السيادة الوطنية بين زعيط ومعيط

كنت اسأل نفسى دائما عن الوزير الذى يلبس جلباب الوطن كله ويتصرف بقوة سلطان الرئاسة فى شأن يخص تراب الوطن وسيادته على حدوده دون تفويض معلن اواختصاص مسنود من استفتاء عام، هل يعتبر متعديا على السيادة الوطنية ؟ ذلك لأنه فى عهد الانقاذ الهالك كان الوزراء والوكلاء وغيرهم من اصحاب الالسن السنان يتوسعون فى المشاترة فى ما لا يخصهم. ولكن اخطرهم اولئك الذين لا يرعون للوطن والسيادة الوطنية إلأ ولا ذمة. ومنهم من يتعامى ومنهم من يمنح ومنهم من يوافق بالسكوت. ليس لأن مفهوم السيادة الوطنية اختلفت آراء رجال القانون والحقوق في تحديده منذ زمن ارسطو. بل لانهم لا يدركون ارتباطها وثيقاً بمفهوم الاستقلال، فالدولة المستقلة هي السيدة القادرة على ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي والخارجي بحرية دون التدخل من أحد، وذهب ميثاق الأمم المتحدة لتأكيد مبدأ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. على الرغم من أن جوهر ومفهوم السيادة معترف به وغير متنازع عليه. إلا أن مجال ومدى حدودها هما اللذان تعرضا للتآكل والضعف، إما لاسباب داخلية تخص الدولة كما هى الحال الان. او لتقلبات الاوضاع العالمية ومستجدات التصارع على النفوذ السياسي والاقتصادى. واخطرمن كل ذلك بالطبع هو الضعف والتآكل الداخلى الذى يفتح الباب امام اصحاب الاغراض والمصالح، او الاعداء على حد سواء. ولامراء في ان الانسان ايا كان وضعه فهومصلحي وذاتي التفكير واكثرهم خطرا على الوطن والسيادة الوطنية من لا يحافظون على عهودهم وعقودهم ولا يطيعون الرأى الاخر إذا لم ينسجم مع مصالحهم، ولذلك يكون الصدام بين مختلف مكونات المجتمع تهديد قائم على الدوام ولا يخضع للصدفة، وهذه الحقيقة تتجلى من تعارض وتناقض ونفى وتؤكيد افادات المشاترين من قيادات الانقاذ. وبالتالي فان وجود السلطة العليا يصبح ضروريا لتفرض النظام والسلم الاجتماعي، الحال كذلك فالسيادة الوطنية تعنى السلطان الداخلي لكل دولة على إقليمها وأن تمارس اختصاصاتها بكل حرية في جميع الميادين التي لا ينظمها القانون الدولي، بما ينفي أي تدخل في شؤونها. ولكن مهددات انتهاك السيادة الوطنية ليس بالضرورة ان تكون مصادرها خارجية. بل قد تكون في غالبها ذات مصدر داخلى يتجسد اول ما يتجسد فى اختلاف اوغياب او تعارض اوعدم وحدة القوانين التى تصنع انتماء المواطن للوطن، وما يترتب على هذا الانتماء من فهم السيادة الوطنية والدفاع عنها. اما ان عجزت السلطة العليا عن تحقيق وحدة وتناغم القوانين لاسباب مصدرها مصلحى فئوى اوحزبى . فانها بذلك تقفز فوق مفهوم السيادة الوطنية. وبالتالى تضعف الانتماء الوطنى للدرجة التى تدفع البعض لأن يضع نفسه ندا للدولة التى هى الحكومة والمعارضة معا. واذا كانت الحكومة صاحبة السلطة لا تجتمع على رأى واحد تجاه القضايا الداخلية والخارجية بسبب تغبيش مفهوم الوطن والسيادة الوطنية اوتجييره لصالح اغراض غير وطنية، فانه من البديهى ان تعجز عن تسيير الدولة. وبالتالى تكون على استعداد لان تلجأ لحل العاجزين وتطرح اختلافاتها الداخلية على قارعة الطرق الدولية والاجهزة والمنظمات والهيئات والمحاكم المقبولة والمرفوضة في عواصم الدول الغريبة والقريبة. وتستجدى كل من هب ودب للمساهمة فى ايجاد الحلول لما احكمت نسيجه بنفسها من افعال واقوال المشاترين منها وما صنعوه من مشاكل ومناكفات وقضايا دون ان تستشعر الوجع والمهانة التى تسببها لمواطنيها. لتعود باتفاقيات ورقية وعهود ووعود كاذبة وبروتوكولات وغيرها من اشكال بنود التصالح والمساومات التى لا يتم الايفاء بتعهداتها ليعود الوضع الى ما كان عليه من قبل، بل و اسوا فسرعان ما يختلف الخصمان فى تفسير تلك البنود لتنضاف مشاكل وصعوبات جديدة وتتناسل تماما كما تتناسل الديون الرأسمالية. وهذا ما حدث تماما لكل الاتفاقيات والتعهدات والمواثيق التى ابرمتها الانقاذ. واذا كان عدم الالتزام والايفاء فى حالة الحكومات الديموقراطية يعود الى اسباب السيولة التى كانت تحكم قبضتها على رقاب النافذين وتكبل خطاويهم مقيدات الجهة والحزب مع ضمورفى الوطنية، فانها فى حالة نظام الانقاذ كانت كل ذلك مع القصد المدرك الواعى لعدم الالتزام والايفاء للاعتقاد بان فى ذلك ما يخصم من حصيلة النظام والقيادات الحاكمة فى السلطة والثروة. و يقود بالتالى لانهيار النظام برمته كما تتصورتلك الفئات المستفيدة. ولان نظام الحكم بذاته لم يؤسس على الخيار الانتخابى بل قام على اعقاب البنادق، فالمنطق يقول بان مهمة العقول والحكمة والبصيرة والوطنية لا مكان لها بين سطور الاستراتيجية والاهداف وهى التى تقود ألسن واقلام المشاترين. و تكون النتيجة المنطقية هى التنازل الطوعى عن السيادة الوطنية مهما كانت تبريراتها. اليوم والسودان فى وضع اغلب الظن انه لن يستمر متماسكا. يبقى السؤال هوكيف يمكننا ان نتعرف على سيادتنا الوطنية ونحن لم نستطع الحفاظ عليها عندما كنا موحدين فى وطن واحد. واليوم حكامنا يتغافلون عن مساحات من ارض سليبة ممنوع الاقتراب منها حتى لاكبر القيادات الحاكمة. لو كان الأسف يستطيع التعبيرعن نفسه لتأسف على حظ السودان التعس الذى رمى فى دربه من فرطوا فى وحدته وهتكوا نسيجه الاجتماعى بسياسات صفوية واصطفائية وفتحوا ابوابه لبغاث الطير من كل لون وجنس .
ابراهيم بخيت