الحكام العرب : هناك فاسدون وقتلة!!

رجب ابو سرية

بعد عمر البشير، حاكم السودان العسكري، يعتبر معمر القذافي ثاني "زعيم" عربي، يتم توجيه تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحقه، من قبل المحكمة الدولية، الأمر الذي يعرضه للملاحقة، ليس فقط بقصد اعتقاله من قبل القضاء الدولي، ولكن أيضاً بما ينطوي عليه ذلك من احتمالات أن تودي بهما المحاكمة في حال الإدانة، من الذهاب الى حبل المشنقة.
قد تنطوي التهمة الموجهة ضد القذافي على اعتبارات سياسية، كما كان الحال مع البشير، إلا أن سقوط آلاف الضحايا من المدنيين، في ظل حكمهما، يقدم دليلاً على "شهوة" الحكم، الى درجة تتجاوز كثيراً ألاعيب السياسة وانعدامها الأخلاقي، ذلك أن القتل بهدف السيطرة والبقاء في الحكم، يمكن اعتباره أكثر الدوافع انحطاطاً، لأن يضع حداً لحياة أناس، لا ذنب لهم، سوى أنهم كانوا على الجانب الآخر من حالة الصراع السياسي، في بلاد تفتقر لأدنى مقومات الحياة الطبيعية.
في الحالة الليبية المتفاقمة منذ السابع عشر من شباط الماضي، ومع انسداد أفق "الحسم" في المدى المنظور للصراع على السلطة ميدانياً، رغم تدخل حلف الناتو، ومع "فشل" محاولات استهداف شخص القذافي، بعد عمليات القصف ضد مكان تواجده في العزيزية بطرابلس تبدد التهمة الدولية محاولة لإغلاق المنافذ وسد مداخل الخيارات أمام رأس النظام الليبي الحاكم منذ أربعة عقود مضت، ذلك أن القرار القضائي يقول للرجل إن مواصلة خيار المواجهة العسكرية، على أمل أن يقضي "شهيداً، أو أن يلجأ لأي مكان، في حال فسر المواجهة ميدانياً، لن يوفر له فرصة النفاذ بجلده، وأنه لا مفر له من أن يعرض- الآن- صفقة التنازل عن السلطة مقابل رأسه.
وفي الحقيقة، فان واشنطن، التي فضلت "قتل" ابن لادن، على إلقاء القبض عليه ومحاكمته، ومن قبل ألقت القبض على صدام حسين، ثم سلمته لسلطة بغداد، وهي تعرف أن محكمتها ستصدر بحقه قرار الإعدام؟ والذي تم تنفيذه في يوم عيد الأضحى، تهدف إلى بث الرعب في قلوب وأوصال هذه الأنظمة والتنظيمات، والى إفشاء حالة من القنوط لاجتثاث حالة سياسية مدمنة على البطش والقمع، التي تتجاوز-كما أسلفنا-التلاعب بالسياسة والفساد المالي والإداري العام.
تبدو صورة المواجهة على الجبهة القضائية، قبل وبعد حسم الصراع على السلطة، في أكثر من بلد عربي، متباينة، على نحو نموذجية: الأول هو ملاحقة الرؤساء والحكام السابقين بتهم الفساد وسوء الإدارة، كما هو حال الأنظمة التونسي والمصري واليمني، حيث يمكن للقضاء الداخلي أن يحكم بحق أشخاص ورموز الأنظمة السابقة بالسجن مدداً متباينة، مع الأخذ بالاعتبار احتمالات عقد الصفقات القضائية، كما يحاول ممثلو الدفاع عن حسني مبارك وعائلته الآن ان يفعلوا، أي أن يوقفوا التهم الموجهة إليه، مقابل "التنازل" مما لديه من أموال وعقارات وممتلكات لصالح الدولة، وبذلك يكون الشعب قد استرد ممتلكات، في الوقت الذي تجنب فيه الحاكم السابق احتمالاً بات مؤكداً بأن يمضي ما تبقى له من عمرٍ في السجن!
ولعل محاولات تجنيب اليمن مزيداً من الدماء، تفسر محاولة عقد مثل هذه الصفقة مع حاكمه الذي لم يسقط بعد، علي عبد الله صالح، الذي يشكل بقاؤه في الحكم حتى اللحظة، فرصة لديه لكسب الوقت واللعب على المسافة بين البقاء في الحكم، حتى انتهاء ولايته بعد أقل من عامين، وبين قبول صفقة تسليم السلطة مقابل تجنب الملاحقة القضائية.
وإذا، كانت المواجهة، قد وصلت الى الجبهة القضائية في الحالة الليبية، فان الحالة في اليمن وفي سورية، في الوقت الذي تبتعد فيه مع الوقت عن النموذج التونسي/المصري، فإنها تقترب من النموذج السوداني/الليبي، ذلك أن بقاء أنظمة الحكم يعني استمرار سقوط الضحايا، واتساع دائرة الدم، بما تنطوي عليه من احتمالات غرق أنظمتها في بحيرتها، وبالتالي مواجهة الجزاء من جنس العمل، وعلى الطريق الى ذلك، تتهاوى الدولة وتتعرض وحدتها الداخلية لمخاطر وجودية ربما يعكس مستوى الانحطاط الذي تذهب إليه مثل هذه الأنظمة.
فإذا كان قرار المحكمة الدولية، ضد عمر البشير، قد دفع نظامه الى "تسهيل" مهمة انفصال الجنوب. فإن تشبث القذافي بالحكم، وانغلاق الأبواب في وجهه بعد صدور التهمة القضائية بحقه، يعني بأن ظهره صار للحائط، وأن واقع "الانقسام" في ليبيا، قد أصبح واقعاً لا رجعة فيه، خاصة بعد أن تعذرت القدرة على الحسم ميدانياً، وبعد أن اعترف الغرب وبعض العرب بالمجلس العسكري في الشرق الليبي، حتى وصل الأمر الى تجميد الجامعة العربية عضوية ليبيا، في الوقت الذي هي فيه الرئيس الدوري الحالي للجامعة؟!
في المستقبل القريب، قد نشهد إذاً صورة قد تصبح مع الوقت مألوفة، وهي تقديم الحكام العرب الى المحاكم، ليواجه بعضهم السجن مدداً متفاوتة، إن ظل الأمر في حدود، ما قبل انفتاح صفحة الاحتجاج على الديكتاتورية، أي ان بقي الأمر في حدود الفساد المالي والإداري، لكن فصل قمع الاحتجاج وحده، وما يقدم عليه الحكام من إصدار أوامر القتل، وقيادة حالة القمع الدموي، قد ينتقل بهم أو ببعضهم الى حبل المشنقة.
أما صورة الاختباء أو الهرب، كما هو حال بن علي ومبارك، فإنها تعتبر حالة انتقالية، وتعتمد على ما يبديه الشعب من إصرار على ملاحقة هؤلاء الحكام بعد إسقاطهم، وعلى آليات وبرامج وسياسات إعادة بناء الدولة، حيث يمكن القول إن العرب الآن وبعد نحو نصف قرن على إقامة "الدولة القطرية"، الدولة التي ظهرت بعد حروب الاستقلال، يقومون الآن بتدشين الدولة الثانية، ملكية أو جمهورية كانت.
صحيح ان الأنظمة الملكية لم تتعرض بعد الى رياح التغيير، لكن الوقت ما زال مبكراً بعد للجزم بأن هذه الرياح ستكتفي بتعديل في جوهر حكم الأنظمة الملكية، بعد "احتواء" حالة الاحتجاج في الأردن، وإقدام دول مجلس التعاون على احتضان نظامه الملكي عبر التلويح بعضويته للمجلس المذكور.
فقد أكدت تجربة خمسة عقود، بأن جوهر الحكم المطلق هو ذاته، لا فرق بين نظام ملكي، يملك ويحكم، ونظام جمهوري يحكم ثم يملك، وكلاهما غير ديمقراطي واستبدادي، يحكم من خارج دائرة صناديق الاقتراع، فاسد وقمعي الى حدود ارتكاب جرائم القتل، بالمعارضين ثم بالمتظاهرين!! لذلك فإنه يمكن القول بشكل عام، إن رياح التغيير، ستقتلع جذور الاستبداد بالأساس، وستقيم أنظمة ديمقراطية، لو أبقت على الأنظمة الملكية فيها، فإنما على قاعدة أن تملك ولا تحكم، فيما الأنظمة الجمهورية ستؤكد التداول السلمي للسلطة وإنهاء ظاهرة الانقلابات.
وحتى شكل النظام العربي، يمكن أن تتجاوز حالة التضامن السياسي، وفق نظام الجامعة العربية إلى حالة الاتحاد الفدرالي العربي، لكن بعد إرساء الدولة الثانية، الملكية الثاني، دستورية أو برلمانية على الأغلب، والجمهورية الثانية الديمقراطية بدلاً من الجمهورية الفردية، وهكذا يكون قد حل ربيع العرب، بعد تقديم القرابين، التي لن يقتصر أمرها على الضحايا من المواطنين فقط.

رجب ابو سرية
[email protected]

الايام

تعليق واحد

  1. تكون انطباع لدى سفير الولايات المتحده بمدمشق سابقا " فرنانديز " وسبق ان مثل سفارته بالخرطوم … حين اطلق على الانظمه العربيه وعلى شاشة الجزيره عبارة "الانظمه العربيه المعفنه " بهذا النص ..

    ولقد اوقفتني هذه اللهجه طويلا . الا انني لم اتعجب!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..