
ً على كل شيوعي وكل شيوعية في هذا العالَم العريض أن يكون حريصاً بما يكفي على أن تُفتح ملفات ال كي جي بي، وتستخرج منها وثيقة براءة أو صك إدانة لمُتَعَيِّن أو أشخاص بعينهم.
انضمَّ كامو للحزب الشيوعي في أربعينات القرن الماضي، ولكنَّهُ فرَّ منه بفكره بعد شهور قليلة لأنه وجدَ الحزب وجهاً آخَر للمشيخية الدينية… لا يتحمَّل مفكراً ولا يطيق فكراً خارج الصندوق الحزبي.
قرأتُ لكامو أوَّلاً ” الغريب” ثُمَّ لما قرأتُ له ” الإنسان المتمرد” عُدْتُ فقرأتُ الغريب على ضوءٍ جديد، فشرعتُ في تقصي سيرته. لقد كان كاموَ في عام 45 من أوائل الذين احتجوا على أوضاع الجزائريين، ثِمَّ فيما بعد كانَ المُمَدِّن الأوروبي يتغلَّب على النزعة الإنسانية عنده.. على أنني متأثر لأجله لأنَّ بامكاني أن أفهم أنَّ بعض الهجَمات الموجهة إلى ” الإنسان المتمرد” قد شقَّت عليه، ولأنَّ في قصة حياته ما يوحي أنَّهُ كانَ في حياتِه الخاصَّة قد اجتازَ ساعاتٍ مظلمة جداً. استطعتُ أن أفهم أنَّ ثقته بنفسه قد تزعزعت، فوضعَ نفسَه بصورة مؤلمة موضع التساؤل. قادني هذا إلى أن أفتح ” الغريب” مرةً ثالثة في فضولٍ كبير. وفي الصفحات الأولى عثرتُ مجدداً على الكاتب الذي عرفتُه وتصورتُه في قراءتي الأولى: كانَ ذلكَ روحُه، وتلك بصمتُه، وهذا سِحْرُه، صورة صحيحة لا مبالغة فيها، كانت قسوتُها معدلة تعديلاً دقيقاً بتجاوزاته نفسها. لقد كانَ كامو يعمل على مشروع لم يلملم أطرافه جيداً بعد نسبةً لصغر سنِّه. كانَ يحاول أن يسد المسافة بينَ حقيقته ووجهه، ولكن فجأةً كانَ صدقُه يتلاشى، فإذا هو ينكر احباطاته بقصص خيالية وحكايات اصطلاحية، وإذا هو ينزع من تجارب حياته كل ما هو لاذع فيضعه في خدمة أحقاده.
لقد ظل كامو يكتب في ” الإكسبريس”َ مندداً ومناهضاً للتدخل السوڤيتي لسحق انتفاضة الشعب المجري، وفي 4 يناير من العام 1960م كانَ في طريقه إلى باريس بعد أن شارك في الليلة الماضية عائلة صديقة احتفالاً لها بعيد ميلاد احدى بناتها عندما انكسر شئٌ في سيارته، فحرفها فاصطدمت بشجرة ضخمة، فمات.
لن تموت وحدك… يا كامو العظيم.
“شُكْرِي”