منع تدوين السنّة، أو التحدّث بها، ومنع تداولها، وأعلن صراحة أنّ كلّ حديث لم يوافق عليه أبو بكر أو عمر فإنّه لن يقبله.
    روى المتقي الهندي في كنز العمّال عن محمود بن لبيد قال: سمعت عثمان ابن عفّان على المنبر يقول: لا يحلّ لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر، ولا عهد عمر، فإنّي لم يمنعني أنْ أحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنْ لا أكون أوعى أصحابه عنده، إلا أنّي سمعته يقول: ” من قال عليّ ما لم أقل، فقد تبوّأ مقعده من النار “(1).
    إذن، عثمان بن عفّان أيضاً اتّبع سنّة أبي بكر وعمر في منع التحديث بالسنّة النبويّة، والحديث النبوي، وادّعى أنّ الحديث الذي لم يسمع به في عهد أبي بكر وعمر لا يجوز لأحد أنْ يرويه، وأتساءل ماذا روي أصلا في زمن أبي بكر وعمر، ألم يحرقوا السنّة، ومنعوا تدوينها، وعاقبوا على ذلك؟ لكنّ عثمان بدلاً من ذلك، كثّف وجود القصّاصين في المساجد، وعيّن لهم أيّاما إضافيّة، حتّى يرووا للمسلمين قصص الإسرائيليات بدلاً من سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبذلك يكون قد أوفى ببيعته لعبد الرحمن بن عوف على اتّباع سنّة أبي بكر وعمر، التي رفضها أمير
    ____________
    1- كنز العمّال 10: 295، عن الطبقات الكبرى 2: 336 ـ 337.
    ________________________________________ الصفحة 464 ________________________________________
    المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) عندما شرط عبد الرحمن بن عوف ذلك الشرط .
    روي في تاريخ المدينة: فاستأذن تميم في ذلك عثمان بن عفّان، فأذن له أنْ يذكر يومين من الجمعة، فكان تميم يفعل ذلك(1).
    وروي في تاريخ المدينة، عن ابن شهاب: أنّه سئل عن القصص فقال: لم يكن إلا في خلافة عمر، سأله تميم أنْ يرخّص له في مقام واحد في الجمعة، فرخّص له، فسأله يزيده، فزاده مقاما آخر. ثمّ استخلف عثمان، فاستزاده، فزاده مقاما آخر، فكان يقوم ثلاث مرّات في الجمعة(2).
    ثمّ إنّه عاقب العديد من الصحابة على مخالفة أمره ; لأنّهم كانوا يدعون لتطبيق أمر الله، وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) كأبي ذرّ، وبلال، وعمّار، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من الذين كانوا يصرخون في وجهه ; لأنّه خالف سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتركها.
    أخرج البلاذري في الأنساب، عن أبي مخنف قال: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، وكلّموه فيه بكلام شديد، حتّى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإنْ رغمت أنوف أقوام. فقال له عليّ: إذاً، تمنع من ذلك، ويحال بينك وبينه. وقال عمّار بن ياسر: أشهد الله أنّ أنفي أوّل راغم من ذلك. فقال عثمان: أعَليّ المتْكاء تجترئ؟ خذوه، فأخذ، ودخل عثمان، ودعا به، فضربه حتّى غشي عليه، ثمّ أخرج، فحمل حتّى أتي به منزل أمّ سلمة، زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق، توضّأ وصلّى وقال: الحمد لله، ليس هذا أوّل يوم أوذينا فيه في الله. وقام هشام بن الوليد بن المغيرة
    ____________
    1- تاريخ المدينة 1: 11.
    2- تاريخ المدينة 1: 12.
    ________________________________________ الصفحة 465 ________________________________________
    المخزومي، وكان عمّار حليفاً لبني مخزوم، فقال: يا عثمان أمّا عليّ فاتقيته وبني أبيه، وأمّا نحن فاجترأت علينا، وضربت أخانا، حتّى أشفيت به على التلف. أما والله، لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني أميّة عظيم السرّة، فقال عثمان: وإنّك لها هنا يا ابن القسريّة؟ قال: فإنّهما قسريّتان، وكانت أمّه وجدّته قسريّتين من بجيلة، فشتمه عثمان، وأمر به فأخرج، فأتى أمّ سلمة، فإذا هي قد غضبت لعمّار، وبلغ عائشة ما صنع بعمّار، فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وثوبا من ثيابه، ونعلاً من نعاله، ثمّ قالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم، وهذا شعره وثوبه ونعله، لم يبل بعد! فغضب عثمان غضباً شديداً، حتّى ما درى ما يقول، فارتجّ المسجد، وقال الناس: سبحان الله، سبحان الله، وكان عمرو بن العاص واجداً على عثمان، لعزله إيّاه عن مصر، وتوليته إيّاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فجعل يكثر التعجّب والتسبيح. وبلغ عثمان مسير هشام بن الوليد، ومن مشى معه من بني مخزوم إلى أمّ سلمة، وغضبها لعمّار، فأرسل إليها: ما هذا الجمع؟ فأرسلت إليه: دع ذا عنك يا عثمان، ولا تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون واستقبح الناس فعله بعمّار، وشاع فيهم، فاشتدّ إنكارهم له(1).
    وفي لفظ الزهري كما في أنساب البلاذري: وكان في الخزائن سفط فيه حلي، وأخذ منه عثمان، فحلّى به بعض أهله، فأظهروا عند ذلك الطعن عليه، وبلغه ذلك، فخطب فقال: هذا مال الله، وأعطيه من شئت وأمنعه من شئت، فأرغم الله أنف من رغم، فقال عمّار: أنا والله أوّل من رغم أنفه من ذلك. فقال عثمان: لقد اجترأت عليّ يا بن سميّة! وضربه حتّى غُشي عليه، فقال عمّار: ما هذا بأوّل ما أوذيت في الله. واطلعت عائشة شعراً من شعر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونعله، وثياباً من ثيابه، فيما يحسب وهبٌ، ثمّ قالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم! وقال
    ____________
    1- أنساب الأشراف 6: 161 ـ 162.
    ________________________________________ الصفحة 466 ________________________________________
    عمرو بن العاص: هذا منبر نبيّكم، وهذه ثيابه، وهذا شعره لم يبلَ فيكم، وقد بدّلتم وغيّرتم. فغضب عثمان حتّى لم يدرِ ما يقول(1).
    قال البلاذري في الأنساب: ويقال إنّ المقداد بن عمرو، وعمّار بن ياسر، وطلحة، والزبير، في عدّة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كتبوا كتابا عدّدوا فيه أحداث عثمان، وخوّفوه ربّه، وأعلموه أنّهم مواثبوه إنْ لم يقلع، فأخذ عمّار الكتاب، وأتاه به، فقرأ صدراً منه، فقال له عثمان: أعليّ تقدم من بينهم؟ فقال عمّار: لأنّي أنصحهم لك. فقال: كذبت يا بن سميّة. فقال: أنا والله ابن سميّة، وابن ياسر. فأمر غلماناً له فمدّوا بيديه ورجليه، ثمّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخفّين على مذاكيره، فأصابه الفتق، وكان ضعيفا كبيراً، فغشي عليه(2).
    قال في الاستيعاب: وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم، وبين عمّار وأبيه ياسر، كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب، حتّى انفتق له فتق في بطنه، ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لاقتلنا به أحداً غير عثمان(3).
    وفي أنساب البلاذري: قدم ابن مسعود المدينة، وعثمان يخطب على منبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا رآه قال: ألا أنّه قدمت عليكم دويبة سوء، من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكنّي صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان. ونادت عائشة: أي عثمان، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ ثمّ أمر عثمان به، فأخرج من المسجد إخراجا عنيفا، وضرب به عبد الله بن زمعة الأرض، ويقال: بل احتمله يحموم، غلام عثمان، ورجلاه تختلفان على عنقه، حتّى ضرب به الأرض، فدقّ ضلعه، فقال عليّ: ” يا عثمان،
    ____________
    1- أنساب الأشراف للبلاذري 6: 209.
    2- أنساب الأشراف للبلاذري 6: 162 ـ 162.
    3- الاستيعاب 3: 1136.
    ________________________________________ الصفحة 467 ________________________________________
    أتفعل هذا بصاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بقول الوليد بن عقبة “؟ فقال: ما بقول الوليد فعلت هذا، ولكن وجهت زبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة، فقال له ابن مسعود: إنّ دم عثمان حلال، فقال عليّ: ” أحلت من زبيد على غير ثقة “(1).
    وروى الواقدي: أنّ ابن مسعود لمّا استقدم المدينة دخلها ليلة جمعة، فلمّا علم عثمان بدخوله قال: أيّها الناس، إنّه قد طرقكم الليلة دويبة، من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكننّي صاحب رسول الله يوم بدر، وصاحبه يوم أحد، وصاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنين. قال: وصاحت عائشة: يا عثمان، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ فقال عثمان: اسكتي، ثمّ قال لعبد الله بن زمعة: أخرجه إخراجا عنيفا، فأخذه ابن زمعة، فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد، فضرب به الأرض، فكسر ضلعاً من أضلاعه، فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان(2).
    روى البلاذري أنّه لما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه، أتاه عثمان عائداً فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربّي. قال: ألا أدعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟ قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله. قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أنْ يأخذ لي منك بحقّي، وأوصى أنْ لا يصلّي عليه عثمان؟ فدُفن بالبقيع وعثمان لا يعلم. فلمّا علم غضب وقال: سبقتموني به؟ فقال له عمّار بن ياسر: إنّه أوصى أنْ لا تصلّي عليه(3).
    وفي شرح النهج: روى محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن كعب القرظي أنّ
    ____________
    1- أنساب الأشراف 6: 146 ـ 147.
    2- نفله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3ك 42 ـ 43.
    3- أنساب الأشراف 6: 148.
    ________________________________________ الصفحة 468 ________________________________________
    عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطاً في دفنه أبا ذرّ(1).
    وفي السيرة الحلبية: وكان من جملة ما نقم به على عثمان…، وأنّه حبس عبد الله بن مسعود وهجره، وحبس عطاء، وأبي بن كعب، ونفى أبا ذرّ إلى الربذة وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لمّا شكاه معاوية، وضرب عمّار بن ياسر، وكعب بن عبدة، ضربه عشرين سوطا، ونفاه إلى بعض الجبال(2).
    كما كانت له جولات مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه، فقد كان أمير المؤمنين لا يمضي أمراً لا يوافق سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). والحوادث في ذلك كثيرة، ليس فقط مع عثمان، بل كانت مع أبي بكر وعمر أيضاً.
    ففي مجمع الزوائد، عن سعيد بن المسيّب قال: كان لعثمان آذن، فكان يخرج بين يديه إلى الصلاة. قال: فخرج يوماً، فصلّى والاذن بين يديه. ثمّ جاء فجلس الآذن ناحية ولفّ رداءه، فوضعه تحت رأسه واضطجع، ووضع الدرّة بين يديه. فأقبل عليّ في إزار ورداء، وبيده عصا، فلمّا رآه الآذن من بعيد قال: هذا عليّ قد أقبل. فجلس عثمان، فأخذ عليه رداءه. فجاء حتّى قام على رأسه فقال: اشتريت ضيعة آل فلان، ولوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مائها حقّ، أما إنّي قد علمت أنّه لا يشتريها غيرك. فقام عثمان، وجرى بينهما كلام حتّى ألقى الله عزّ وجلّ. وجاء العبّاس فدخل بينهما، ورفع عثمان على عليّ الدرّة.
    وكذلك عندما أراد عثمان الحجّ، وكان يمنع حجّ التمتّع، فلم يقبل عليّ إلا إمضاء سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
    روى مسلم في صحيحه، عن قتادة. قال: قال عبد الله ابن شقيق: كان عثمان ينهى عن المتعة. وكان عليّ يأمر بها. فقال عثمان لعليّ كلمة. ثمّ قال عليّ: لقد
    ____________
    1- شرح نهج البلاغة 3: 44.
    2- مجمع الزوائد 7: 226، عن الطبراني في الأوسط 7: 366.
    ________________________________________ الصفحة 469 ________________________________________
    علمت أنّا قد تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: أجل، ولكنّا كنّا خائفين(1).
    روى البخاري في صحيحه، عن مروان بن الحكم، قال: شهدت عثمان وعليّاً، وعثمان ينهى عن المتعة، وأنْ يُجمع بينهما. فلمّا رأى عليّ، أهلّ بهما: لبيك بعمرة وحجّة معاً، قال: ما كنت لأدع سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لقول أحد(2).
    وروى النسائي في سننه: أنّ عثمان نهى عن المتعة وأنْ يجمع بين الحجّ والعمرة معاً. فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال عليّ: ” لم أكن لأدع سنّة رسول الله لأحد من الناس “(3).
    وغير ذلك من المواقف التي سنأتي على ذكر بعض منها خلال البحث.
    ____________
    1- صحيح مسلم 4: 46.
    2- صحيح البخاري 2: 151.
    3- سنن النسائي 5: 148.
    ________________________________________ الصفحة 470 ________________________________________
    عصر الإمام عليّ(عليه السلام)
    ثمّ جاء عصر الإمام عليّ(عليه السلام)، الذي كان عالماً بسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتفاصيلها، وكانت عنده وعند الأئمّة من أولاده الحسن والحسين في ذلك الوقت الصحيفة التي فيها كلّ أحكام الشريعة بجزئياتها وكليّاتها.
    فحاول سلام الله عليه أنْ يطبّق كتاب الله، وسنّة نبيّه، إلا أنّ المسلمين في ذلك الوقت كان قد نسوا سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وابتعدوا عن الالتزام بها، فكلّما حاول سلام الله عليه أنْ يطبّق أمراً من سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وابتعدوا عن الالتزام بها، واجهه أتباع مانعي تدوين السنّة بالعداء العلني، وشغلوه سلام الله عليه بالحروب والفتن وابتدأوا بمعركة الجمل، ثمّ صفّين، ثمّ معركة النهروان مع الخوارج، حتّى وصل الأمر بهم أنْ قتلوه في محرابه، وقد ذكرت بعض تلك التفاصيل في موضوع اغتيال وصيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل أنْ ندخل في مرحلة معاوية بن أبي سفيان، وحركته ضدّ سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لابدّ وأنْ نذكر الأهداف التي من أجلها حَرَقَ الخلفاء الثلاثة سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعوا من تدوينها.
    أسباب حرق السنّة، ومنع تدوينها في عصر أبي بكر وعمر وعثمان:
    السبب الأوّل: كان من أجل إخفاء أسماء المنافقين الذين أعلن رسول
    ________________________________________ الصفحة 471 ________________________________________
    الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أسماءهم وفضح أفعالهم، وأيضاً من أجل إخفاء تفسير العديد من الآيات والأحاديث، حيث أصبح العديد من أولئك المنافقين، متنفذّين في الخلافة في ذلك الوقت، ولذلك، فإنّ وجود نصوص من هذا النوع، بالتأكيد سوف تفضحهم وتكشف حقيقتهم، وبالتالي يهتزّ مركزهم ويتزعزع، وهذا يشكّل خطراً كبيراً على دنياهم.
    والسبب الثاني: هو أنّ الخليفة الأوّل، والثاني، والثالث، كانوا يجهلون العديد من الأحكام الشرعيّة، ولا يعرفون حكمها، وهذا بالتأكيد سوف يزعزع مكانتهم بين المسلمين، ولأنّ العقل يقتضي أنْ يكون الخليفة من أعلم الناس، ولذلك كثيراً ما كانوا يعترفون بعجزهم وعدم معرفتهم بالأحكام، ويبرّرون مواقفهم بتبريرات عديدة، فمرّة يدّعون أنّهم شغلهم الصفق بالأسواق، ومرّه يتفوّهون بكلمات تظهر أنّهم لتواضعهم يعترفون بعدم علمهم، وطبيعي أنّ عجزهم عن معرفة الأحكام راجع في حقيقته إلى عدم معرفتهم بالسنّة النبويّة الشريفة، وجهلهم بها، لذا قرّروا إحراقها ليتسنّى لهم الإفتاء بلا حرج، لكن أمير المؤمنين(عليه السلام) كان لهم بالمرصاد، فطالما بيّن أخطاءهم، وصحّح أحكامهم لذا كان عمر يقول: ” لولا عليّ لهلك عمر “(1)، وأخرى: ” يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ” حتّى أنْ عمر اعترف بأنّ عليّ بن أبي طالب أقضاهم والحديث موجود في صحيح البخاري.
    وأحبّ في هذا المقام أنْ أقدّم للقارئ العزيز نماذج من كتب وصحاح أهل السنّة تبيّن جهل الخلفاء في معرفة العشرات من الأحكام والسنن النبويّة الشريفة.
    مواقف لأبي بكر لا يعرف فيها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا:
    أخرج الطبراني في المعجم الكبير، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: دخلت على أبي بكر رضي الله تعالى عنه أعوده في مرضه الذي توفي
    ____________
    1- الاستيعاب 3: 1103.
    ________________________________________ الصفحة 472 ________________________________________
    فيه… فقال أما إنّي لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهنّ، وددت أنّي لم أفعلهنّ، وثلاث لم أفعلهنّ، وددت أنّي فعلتهنّ، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهنّ، فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي لم أفعلهنّ، فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة، وتركته، وإنْ أغلق علي الحرب. وودت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، أبي عبيدة أو عمر، فكان أمير المؤمنين، وكنت وزيراً. وودد أنّي حيث كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردّة، أقمت بذي القصّة، فإنْ ظفر المسلمون ظفرواً، وإلا كنت ردءاً أو مدداً. وأمّا اللاتي وددت أنّي فعلتها، فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه، فإنّه يخيّل إليّ أنّه يكون شرّ إلاّ طار إليه. ووددت أنّي يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن أحرقه، وقتلته سريحاً، أو أطلقته نجيحاً. ووددت أنّي حيث وجّهت خالد بن الوليد إلى الشام، وجّهت عمر إلى العراق، فأكون قد بسطت يديَّ يميني وشمالي في سبيل الله عزّ وجلّ. وأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهنّ، فوددت أنّي كنت سألته فيمن هذا الأمر، فلا ينازعه أهله، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر سبب. ووددت أنّي سألته عن العمّة وبنت الأخ، فإنّ في نفسي منهما حاجة(1).
    قال في الدرّ المنثور: أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والدارمي، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن الشعبي قال: سُئل أبو بكر عن الكلالة فقال: إنّي سأقول فيها برأيي، فإذا كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإنْ كان خطأً فمنّي ومن الشيطان، والله منه بريء، أراه ما خلا الولد والوالد، فلمّا استخلف عمر قال: الكلالة ما عدا الولد، فلمّا طُعن عمر قال: إنّي لأستحي من الله أنْ أخالف أبا بكر رضي الله عنه(2).
    ____________
    1- المعجم الكبير 1: 62 ـ 63.
    2- الدرّ المنثور 2: 25.
    ________________________________________ الصفحة 473 ________________________________________
    مواقف لعمر لا يعرف فيها أحكام الدين:
    عمر لا يعرف آية التيمّم:
    روى مسلم في صحيحه، عن شعبة. قال: حدّثني الحكم عن ذر، عن سعيد ابن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه أنّ رجلا أتى عمر فقال: إنّي أجنبت فلم أجد ماء. فقال: لا تصلّ. فقال عمّار: أما تذكر، يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا. فلم نجد ماء. فأمّا أنت فلم تصلّ.

  4. هل تعلم ان هؤلاء الذين يدعون انهم ينهون عن المنكر هن اصحاب المنكر هؤلاء القوم لا يعرفون حكمة العمل بالمعروف والكلمة الحسنة هؤلاء عصابة وفاقد تربوي بأخلاقهم وتعاملهم وربما تجدهم سكارى احيانا ويدعون الى الصلاة وغلق المحلات !!!!!! سبحان الله . الدعوة لها رجالها والدين سمح لطيف جميل لكن كلما اختلط به امثال هؤلاء القوم ضاعت حوته وانقلب الى الضد عند متلقيه . هؤلا تجار دين ومنافقين وليسوا برجال اسلام ودين قويم .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..