مقالات سياسية

نقاش حول التعليم الخاص

عبدالمنعم عبدالسلام أحمد فضيل

         من الواضح جدا ان قضية التعليم الخاص من المواضيع الأكثر اثارة وجدلا من جانب الأسر وأيضا من جانب التربويين والمختصين. فالأمر يمتد عابرا الحدود لأن القضية نفسها تأخذ حيزا كبيرا من النقاش في الدول من حولنا لارتباطها بمفاهيم العولمة واقتصاد السوق والليبرالية الجديدة وتوفير حرية العمل في كل مجالات الحياة اعتمادا على مبدأ التنافس كما هو موجود في اتفاقية التجارة العالمية من تحرير للتجارة في أسواق الخدمات.

                  ولكن خصوصية الحالة في سودان الثورة تحتم علينا اثارة النقاش وفق المعطيات الجديدة كأحد استحقاقات المرحلة الحالية….و للولوج الى عمق الموضوع بعيدا عن الإطار السياسي سأبدأ بالسؤال التالي :     هل التعليم الخاص شريك ام دخيل على النظام التعليمي؟ 

        بداية و قبل محاولة الإجابة  لابد من التطرق لسياسة النظام المقبور في تسليع الخدمات و تغيير سياسة الانفاق التي تتبعها الدولة للدرجة التي انتجت  وضعا مشوها يصعب فيها التصنيف و الفصل بين التعليم الخاص و التعليم الحكومي من خلال الفصول الخاصة في المدارس الحكومية و من خلال المدارس الحكومية الأصل و لكن لها خصوصية تجعل مجالس الإباء يقومون بتحديد رسوم دراسية على الطلاب لصالح رفع فعالية  العمل بالمدرسة و أيضا مدارس الجامعات الحكومية و التي تفرض فيها رسوم تحت مسميات قبول و تبرعات و النماذج كثيرة جدا بحيث يصعب حصرها فهي تتلون بحكم المكان و الزمان. بالإضافة الى ان وزارة التربية و التعليم تتربح من التعليم الخاص عبر رسوم (خاصة) بوزارة التربية تمثل 1% من رسوم كل طالب – غير الرسوم الحكومية الأخرى من ضرائب و رسوم محلية زكاة و …- (و كل هذا سيكون احد تحديات وزارة التربية بعد التغيير لإعادة تعريف التعليم الخاص و توضيح الفواصل و الحدود ). 

              وللإجابة على السؤال أعلاه سندع الأرقام تتحدث ( في ولاية الخرطوم ): لدينا 2440 مدرسة أساس خاصة تستوعب 335454 طالب  بالإضافة الى 793 مدرسة ثانوية ينتسب اليها 122977 طالب غير المدارس الأجنبية و التي يتجاوز عددها 300 مدرسة ، أما عن المعلمين فيصعب حصرهم لانهم ينقسمون الى فئتين : فئة تعمل بالتعليم الخاص فقط و هذه الفئة بدورها تنقسم الى مجموعتين احدهما متفرغة بالمدرسة الواحدة و الأخرى تقدم خدماتها لأكثر من مدرسة خاصة  أما الفئة الثانية فهي معلمين ينتسبون الى القطاع الحكومي و يتعاونون في المدارس الخاصة بعلم إدارات التعليم التي تغض الطرف عنهم لأنها تعلم جيدا ان المعلم سيموت جوعا هو واسرته اذا لم يتمكن من زيادة دخله و لا توجد مقارنه لراتبه من الحكومة و ما يحصل عليه نظير تعاونه في الخاص – طبعا لصالح الخاص –  و بالعودة الى الطلاب في المدارس الخاصة الذين يقترب عددهم من نصف مليون طالب حسب الأرقام أعلاه ، نجد ان القطاع الخاص شريك أساسي في  عملية تعليم ابناءنا بل شريك فاعل لا يمكن تجاوزه باي حال ، و بافتراض قدرة التعليم الحكومي على استيعاب هذه الاعداد من الطلاب يقابلنا  عزوف كثير من أولياء الأمور عن تسجيل ابناءهم في المدارس الحكومية بسبب البيئة المدرسية المفتقرة لأبسط الأساسيات الإنسانية ناهيك  عن التعليمية فضلا عن فاعلية العملية التعليمية نفسها في المدرسة الحكومية وذلك لعدة أسباب من أهمها تدني الأجور الذي جعل مهنة التدريس طاردة لأغلب الكفاءات و جاذبة للذين ينتظرون دورهم في مجالات أخرى فتكون لهم محطة انتظار للأفضل . و الهيكل الراتبي الجديد قد رفع الأجر و لكن رفع الكفاءة يحتاج الى وقت و عمل وبرامج . 

        لذلك فالواقع يقول ان التعليم الخاص هو الذراع الأيمن للحكومة  في منظومة التعليم  هذه الحقيقة الموضوعية تجسد احدى أزمات التعليم الموروثة من النظام المقبور . لننتقل للوجه الآخر من القضية :  هل النظام التعليمي قادر على تحمل تبعات انهيار التعليم الخاص ؟ و هل العمل على اضعاف التعليم الخاص سيحقق تقدما في التعليم الحكومي ؟ بالطبع لا يوجد سبب واحد يجعلنا نتفق إيجابا مع هذه الأسئلة فالطلاب المتضررين من تدني مستوى التعليم الخاص هم طلابنا الذين نسعى لان يتلقوا تعليما يحقق اهدافنا ، أما بالنسبة لقدرة التعليم الحكومي على سد الفجوة التي يخلقها التعليم الخاص في حالة تراجعه فالمؤشرات واضحة امامنا فلازلنا نتحدث عن اجلاس الطلاب كإنجاز . 

       و بنقل النقاش لناحية التعليم الخاص الذي هو أيضا يعاني من مشكلات تكاد تعصف به ، فهو واقع تحت ضغط المتغيرات الاقتصادية المتسارعة و يحاول جاهدا سد الثغرات التي خلقها التضخم المتزايد يوما بعد يوم بحكم وجود المدارس الخاصة كمشاريع اقتصادية في المقام الأول فهي ليست مؤسسات خيرية و ان كانت تقوم بدور الدولة بعد انسحاب الأخيرة ، فالمدارس الخاصة و بالتباين الحاد في إمكاناتها المادية من اعلى مستوياتها كمؤسسات ضخمة تمتلك عقارات و اساطيل نقل الى ادنى مستوياتها كمنازل مستأجرة داخل الحارات ،جميعها تئن تحت وطأة التضخم الاقتصادي حيث لا تستطيع زيادة رسومها الدراسية لتقابل الزيادة في المنصرفات بنفس المعدل . ناهيك عن المتغير الجديد المتمثل في زيادة أجور معلمي الحكومة بنسبة لا تقل عن 500% ، هذه النسبة في الفصل الأول من الميزانية تمثل تحدي حقيقي للمدراس الخاصة فليس لها خيار آخر سوى رفع أجور معلميها و مهما فعلت فلن تستطيع مجاراة النسبة الحكومية و قد نشهد الهجرة العكسية للمعلمين ، هذا او الاستعانة بكوادر غير متمرسة في مجال التعليم مما يؤدي الى فقدان الفعالية التي كانت تتميز بها عن المدارس الحكومية لنشهد أيضا الهجرة العكسية للطلاب . 

      فالواقع يقول اننا نحتاج بشده للتعليم الخاص على المدى القصير وذلك حتى تتمكن الحكومة من انشاء المدارس الحكومية الكافية للطلاب و إعادة تأهيل المدارس الموجودة بالتزامن مع عمليات  تطوير الأداء الإداري و التعليمي .

      كما اشير الى ان أي محاولة لإضعاف التعليم الخاص من خلال زيادة المتغيرات التي تدفع باتجاه تحجيم دوره عبر أي قرارات او تشريعات ستؤدي الى ضياع اهم مؤشر على تقدم التعليم الحكومي ، ففي اللحظة التي يتجه فيها الطلاب نحو التعليم الحكومي لأنه الأفضل – و ليس لان التعليم الخاص صار سيئا – نكون حققنا الرضى النسبي لمتلقي الخدمة . فالتعليم الحكومي اشبه بالشخص الموجود داخل حفرة عميقة اسفل بناية شاهقة و يتطلع  للصعود لقمة البناية الشاهقة ، فلابد أولا ان يصعد لسطح الأرض ثم يحدد وسيلة الصعود للبناية عبر المصعد او السلم . فنظامنا التعليمي الحالي خارج منطقة متطلبات و معايير الجودة المعروفة ، لذلك فهو يحتاج الى مؤشرات داخلية ليقيس عليه تقدمه و إضعاف أحد أهم   المؤشرات يعتبر تضليلا لقياس التقدم . كما أدعو الجهات التي تمثل التعليم الخاص للانتظام في ورش عمل لابتداع طرق جديدة لمجابهة التحديات  و رفع كفاءة أداء مدارسهم للمساهمة في تعزيز التنافسية  وصولا لنظام تعليمي نوعي متطور يحقق اهداف التنمية ، بالإضافة الى خلق شراكة مجتمعية ذكية تجعل من التعليم الخاص عضوا فاعلا في تنمية المجتمع و ليس غولا” رأسماليا” جديدا .  

عبدالمنعم عبدالسلام أحمد فضيل – معلم 
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. يجب ان يكون التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي مجانى وخلال العام المنصرم وفورا يتم تصفيه التعليم الخاص 90% من مصروفات لصاحب المدرسه 10% تصرف علي المعلم +التلميذ ” ولو الحكومه تستنفر اولياء امور التلاميذ بجعل صندوق دعم صندوف الانتفال ” جاهزين 100% ” ياستاذ الترحيل ارهق التلاميذ ” الكيزان كان عايزين يرهقوا الناس ويدمروهم وراء الضرف علي التعليم , الصحه , الامن يل كل الشئ حتى اصبح جل الموظفين جام منتظرين خدمه الشعب لهم

  2. شكرا للأستاذ عبد المنعم

    إذا رجعنا إلي تأريخ ظهور التعليم الخاص نجد أن نواته كانت مشروع إفقار التعليم الحكومي وجعله منفراً وبالتالي يبرز التعليم الخاص كحل للمواطن وهذا سلوك أساسه إبتزازي ، وبالرغم من أن هذه الممارسة من قبل النظام البائد إستفاد منها قطاع كبير من المعلمين بتحسين وضعهم المعيشي إلا أنها خلفت شعور بالغبن تجاه التعليم الخاص من قبل المواطن. إذن لا يمكننا تجاهل منشأ فكرة التعليم الخاص في السودان ، فهي فكرة لم يكن منشأها إنساني علي الإطلاق ، ولم تكن مبادرة من قبل المعلمين لترقية المجتمع ، إنما كانت صورة من صور إبتزاز المواطن المسكين وإجباره علي تعليم أبناءه بإرسالهم إلي المدارس الخاصة.

    الآن ولتصحيح المسار يجب الرجوع لنقطة البداية وهي إلغاء مشروع إفقار البيئة المدرسية الحكومية والرقي بها إلي مصاف العالمية والإهتمام بالمعلم تأهيلاً وإعطاءه الراتب المجزي وترك التعليم الخاص وشأنه لينافس التعليم الحكومي فالمنافسة الشريفة تبرز الإبداع والأفكار الجديدة….أكرر شكري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..