الخلافة بالسيف أخطر شرعية في التاريخ الإسلامي

البغدادي هو مأساة الإحباط السني الطويل الذي لم ينته بهزائم جمال عبدالناصر وصدام حسين.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: أسعد البصري

ليس عندنا ما نفخر به في حاضرنا، لهذا نحمل ثقافتنا من هزيمة إلى هزيمة، لا انتصارات علمية ولا سياسية ولا اقتصادية ولا عسكرية، وزادت قضية إسرائيل وهزيمة أمة بهذا الوزن والحجم أمام دويلة صغيرة ومتغطرسة من اغترابنا عن الحاضر.

حتى المغتربون المسلمون الذين هاجروا نحو الغرب فشلت كل محاولاتهم الذوبان في الثقافة الغربية، واتضح كما لو أن الغرب كان يعاملهم بريبة ماكرة. مساجدهم تعج بالفقراء، وعوائلهم تتفسخ أمام صدمات الحضارة الجديدة وقوانينها، كما لو أن الغرب يساعدهم في الوقت الذي تنمو فيه الرغبة في اقتلاعهم واستعبادهم. وإذا كان آباء المهاجرين المسلمين خانعين، وممتنين لهذه الضيافة، ومتهربين من الضرائب فإن أبناءهم نشؤوا بنقمة الإعلان الصريح عن هويتهم، والبعض الآخر نشأ في كراهية الذات وضاع في سوق المخدرات والدعارة.

في جو حضاري كئيب كهذا وفقدان الإحترام لاشك فإن المسلم يعود إلى التاريخ ليبحث عن نفسه وكرامته، يصبح الدين هو التاريخ والعزاء في جو من الإحتقار والهزيمة يصبح “الله أكبر” هو الجواب الشافي، فالله يحبنا ويفضلنا على جميع الأمم رغم فشلنا التاريخي.

إن شعوبا بماض عريق كالصين واليابان اجتازت الماضي وسؤال الهوية بسبب حسن الطالع والنجاحات الإقتصادية والسياسية والعلمية التي حققتها. لسوء حظنا فإن الولايات المتحدة لا تشجعنا على تجاوز حقدنا، بل لا تكف أجهزة مخابراتها وطائراتها عن تذكيرنا بعجزنا كحضارة وكثقافة.

قبل 35 سنة من صعود جمال عبدالناصر، وقبل 60 سنة من صعود صدام حسين كان العرب قد انجذبوا إلى شخصية أسطورية وهو الأمير الهاشمي فيصل الأول ذلك الذي كان لورانس العرب مستشاره والذي حلم بإقامة مملكة عربية كبرى. ساعد فيصل الغرب في حربه على العثمانيين بدوافع قومية، ولم تكن عنده نوايا معادية لليهود.

ففي أثناء وجود الملك فيصل الأول في باريس التقى حاييم وايزمان، بطل اليهود القومي ومؤسس الصهيونية الذي صار أول رئيس لدولة إسرائيل، وقد وقع الرجلان بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير 1919 وثيقة مشتركة تشيد بروابط الدم وبالعلاقات التاريخية الوثيقة بين شعبيهما، وتنص الوثيقة على تعهد عربي في حال تحقق حلم العرب بمملكة كبيرة مستقلة فإنها ستشجع إقامة اليهود في فلسطين.

بالرغم من ذلك فقد تعامل الغرب باحتقار مع فيصل وقد طردته فرنسا من عرشه في دمشق، فأشفقت عليه بريطانيا ومنحته عرش العراق، بعد أن فقد الرجل بريقه وعاش مهزوما منكسرا حتى مات ببغداد قبل خمسة عشر عاما من قيام دولة إسرائيل.

فهم الإيرانيون – من جهتهم – الدرس من هزيمة وطنية واحدة، فمنذ عام 1953 تمت الإطاحة برئيس الحكومة محمد مصدق، وهو حقوقي متخرج من سويسرا. لم يطالب محمد مصدق حينها بأكثر من نصف قيمة البترول الإيراني لكن الشركة الأنگلو – إيرانية رفضت، وأصرت على منح الشعب الإيراني نسبة ضئيلة من ثرواته. وعندما حصل مصدق على موافقة البرلمان الإيراني على التأميم قامت الدول المتكبرة بعملية مخزية في تاريخ الإنسانية، إذ أنها منعت شراء البترول الإيراني وجاع الشعب، ثم قامت المخابرات الأجنبية بإعادة الشاه، وتركيع المسكين محمد مصدق الذي زُج بالسجن لثلاث سنوات، ثم عاش تحت الإقامة الجبرية حتى مات.

تلك المأساة دفعت الشعب الإيراني بعد عشرين سنة من وفاة محمد مصدق إلى القيام بثورة دينية إرهابية وخلع الشاه وتنصيب الخميني المتطرف.

العالم لم يحترم رئيس حكومة إيراني منتخب ومتخرج من سويسرا، بل احترم الخميني الذي خطف الرهائن وأذل كارتر ويسعى نظامه اليوم للقنبلة النووية، وربما سيحترم العالم أمثال البغدادي الإرهابي المتطرف الذي هجر المسيحيين، أكثر من العلماني صدام حسين الذي كان يحكم باسم المسيحي ميشيل عفلق.

في وجدان كل عربي اليوم بطل عاثر، ورغبة انتقام من جميع مَن داسوا كرامته. أبو بكر البغدادي الحائز على دكتوراه في الدين، والمولود بعد عام واحد من وفاة جمال عبدالناصر، جمع كل هذا الإخفاق والدم الذي يجري في بغداد ودمشق أهم المراكز الإسلامية في التاريخ حيث الخلافة الأموية والعباسية.

هكذا في ظلام العزلة والسجون فجر هذا الرجل فكرة الخلافة بالحرب، وهي تختلف عن فكرة الإخوان بالخلافة في الدعوة والديمقراطية. الخلافة بالسيف لأن السنة ليست عندهم مرجعية كبابا الفاتيكان والشيعة، هذا الرجل يكشف النقاب عن اخطر الشرعيات عنفا في التاريخ الإسلامي وهي “الخلافة بالسيف”.

فمن وجهة نظر هذا الإرهابي أن السنة ليس عندهم حوزة كالشيعة، ولا فاتيكان كالكاثوليك. السنة أمة تتحد بالسيف، قبائل محاربة تحتاج دائماً إلى رجل مثل أبي بكر وابن سعود يغلبها بالسيف، ثم يغلب بها بالسيف أيضا. يشن عليها حروب الردة أولا ثم يخوض بها الفتوحات.

البغدادي هو مأساة الإحباط السني الطويل الذي لم ينته بهزائم جمال عبدالناصر وصدام حسين أمام جبروت أميركا وإسرائيل، بل وصل الأمر في النهاية إلى مطالبة السنة بالصبر على ذبح الصفويين لهم بمساعدة إيران. وصاروا ينادون السنة “أقلية” في العراق ويطردونهم من عاصمة الرشيد. كل هذا أدى إلى صعود التطرف الديني وفكرة الخلافة بالسيف.

الشيخ العدناني خطيب الدولة الإسلامية المتطرف، يعرف كيف يهيج جرح هذه الأمة بتكراره للآية “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كُنْتُمْ مؤمنين”.

هذه المأساة هي تراكمات لإحباط طويل في المنطقة، ثم أن الغرب في علاقته بثقافتنا مارس أبشع حالات الغطرسة، مجندة أميركية في سجن أبو غريب تحمل سيگارة بيد، وحبلا مربوطا إلى رقبة عراقي عاري يزحف على أربع كالكلب، وفي الأزمة الأخيرة تستضيف الـ CNN شقراوات، لم يتخلصن من رائحة الليلة الماضية ليعطين رأيهن بالإسلام والعراق والبغدادي. هذا طقس سوداوي لا يبشر بخير وخطر يهدد العالم بأسره.

لم يظهر في التاريخ كله هذا العدد الكبير من الشباب المستعدين للإنتحار، فحتى حركة الحشاشين الإرهابية التي ظهرت في إيران مطلع القرن الحادي عشر لم تكن بهذا الحجم، ولم يكونوا قادرين على قتل أنفسهم بل يسلمون أنفسهم أحياء في معظم الأحيان. كذلك وجود عدد كبير من الشباب الأثرياء في هذه المنظمات يجعلنا تشك بأن يكون السبب هو عضة الجوع والحقد الطبقي.

إنه شعور أمة بالهوان والتفاهة كونهم خاسرين ومنبوذين لذا فإنهم يحلمون دوما بتخريب هذا العيد الحضاري الغربي لأنهم غير مدعوين إليه.

أسعد البصري

تعليق واحد

  1. والله كلام في محلوو ،لاول مرة منذ زمن اقرأ مقال رصين بعيد عن اي شئ ،
    ولكن نسي الكاتب شئ مهم وهو دايما العرب يبحثون عن الشماعة لقعوودهم هذا ،
    الشئ الثاني اثر القبيلة والغنيمة كما قال احمد امين في كتابه صدر الاسلام ،فالعربي لا يعمل ولا يحب العمل ويحب ان ياكل من مجد اسلافه. ولذا علي العرب والعربي بحث العلة في انفسهم بدل تعليقها علي الدوام في امريكا وإسرائيل.
    متي اقتنع العرب انهم بشر مثل غيرهم من الناس واكلوو من عمل ابديهم وتخلو عن الفهم السلفي للدين سواء شيعاهم وسنتهم.
    وبعدين التفريق بين الدول وسباساتها والسعووب تلمسكينة الماجايبة خبر ، فهناك مثلا تجمع جديد في الغهم السياسي والاقتصادي عالمي تكون بعد سقوط الشيوعية اسمه النيو لبرال وقوول بالعربي الراسمالية الطفيلية الطفيلية المتوحشة
    وهي تجمع لعتاة الاثريا في العالم علي راسهم اليهوود وفيهم الخواجات وهؤلاء مصلحتهم تدمير الدول واخذ مقدراتها ببلاش ويتنافسو في العطاات لبناء ااذي دمرووه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..