إبراهيم الرشيد … مكافح الانهزام العاطفي.. يا زمن وقف شوية

أم درمان – محمد عبد الباقي
مهما عاد الزمان سخياً لن ينبغ في الساحة الفنية مغنٍّ يمتطي صهوة كلمات شاعر بقامة إبراهيم الرشيد. هذا ليس حكماً مطلقاً، لكن الدلائل تشير إلى أن زمن ظهور فنان بحنجرة كتلك التي يمتلكها إبراهيم عوض انتهى إلى غير رجعة. ولأن ليس بالساحة شعراء كإبراهيم الرشيد، فلن يشنف الآذان صوت كإبراهيم عوض، وبما أن العبقرية صنوة بعضها بعضاً؛ فإن الحكم على فناء الإبداع إلى حين تبعثه أجيال قادمة وارد بشدة.
جدلية الحاضر والمستقبل
كواحد من قلة رغبوا في التوقف في محطة الحاضر، ولم تكن لديهم الرغبة في اقتحام المستقبل بضبابيته التي لا يستطيع أحد تمزيق حجبها ليتحسس وقع خطاه، كتب الشاعر “إبراهيم الرشيد” قصيدة شديدة المناحة رصينة المفردات عميقة المعنى عرفها الناس باسم “يا زمن” ولا نجزم بأن الشاعر هو الذي اختار لها اسم “يا زمن” لحظة ميلادها، فشواهد عديدة تؤكد أن كثيراً من المغنين يختارون أسماء بديلة للأغنيات التي تغنوا بها وشركات الإنتاج الفني بدورها تسلك النهج ذاته أحياناً، لكن المؤكد أن (يا زمن) كانت فتحاً فنياً ذا أهمية عظيمة في مسيرة الشاعر إبراهيم الرشيد والفنان إبراهيم عوض، وكلماتها على بساطتها كما ترى..
يا زمن وقف شوية/ وأهدي لي لحظات هنية
وبعدها، شيل باقي عمري/ شيل شبابي/ وشيل عينيَّ
استطاعت تجاوز حاضرها وقفزت للمستقبل، فبعد ستين عاماً من تلك الصرخة اكتشف إبراهيم الرشيد أنه أخطأ الظن بالمستقبل من شدة تفاؤله وظلم حاضره في ذلك الوقت، إذ تكشف له هذا من هول ما لاقاه من مصاعب الدهر ونوائبه لاحقاً، فدخل الحراسات والسجون بسبب المطالبات المالية التافهة التي أنفقها على مأكله ومشربه، فكتب مخاطباً الدكتور عبدالحليم المتعافي والي الخرطوم في ذلك الوقت بقوله:
شرف وسام يا والي ما كان خطر ببالي
أدخل حراسة الحركة وأعزف هناك موالي.
حزمة أحزان ومطالبة واجبة
مؤكد أن صوت الشعر لا يخترق أُذن من لا يقرأ الشعر أو لا يعده رسالة يستحق حاملها التكريم والتقدير، فتاه صوت إبراهيم الرشيد الأول في لجج صمت المتعافي فخاطبه مجدداً مذكراً إياه بأنه دخل حراسة الشرطة بسبب عدم ترخيص ركشته التي كانت تعوله لأن دخلها لا يسد مطالبه المعيشية اليومية ويسدد قيمة الترخيص فكتب ثانية دون رد أيضاً.
ما قلت داير بص/ لا حافلة لا أمجاد
أو قطعة في الطايف/ أو رخصة استيراد
أنا لي طلب هايف/ بس رخصة للركشة/ لي عيشة الأولاد
ما عندي يا دكتور غير الشعر مهنة/ القلتوا ما بشفع تمنحني استثنا؟
والمؤسف إلى أن فقد الركشة نفسها لم ينل إبراهيم الرشيد صاحب أغنيات وشاية، أبقى ظالم، ما بعاتبك، غالي علىَّ، وسليم الذوق، أدنى لفتة أو استثناء لترخيص ركشته. فخرج ذات يوم ليقول: “أنا أتضور ولكن لن أتسول أحد لأن المبدع يجب أن لا يتسول، فكلما ضاقت ستفرج بإذن الله” ودون شك كل معجبيه يرددون خلفه كل ضيق يعقبه فرج.
فتوة الصبا ورونق الجمال
تفاؤل إبراهيم الرشيد بحاضره وتشاؤمه من المستقبل كان نتاج للبيئة التي ترعرع فيها في صباه فهو من مواليد بيت المال، بأم درمان بحسب سيرته الذاتية غير المكتوبة، وفيه عاش طفولته الأولى، وكان بيت المال في ذلك الوقت يمثل نموذجاً مصغراً لأم درمان كلها، إذ يضم مباني الإذاعة القومية، التلفزيون، الهلال، المريخ، قهوة يوسف الفكي، جورج مشرقي وكل رموز الحركة الفنية والحركة الوطنية نشأوا وترعروا فيه، وحي بهذه الميزات قطعاً يجعل ساكنه يتشبث بالحاضر ولن يخطو قيد أنملة نحو المستقبل الذي لا محالة واضع مبضعه على جزء من جسد تلك الأيام.
شاعر الثورة العاطفية
ابتدع إبراهيم الرشيد نهجاً رسخ به أقدام الفنان الصاعد حينها إبراهيم عوض على مسرح الغناء فهو يكاد أول من عارض نهج الانهزام العاطفي في الغناء خاصة، وأن كثيراً من مجايليه كانوا يصورون المعشوقة كالثريا من الاستحالة بمكان الوصول إليها، لكنه خالف هذا النهج الغنائي وكتب أول عمل جمع بينه وإبراهيم عوض باسم (اتحداكِ) جاء مطلعه:
تحبيني من جوة قلبك بترديني وعاملة مخاصمة
اتحداك وأتحدى عواطفك صحي الريدة البيني وبينك
نسج عبد اللطيف خضر ود الحاوي أشهر الملحنين الذين تغنى بألحانهم إبراهيم عوض لأغنية أتحداك لحناً منحها السبق بأن تغنى في العيد الأول لثورة 17 نوفمبر التي قادها الفريق إبراهيم عبود بحسب توصيف إعلام ذلك الزمان فكانت نقطة انطلاقة للثلاثي الشاعر والملحن والفنان كأشهر ثلاثي ولازال

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. أها وبعدين ؟

    ياخي قوم لف

    أغنية يا زمن حلوة مافي شك
    لكن ما تعمل لينا إنه خلاص تاني مافي لإبداع و كلام من النوع ده !

    خلاص يعني بح ؟!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..