المؤسسية .. كلمة السر الضائعة

عادل إبراهيم حمد

تتعدد أسباب ضعف الأداء السياسي في السودان, لكن لا خلاف على أن غياب المؤسسية من أسباب التردي إن لم يكن السبب الأكبر. قفز عامل غياب المؤسسية إلى واجهة الأحداث بعد أن قوبل مقترح ياسر عرمان بمنح جنوب كردفان والنيل الأزرق حكماً ذاتياً بالرفض من قبل عبدالواحد محمد نور, وبالفتور كما عبرت جل القوى المعارضة. كان مبعث الدهشة أن المعارضة تفاجأت بمقترح بهذه الخطورة مثلها مثل أي وكالة أنباء, وكأن صاحب الاقتراح ليس حليفاً أصيلاً ضمن منظومة المعارضة. يفترض بداهة أن هذه المسائل تناقش بتأن قبل أن يتوصل الحلفاء لحد أدنى من الاتفاق يجعل كل مقترح مستنداً إلى أساس قوي من التوافق. وسبق أن مرت المعارضة في تاريخ قريب بتجربة مماثلة يوم أن هاجم فاروق أبوعيسى الأمين العام لتحالف قوى الإجماع الوطني إعلان باريس الموقع عليه من المعارض البارز الصادق المهدي ومالك عقار رئيس الجبهة الثورية.

قدم ياسر عرمان مقترح منح جنوب كردفان والنيل الأزرق حكماً ذاتياً, فمسّ منطقة عالية الحساسية عند كل السودانيين خاصة بعد انفصال الجنوب, وأصبح كل ما يوحي بالانفصال يجلب معه زوابع سياسية؛ لذا كان غريباً دفع قطاع الشمال بهذا المقترح قبل أن يتم التوافق عليه في الدوائر الداخلية لتنظيمات المعارضة المتحالفة، هذا العمل غير المؤسسي تقابله في المنطقتين أعمال مشابهة, ويحضرني تصريح سابق للدكتور آدم بابكر نائب والي ولاية النيل الأزرق يقول فيه: إن حكومة ولايته ترفض رفضاً قاطعاً أي اتجاه للحوار مع الحركة الشعبية قطاع الشمال, باعتبار أن الحركة لها أجندة خاصة لا علاقة لها بقضايا الولاية. هذا موقف مقبول لو كان التفاوض مع قطاع الشمال شأناً ولائياً يعني النيل الأزرق وحدها, لكن القاصي والداني يعلم أن موضوع الولاية قد خرج حتى عن الإطار الوطني ليرد اسم الولاية واسم القطاع في قرارات دولية. وعليه يصبح من بواعث الشفقة ورود هذا الرفض القاطع من مستوى ولائي. وعلى ذكر التداخل المربك بين مستويات الحكم من محلي وولائي واتحادي أذكر ما قام به من قبل المجلس التشريعي لولاية كسلا حين نشر إعلاناً مدفوع القيمة جاء فيه أن المجلس قد استعرض في جلسته رقم (12) في دورة انعقاده الثالثة مشروع قانون سلام السودان الذي تولت صياغته مجموعة داخل الكونجرس الأميركي. وبعد مداولات الأعضاء التي أجمعت على الشجب والاستنكار لمشروع القرار وإعلان الجاهزية لمواجهته, أجمع المجلس على اقتراح رئيسه بتكوين لجنة لصياغة بيان باسم مجلس الولاية في هذا الأمر.

وأشير أيضاً إلى الحركة الإسلامية السودانية التي لا تملك وضعاً قانونياً واضحاً وفق قانون تنظيم الأحزاب, فقد خاضت هي الأخرى في عدم الالتزام بالمؤسسية حين دعت لمؤتمرها العام شخصيات لا تجرؤ الخارجية السودانية ذاتها على دعوتها لظرف خاص يعلمه أهل الشأن؛ لكن يبدو أن الحركة الإسلامية التي وجد مؤتمرها من الرعاية الخاصة ما لم ولن يجده حزب مسجل كامل الشرعية, يبدو أنها تستفيد من إرضاء المؤتمر الوطني لها و(عطفه) عليها بعد أن كشفت كل الشواهد أن حزب المؤتمر الوطني قد تجاوز الحركة الإسلامية التي أصبحت مرحلة تاريخية في حسابات الحزب الحاكم.

وتأبى مؤسسات خارجية إلا الخوض في فوضى الخلط المؤسسي فيما يعني الشأن السوداني, فقد قال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في أعقاب الاعتداء على مصنع اليرموك في العاصمة السودانية إن حماس ستثأر للسودان من إسرائيل رداً على عدوانها. وكان النائب الأول لرئيس الجمهورية قد أعلن عن استعداد السودان للرد على إسرائيل ولو على المدى البعيد, ويكون بذلك قد حدد استراتيجية السودان في التعامل مع إسرائيل بالطريقة التي تناسب إمكانات السودان. وعليه لا يكون مناسباً أن يزج القيادي الحمساوى باسم السودان في عملية ثأرية تقوم بها حماس؛ لأن ذلك سوف يربك حتماً حسابات السودان وخطته الخاصة. ولن يكون لحماس مهما كانت خصوصية علاقتها مع السودان الحق في أن تنوب عنه في قرار سيادي. المؤسسية هي كلمة السر التي يمكن أن تكون المدخل لإعادة ترتيب البيت السوداني.

? [email][email protected][/email] العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..