السودان: هل تنجح المبادرات المطروحة في حل تعقيدات المشهد؟

الخرطوم ــ ميعاد مبارك
في وقت حرك تلويح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك باستقالته، ساكن الوساطات الدولية والإقليمية والمبادرات الوطنية، التي قالت إنها تسعى لحل الأزمة المتفاقمة في السودان، منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/اكتوبر الماضي.
بالتزامن، زاد قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات الرافضة لاستيلاء العسكريين على السلطة، حيث قتل أربعة أشخاص واصيب العشرات في تظاهرة الخميس الماضي، ليرتفع عدد القتلى منذ بداية الانقلاب إلى 52 حسب لجنة أطباء السودان المركزية.
وقامت الأجهزة الأمنية التي استخدمت العنف المفرط، الخميس بحصار واقتحام المستشفيات ومقار المؤسسات الإعلامية والمنازل، بينما اعتقلت المئات من المتظاهرين والناشطين في لجان المقاومة.
وشهدت انتهاكات الأجهزة الأمنية للتظاهرات، انخفاضا نسبيا بعد عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه، قبل أن تتصاعد مرة أخرى وتوقيعه إعلان سياسي مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ولكن سرعان ما عادت الأجهزة الأمنية لاستخدام العنف المفرط ضد التظاهرات والناشطين السياسيين ولجان المقاومة، ابتداء من تظاهرة 19 كانون الأول/ديسمبر التي تزامنت مع ذكرى الثورة السودانية الثالثة.
وفي الأثناء تلقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك اتصالات دولية وإقليمية، طالبته بالتخلي عن تقديم استقالته والمضي في تشكيل حكومته الجديدة.
وحسب تقارير صحافية، تلقى حمدوك اتصالاً من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والمبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، بالإضافة إلى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.
وحسب إعلام المجلس السيادي، تلقى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان اتصالات عديدة أيضا من وزير الخارجية السعودي ورئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان فولكر بيرتس والأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط ناقشت الأوضاع في السودان.
وفي وقت قالت تقارير صحافية ان المملكة العربية السعودية تعتزم التوسط بين أطراف الأزمة في السودان، أعلن حزب الأمة القومي-أكبر الأحزاب السودانية- عن خريطة طريق ومبادرة للعودة إلى الانتقال الديمقراطي.
وفي السياق، التقى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بمقر إقامته الأسبوع الماضي، وفدا من حزب الأمة القومي بقيادة رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر.
وقال إعلام مجلس الوزراء إن اللقاء جاء فى إطار محاولات الحزب البحث عن حلول للأزمة السياسية الراهنة والتي ابتدأها مع شركائه من القوى السياسية، وان رئيس الوزراء سيواصل لقاءاته مع بقية القوى السياسية والمدنية والشبابية الثورية.
التحول الديمقراطي
والتقى وفد الأمة، الأربعاء الماضي البرهان، بدعوة من الأخير، وحسب تعميم صحافي للحزب، اتسم اللقاء بالمصداقية والشفافية وناقش القضايا الوطنية والتعقيدات الراهنة وصولا لتحقيق التحول الديمقراطي والحكم المدني .
وقدم رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة نسخة من خريطة الطريق التي أعدها الأمة لاستعادة الشرعية واستكمال المرحلة الانتقالية، حسب البيان الذي أكد طرح الخريطة لكافة قوى الحراك الثوري للتحاور والتوافق حولها .
وأكد رئيس حزب الأمة القومي حرص الحزب على تحقيق التوافق الوطني بين كافة قوى التغيير بدون إقصاء أو عزل لأحد، وسعيه لجمع الصف الوطني في مائدة مستديرة تضم كل القوى السياسية والمجتمعية ولجان المقاومة للاتفاق حول رؤية موحدة لاستئناف الشرعية وإكمال مهام المرحلة الانتقالية.
يلي ذلك لقاء آخر مع رئيس الوزراء للاتفاق حول مضامين هذه الرؤية والعمل معا لاتفاق كافة الشركاء المرحلة الانتقالية في تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود، حسب رئيس حزب الأمة.
خريطة الطريق
واعتبرت خريطة الطريق انقلاب الجيش، إجراء مرفوضا من حيث المبدأً، والاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك غير صالح للبناء عليه لجهة أنه اتفاق ثنائي بني على بيان الانقلاب، وانه شمولي الصبغة، حول النظام البرلماني الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية إلى رئاسي.
وأشارت أيضا للرفض الشعبي الواسع للانقلاب والاتفاق بين قائد الجيش ورئيس الوزراء مؤكدة على ضرورة الاتفاق على خريطة طريق للخروج من حالة الشمولية واللا شرعية الحالية، نحو التوافق الوطني لاستعادة الشرعية واستئناف عملية الانتقال السلمي.
ونصت الخريطة على ضرورة العودة إلى الوثيقة الدستورية وتطويرها لدستور انتقالي وضرورة تحويل الحركات المسلحة للعمل المدني، وإقامة مؤتمر الحكم والإدارة واكمال هياكل السلطة الانتقالية والمفوضيات.
وأكدت على ضرورة حدوث تراض جديد على تكوين مجلسي السيادة والوزراء وشاغليهم وفق متطلبات الوثيقة الدستورية، واختيار رئاسة مدنية لمجلس السيادة بحسب الاستحقاق الدستوري الذي آن أوانه، بالإضافة إلى إصلاح الأجهزة العدلية والقانونية وإلغاء القوانين السابقة التي قننت الشمولية أو تعديلها بما يتوافق والنظام المدني الديمقراطي بدون تأخير.
وشددت على ضرورة تلافي الآثار السلبية للانقلاب في المجال الدولي، والالتزام بعدم المحورية، وبناء علاقات استراتيجية قوية مع الدول الداعمة للديمقراطية والسلام ودول الجوار، ومراجعة الاتفاقيات العسكرية التي أبرمها النظام السابق التي تهدد سيادة البلاد.
وفي السياق، قال الصحافي والمحلل السياسي ماجد محمد علي لـ«القدس العربي» إن ارتفاع مستوى العنف في مواجهة التظاهرات، بالتزامن مع المبادرات المطروحة، يشير لوجود أطراف تريد ان تقود المشهد لمزيد من التأزم والاحتقان بما يحقق لها أهدافها خاصة وان الانتهاكات في تظاهرة الخميس استهدفت مقار وسائل إعلام ومرافق صحية وخدمات الإسعاف فضلا عن اقتحام المنازل.
ويرى علي ان تلك الأطراف تريد جر البلاد إلى المزيد من والاحتقان لإجهاض المبادرات وإغلاق الطريق أمام أي تفاهمات لحل الأزمة.
ولفت إلى استمرار التصعيد الشعبي الرافض للشراكة والتفاوض ومنح الشرعية لقادة الانقلاب، رغم الإجراءات المشددة ومحاولة الأجهزة الأمنية إثارة الذعر وقمع التظاهرات.
ورغم محاولات الارتداد لوضع الدولة الشمولية، يرى علي ان زيادة تأزم الوضع قد يدفع الأطراف للتوصل لحلول حال تحليهم بالإرادة اللازمة، وأيضا قد يزيد من الضغوط الدولية في الصدد.
تنازل متبادل
من جانبه يرى الصحافي والمحلل السياسي عبد الله رزق الذي تحدث لـ«القدس العربي»: ان أزمة الانقلاب، والتي يعبر عنها حالة التوتر في العلاقة بين طرفي اتفاق 21 نوفمبر- حمدوك والبرهان، ما زالت تراوح مكانها، لتفسح المجال أمام مساعي الوسطاء، التي كان آخرها ما تردد عن وساطة سعودية، إثر اتصال لوزير الخارجية السعودي بكل من قائد الجيش ورئيس الوزراء، والذي سبقه، أيضا، اتصال من الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، والمبعوث الأمريكي، جيفري فيلتمان.
ويرى رزق ان اكتفاء حمدوك، طوال ما يقرب من أسبوع بالتلويح باستقالته، أو بنيته في الاستقالة، مقصود به، الضغط علي البرهان، من جهة، وحث الوسطاء المحتملين للتدخل بين الطرفين، مشيرا إلى ان ما سبق قد يكون سبب امتناع حمدوك، الذي لم يفكر في الاستنجاد بالشارع، عن كشف أسباب اعتزامه الاستقالة.
ورجح ان يكون تلويح حمدوك بالإستقالة بسبب خلاف مع البرهان حول تنفيذ اتفاقهما المشترك.
واشار إلى أن طلب البرهان لقاء وفد حزب الأمة بعد إعلان الأخير عن مبادرة لتفكيك الأزمة، يعبر عن رغبة، مماثلة، في الاستعداد للتوافق على تسوية بين طرفي الخلاف. وتوقع انفراجا محدودا بعد دخول أطراف إقليمية ودولية، على خط الأزمة، بتنازل متبادل من الطرفين، لافتا إلى ان عدم لجوء الولايات المتحدة لفرض عقوبات، أيا كانت، يعني أنها تفضل أسلوب الضغط على البرهان، حتى الآن، للاستجابة لشروط استعادة مسار الشرعية والانتقال الديمقراطي بقيادة مدنية، وفق المواقف المعلنة لواشنطن وشركائها.
بالمقابل، يرى رزق ان تخفيف حدة الأزمة بين طرفي اتفاق 21 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي ترفضه قوى الثورة، وفي مقدمتها تحالف قوى الحرية والتغيير، والقوى الثورية خارجه، بجانب لجان المقاومة، لا يعني شيئا بالنسبة، للأزمة العامة التي دخلتها البلاد، إثر انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر.
ولفت إلى أن الصراع بين الانقلاب والقوي التي ترفضه، وتسعى لإسقاطه، يشكل التيار الرئيسي الذي يعمل بقوة على إعادة تشكيل الواقع السوداني، بطريقة ثورية، في وقت تنشط تيارات إصلاحية، مدعومة من الخارج، لتحسين صورة الانقلاب، وتسويقه وسط القوى السياسية، انطلاقا من دعم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، كرأس رمح في عكس الانقلاب والعودة إلى ماقبل 25 تشرين الأول/أكتوبر.
ويرى رزق أن تلك المساعي تعتمد كليا على استعداد قادة الانقلاب، لتقديم تنازلات من جهة، وتلبية مطلوباتهم أو اشتراطاتهم، من قبل الطرف الآخر، من جهة ثانية.
جدار مسدود
وحسب المحلل السياسي انور سليمان أوصلت قرارات وإجراءات قائد الجيش المشهد إلى جدار مسدود، لم يفلح الإعلان السياسي بين البرهان و حمدوك على إحداث اختراق فيه.
ويعتقد سليمان ان التعويل على التحركات الدولية والإقليمية غير مجد، مشيرا إلى أن المبادرات الدولية كانت على أشدها قبل الانسداد من قبل مبعوث الولايات المتحدة للقرن الأفريقي الذي كان في الخرطوم حتى الساعات الأخيرة التي سبقت الانقلاب، وغيرها من المبادرات.
وشدد على ان التحركات الإقليمية هي التي كانت خلف الانسداد بالأساس لذا لا يعول عليها اطلاقاً.
وأشار سليمان إلى أن الأزمة بلغت مرحلة فارقة ولن تنجلي إلا بتنحي البرهان الذي استنفد فرصه وحظوظه كلها خلال سنتين وأصبح عقبة في وجه الانتقال الديمقراطي، لافتا إلى ان أي مبادرة تحاول ايجاد مخرج يستوعب قائد الجيش محكوم عليها بالفشل مسبقاً بما في ذلك مبادرات حزب الأمة والتي كانت فاعلة منذ اعلان 21 تشرين الثاني/نوفمبر.
ويرى سليمان أن اتفاق البرهان-حمدوك فشل لأن البرهان لم يكن مستعداً لتقديم تنازلات جدية عن خطوة الانقلاب والاستجابة لمطالب الشارع وقوى الثورة واختار التحالف والانحياز للمعسكر المضاد الذي مثلته القوى التي دعمت الانقلاب.
وأشار إلى رفع الحركات المسلحة التي دعمت الانقلاب، بمطالب متناقضة كحكومة الكفاءات بينما ترفض ان ينطبق شرط الكفاءات على قياداتها ووزرائها الذين ما زالوا يزاولون مهامهم حتى الآن.
وبين، أن القصد من كل ذلك الالتفاف على مطالب التغيير والانحراف باتجاه مسار يؤمن الطريق لاستمرار أوضاع ما قبل الثورة بما في ذلك إقصاء قوى معارضة أساسية ومهمة وتقويض جهود الانتقال الديمقراطي الذي يهدد مصالح مجموعات لا تريد بناء دولة قانون ومحاسبة وشفافية.
من جانبه، يرى المحلل السياسي حاج حمد ان كافة الفاعلين يتوقفون في حدود التنظير، مشيرا إلى تعدد المواثيق المطروحة وخرائط طريق التي تعيد وتقتطف من الوثيقة الدستورية الموجودة أصلا. «لا العسكر يضطلعون بمسؤولية الأمن وإصلاح القطاع الأمني ولا المدنيين يقتربون من الوحدة المواضيعية، وليس للشارع سوى وسيلة واحدة وهي الاحتجاج السلمي» حسب حمد والذي قال لـ«القدس العربي» إن الغائب الحاضر عن المشهد هي القوى الخارجية التي ساعدت في ولادة التوافق الهش بين المدنيين والعسكريين والتي تخلت أو ترددت في رعايته وصولا لانجاز مهام الانتقال.
وحسب حمد لن تراوح الأزمة في السودان مكانها إلا إذا عادت القوى الخارجيه خاصة الترويكا-الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والنرويج- لفرض التهدئة.
ولفت إلى وجود لاعب آخر- إسرائيل- يرغب في اعتماده في المشهد، رغم تخفيه تحت ظل الترويكا، مشيرا إلى انه يرغب في الظهور ولكن مناصريه لا يجيدون اللعب القانوني.