مقالات وآراء

حول أكاذيب جبريل وعصبته عن ديون السودان

 

الهادي هبَّاني

فشل جبريل إبراهيم كقائد حركة مسلحة في جعل المقاومة المسلحة آلية ناجحة لهزيمة الأنظمة الديكتاتورية وإسقاطها. وسقط البشير بالنضال الجماهيري السلمي بمختلف أدواته المجربة. ووجوده هو وحركته بالخرطوم، ووجوده كوزير للمالية في الفترة الانتقالية هو نتاج لنضال الشعب الأعزل، قبل أن يغتصب نفس المركز ويتغول عليه دون وجه حق بالانقلاب والتآمر على الثورة ووضع اليد بعد انقلاب 25 أكتوبر2021م. وقد فشل أيضًا خلال الفترة الانتقالية، وظل فاشلًا خلال الفترة بعد الانقلاب وحتى اليوم بعد أن أصبح يتصرف في مال الشعب وكأنه ملك خاص للانقلابيين وللحركات الموقعة على اتفاق جوبا المشئوم. وقبل كل ذلك فقد فشل في أن يكون صادقًا في قوله. فقد نفت وزارة المالية تراجع مجموعة نادي باريس عن اتفاقها مع الحكومة في يوليو 2021م على إعفاء ديون السودان قائلة، إن مجموعة دول نادي باريس وافقت على تمديد توقيع الاتفاقيات الثنائية مع السودان حتى أبريل 2023م بناءً على مخاطبة السودان، سكرتارية مجموعة نادي باريس في أبريل الماضي، وأشارت إلى أن السودان لم يتلق أي إفادة مكتوبة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تشير إلى إلغاء أو تجميد الاتفاقيات. ويقدم جبريل إلى هذا النفي في الوقت الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة يجوبها الفرد طولًا وعرضًا، شمالًا وجنوبًا ويغوص في أعماقها ويطلع على كل تفاصيلها في شاشة الهاتف المحمول على يده في لحظات معدودة، وسرعان ما يكتشف أن هذا النفي يأتي ضمن سلسلة الأكاذيب التي ظل يرددها جبريل منذ فجر الانقلاب الغاشم. وفيما يلي نبين الحقائق أعلى أرض الواقع حتى الآن في هذا الصدد، وهي ليست أسرارًا نمتلكها ولا وحيًا يتنزل علينا من السماء، أو معلومات خاصة نحصل عليها من مصادر سرية، وإنما هي معلومات عامة متاحة لأي إنسان ولا تكلف الباحث غير نصف ساعة أو أقل لزيارة صفحة السودان بالموقع الرسمي لنادي باريس بالإنترنت على الرابط.
https://clubdeparis.org/en/traitements/sudan-15-07-2021/en
والاطلاع على كل صغيرة وكبيرة عن موضوع ديون نادي باريس على السودان وعلى كل التطورات المتعلقة به بالتفصيل الممل وبالتسلسل التاريخي. ولن يجد من بينها ما جاء في تصريح ونفي السيد جبريل وطاقمه. وفيما يلي نبين الحقائق التالية حسب أخر التحديثات علي الصفحة المشار إليها:
أولًا: لا يوجد أي خبر عن موافقة نادي باريس على تمديد توقيع الاتفاقيات الثنائية مع السودان حتى أبريل 2023م بناءً على مخاطبة السودان سكرتارية مجموعة نادي باريس في أبريل الماضي. وأخر خبر عن ديون السودان منشور يتعلق بالتعامل مع ديون السودان بتاريخ 15 يوليو 2021م وليس من بينها أي خبر عن تمديد توقيع الاتفاقيات الثنائية.
ثانيًا: ليست هنالك أصلًا أي اتفاقيات ثنائية موقعة أو سيتم توقيعها بين السودان ونادي باريس بشأن إعفاء الديون حتى يتم تمديدها. وكل ما هنالك هو المحضر الخاص بالاجتماع الذي تم بين السودان ونادي باريس بتاريخ 15 يوليو 2021م الذي ترأس فيه وفد السودان جبريل إبراهيم بصفته وزير المالية، وترأس وفد نادي باريس السيد إيمانويل مولين رئيس نادي باريس ومدير عام الخزانة في وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية. ودول أعضاء نادي باريس المشاركة هي النمسا، بلجيكا، كندا، الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إيرلندا، اليابان، هولندا، النرويج، روسيا الاتحادية، إسبانيا، سويسرا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. وحضره كمراقبين ممثلين عن البرازيل، فنلندا، كوريا، صندوق النقد الدولي، المؤسسة الإنمائية الدولية، بنك التنمية الأفريقي، المفوضية الأوروبية، منظمة التعاون والتنمية، والأمانة العامة للأونكتاد. كما حضر أيضًا كمراقبين الكويت، السعودية، الإمارات، وجمهورية التشيك. وقد أعقب الاجتماع تصريح صحفي من نادي باريس بتاريخ 16 يوليو 2021م أشار فيه نادي باريس للاجتماع وللحضور وأعلن ما يلي عن ديون السودان:
1. تم تقدير ديون نادي باريس علي السودان استنادًا لرصيد المديونية كما في 31 ديسمبر 2020م ابتداءً من 1 يناير 1984م بحوالي 23.5 مليار دولار بالقيمة الاسمية، 99٪ منها متأخرات ومتأخرات فوائد الدين. وتحديدًا منها 4.3 مليار دولار متأخرات حتى 31 ديسمبر 2020م، و19.2 مليار دولار عبارة عن متأخرات فوائد الديون في نفس التاريخ.
2. تم إلغاء 14.1 مليار دولار منها 2.1 مليار دولار عبارة عن متأخرات، و11.9 مليار دولار عبارة عن متأخرات فوائد الديون. وأعيد جدولة حوالي 9.4 مليار دولار لمدة 16 عامًا ليبدأ أول قسط في 1 ديسمبر 2024م بعد فترة سماح 6 سنوات.
3. يتم إعادة النظر في معالجة المبالغ المعاد جدولتها لتخفيف الديون عندما يصل السودان إلى نقطة الإنجاز في يونيو 2024م.
ثالثًا: كما هو مذكور في (أولًا) لا يوجد خبر عن ادعاءات المالية، وكلما حدث هو صدور التقرير السنوي لنادي باريس للعام 2021م وهو يتحدث عن أنشطة وأعمال نادي باريس في العام 2021م. وقد جاء في صفحة 33 أن نادي باريس جمد القرارات المتفق عليها في اجتماع 15 يوليو 2021م ، وأوقف توقيع الاتفاقيات متعددة الأطراف بسبب انقلاب 25 أكتوبر 2021م لحين استئناف صندوق النقد والبنك الدوليين الاتفاقيات المبرمة مع السودان فيما يتعلق بالهبك. أي أن الترتيبات التي تم الاتفاق عليها مع نادي باريس في يوليو 2021م قد تم تجميدها فورًا بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، أي بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر ونصف. وبالتالي فليس هنالك أصلًا اتفاقية ثنائية يتم توقيعها وإنما اتفاقية متعددة الأطراف تم تجميد توقيعها مع تجميد الصندوق لبرنامج الهبك بعد الانقلاب مباشرة وتم وقف كل التدفقات النقدية المترتبة عنها وعن الاتفاقيات المتفرعة عنها.
رابعًا: الاتفاق الذي تم مع نادي باريس عليه ملاحظات مهمة جدًا من الضروري للجميع الالمام بها نلخصها فيما يلي:
1- أن الترتيبات التي أقرها اجتماع مجلسي صندوق النقد والبنك الدوليين في مارس 2021م في واشنطون تقوم على أساس تخفيض نادي باريس 21.3 مليار دولار من ديونه على السودان (على أساس معيار صافي القيمة الحالية)، أي حوالي 90% من مديونية نادي باريس البالغة 23.5 مليار دولار وذلك حتى يكون السودان متوافقًا مع المعيار الأساسي الذي قامت عليه مبادرة الهبك (النسخة السودانية) وهو معيار نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات والتي يجب ألا تزيد عن 150% حتى يكون السودان قادرًا على سداد أقساط الديون من حصائل صادراته أي أن ديون السودان وفقًا لاتفاقية الهبك يجب ألا تزيد عن 150% من قيمة صادراته وهذه هي النسبة المقبولة وفقًا لمعايير الهبك. ولكن على حسب الاتفاق الذي تم مع نادي باريس وتخفيض 14.1 مليار دولار من إجمالي المديونية البالغة 23.5 مليار دولار أي حوالي 60% فقط فلا يزال السودان متجاوزًا للمعيار الذي قامت عليه الهبك (النسخة السودانية) أي أن نسبة ديونه الخارجية بعد هذا التخفيض إلى قيمة صادراته تتجاوز نسبة الـ 150% بكثير وهو ما يعيق في المستقبل وصوله لنقطة الإكمال عام 2024م إذا سارت الأمور دون حدوث انقلاب 25 أكتوبر 2021م ولكن لا نجد تعبيرًا على هذا الوضع الحالي أصدق من التعبير الشائع بأن الانقلاب زاد الطين بلة.
2- إن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في محضر الاجتماع المشار إليه بين وفد السودان ونادي باريس في 15 يوليو 2021م قد قام على أساس ما يعرف (بشروط كولونيا) إشارة إلى الشروط التي اعتمدها نادي باريس في القمة المنعقدة بمدينة كولونيا الألمانية في نوفمبر 1999م والتي نصت على العديد من الشروط أهمها: أن نادي باريس يصنف ديون السودان على حسب تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (Organization for Economic Cooperation and Development “OECD”) بأنها تقع ضمن ما يعرف بقروض المساعدات الإنمائية غير الرسمية Non Official development Assistance Credits “Non–ODAC”) وبالتالي لا تستحق أسعار فائدة مخفضة ويتم احتسابها وجدولتها وفقًا لأسعار الفائدة السائدة في السوق. أي أن المبلغ الذي تم إعادة جدولته والبالغ 9.4 مليار دولار لمدة 16 عامًا تم احتساب الأقساط المترتبة عليه حسب أسعار الفائدة العالمية السائدة في السوق وهو ما لم يفصح عنه جبريل خلال فترة حمدوك وخلال الفترة الحالية. وهو أمر في تقديرنا تم إخفاؤه خوفًا من افتضاح ضعف وفشل الوفد المفاوض بقيادة جبريل في تحقيق الأهداف المحددة سلفًا للمفاوضات بإعفاء 21.3 مليار دولار أو 90% من ديون نادي باريس ولم تكن هنالك أصلًا أي أهداف أو ترتيبات أو توقعات مسبقة بوجود إعادة جدولة جزء من الديون، فما بالك جدولة مبلغ ضخم كهذا المبلغ البالغ 9.4 مليار دولار والذي قد تصل قيمته بعد إضافة الفوائد لمدة 16 سنة ما يقارب ال 14.1 مليار دولار التي تم إعفاؤها أصلًا وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.

وبالتالي فاستمرار عملية التضليل فيما يتعلق بمعالجة ديون السودان خلال فترة الحكومة الانتقالية ومن ضمنها فترة وجود جبريل بوزارة المالية الممتدة حتى الآن دون وجه حق تأتي ضمن الضجيج الإعلامي والتضخيم غير المستحق الذي انتهجته الحكومة الانتقالية وسار عليه الانقلابيون للتغطية على الفشل المبين في معالجة الديون. والنتيجة النهائية هو عودة كل شيء إلى نقطة الصفر وكأن النظام البائد قائمًا كما هو دون تغيير إلا اكتمال تحالف الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا والتي لا تختلف كثيرًا في تكوينها الطبقي وفي مصالحها وتطلعاتها عن تركيبة نظام البشير، ودعمها للانقلاب ما هو إلا دليل دامغ علي ذلك.
ولذلك لا بد من إعادة النظر بالكامل في قضية معالجة ديون السودان في المواثيق الثورية لقوى الثورة الساعية للحلول الجذرية وإعادة ترتيبها وإدارتها بالطرق المهنية والعلمية والمؤسسية والمالية والقانونية الدبلوماسية السليمة.

وفيما يلي بعض التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تساعد في معالجة هذا الملف معالجة سليمة:
1- تكوين لجنة من ذوي الاختصاص من المؤمنين بالثورة ومبادئها والمشاركين فيها ولم يتلوثوا ببيئة النظام البائد وبثقافة الفترة الانتقالية القائمة على النيوليبرالية، والخضوع للخارج لتقوم بحصر هذه الديون بكافة المستندات المتعلقة بها وتواريخها والقرارات الخاصة باعتمادها، والجهات التي استلمتها وأوجه صرفها والحسابات المصرفية التي كانت تودع فيها والاتفاقيات الخاصة بها وتصنيفها حسب الدول وحسب الأغراض وحسب جهة الاعتماد، بالإضافة إلى تصنيفها من الناحية القانونية إلى ديون مكتملة من الناحية القانونية وديون غير مكتملة وبها مخالفات… إلخ.
2- انتهاج سياسة اقتصادية تقوم على البديل الوطني وحشد الموارد الذاتية لمعالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة وتحقيق نهوض اقتصادي مستقل بهدف تقوية وضع السودان من الناحية الاقتصادية وتحسين ملفه الائتماني قبل الدخول في أية مفاوضات حول الديون الخارجية حتى لا يتم فرض شروط واملاءات مسبقة قاسية على السودان مقابل إعفاء الديون.
3- بعد تحقيق الاستقرار الاقتصادي ووضع الاقتصاد في مساره التنموي الطبيعي السليم يتم التفاوض مع الجهات الدائنة مباشرة بدون أي وسطاء أو تحت أي مظلة من مظلات الاتفاقيات الدولية المجحفة، التي تبدأ بفرض الشروط المسبقة وتمس السيادة الوطنية من خلال وفد مفاوض وطني قوي متمرس وله خبرة طويلة في هذا المجال.
4- الالتزام بسداد الديون على المبالغ المتبقية بعد التسويات في مواعيدها المحددة ووضع ذلك في الموازنة العامة وإخضاعه لرقابة مستمرة مع الحرص على سداد هذه الديون من موارد حقيقية تقوم على أساس الاعتماد على الذات وحشد الموارد الذاتية.
5- تكوين ملفات قضائية محكمة حول كل الديون غير القانونية وملاحقة الضالعين في اعتمادها وتبديدها ومحاكمتهم وملاحقة المنهوب من هذه الديون في الداخل والخارج من خلال لجنة مهنية ودبلوماسية وقانونية عليا لملاحقة كل أموال السودان المنهوبة داخل السودان وخارجه.
الميدان

‫4 تعليقات

  1. سلمت، كفيت ووفيت…
    فكي جبريل ما هو الا كويز كبر وترعرع في جوع ومعاناة، لا يفهم غير كم له في حسابه ومنصبه الكبير المهم…!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..