ما بين هذا وذاك!!

*(لو علمت أن السجود لآدم ينجيني
لسجدت، ولكن قد علمت أن وراء تلك الدائرة
دوائر، فقلت في حالي، هب أني نجوت من
هذه الدائرة، كيف أنجو من الثانية والثالثة
والرابعة..).
– الحلاج ?
الطواسين (طاسين المشينة) ص.65

.. (مولاي إني ببابك قد بسطت يدي)، كذا يناجي الصوفي الورع ربّه بمنتهى الوداعة والسكينة…. لم يلوّح بقبضته مهدّداً غيره من خلق الله، لم يدّع القرابة ويحتكرها لنفسه، لم يقصد داراً من دون غيرها رغم رمزيّة العتبات المقدّسة…
ولم يعيّن نفسه حاجباً أو سيّافاً أو جابياً أو ناطقاً رسميّاً ووكيلاً حصريّاً لمن جلّ جلاله. تعظم الذنوب فتعظم معها مغفرة الله ورحمته، تكبر المحبّة فيسود الوجد و(يستبدّ) الوله ويتبدّد الخوف… كيف يخشى ويخاف محبّ حبيبه؟ كيف تطمع في ثواب وتهرب من عقاب أمام من توحّدت في ملكوته كلّ الأضداد وسما اسمه فوق كلّ الأسماء؟، (أو تحسب نفسك جرماً صغيراً وفيك انطوى العالم الأكبر)؟.
أين منهم هؤلاء الذين بحّت أصواتهم اليوم على منابر الفتنة بالدعوة إلى إبادة النسل وحرق الزرع وهتك الأعراض واستباحة الناس؟ تعلو الأصوات عندما تتباعد القلوب، تنخفض، تخفو حتى تخفت وتهمس حين تتقارب، تتّحد وتتوحّد في تسبيحة واحدة وترنيمة خالدة، فلا فرق بين ركن لقرآن ودير لرهبان. شتّان بين من يعيش ليحيا في سبيل الواحد الأحد… السبيل الذي لا نهاية له إلاّ السرمديّة واعتلاء مراتب الصالحين وأصحاب السرّ الأقدس.
وبين من يعيش ليموت في سبيل أوحى له الشيطان زوراً أنها سبيل الله، في حين أنها مضلّلة، مزوّرة وقاتلة مثل متاهة (القرصان والأربعين حرامي)… أمّا الكنز فقد تركه تحت قدميه وسار إلى حتفه مثل قطّ يلحس مبرداً. (السلفي الأصولي الجهادي الإسلامي..)، وهلمّ جرّا من التسميات والتوصيفات، ذلك أنّه كثير القلق والتوجّس، غير مستقرّ على معرفة شافية، فيعجّل بهلاكه مكتفياً ومتأبّطاً أسفاراً يجهلها مثل (لا تقربوا الصلاة.) و(ويل للمصلّين) و(أعدّوا لهم ما استطعتم..) و(هل يستوي الذين يعلمون..)، وغيرها من الذكر الحكيم.. إنه ذاك الذي عناه (الخضر) العبد الصالح بقوله في الآية الكريمة (إنك لا تطيق معي صبرا).
أمّا الصوفي فيبقى صوفيّاً سواء لبس الصوف أو الحرير، خشن الثياب أو أرقّها في نظر العامة أو الخاصة ومن نظر إليه عن مقربة أو ومن خلف حجاب…. إنّه غالباً ما يرتبك في أمر شغله عنه حب الله… هو لا يعرف كيف يعرّف نفسه… التعريف يحتاج إلى مسافة على كل حال. تنبّه أيها المؤمن – يا طريّ العود- إلى أنّ المدارس والكليات وزوايا المؤدّبين في المسيد، وحلقات المدرّسين والمبشّرين والدعاة والواعظين في الخلاوي، لا توصلك إلاّ للشواطئ وعتبات البوّابات، تمنحك المجداف ولا تبحر بدلاً عنك، تأخذك إلى الفراش ولا تهبك جفون النوم وأجنحة الحلم… واعلم أنّ الشعائر والأركان ليست نهاية الرحلة في معرفة الله…. هل لمحت يوماً ضابطاً عالي الرتب، متوهّج النياشين… يحرس ثكنة عسكريّة… رغم واجب الحراسة وضرورتها؟…
يعتمد الأصوليّ خطاباً حسيّاً ماديّاً وغرائزيّاً نظراً لمحدوديّة خياله وفقر ذائقته وانحصار بيئته فتمسي أدوات المقاربة والقياس لديه بائسة إلى درجة السخرية والإضحاك وهذا ما دعا بالمعرّي ـ فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ـ في رائعته (رسالة الغفران) إلى التهكّم من شخصية (ابن القارح) عبر تصوّراته الساذجة حول اليوم الآخر وثنائية الجحيم والنعيم، كما دفع الأمر نفسه أبا القاسم الشابي إلى كتابة أطروحته النقدية العاصفة (الخيال الشعري عند العرب) التي اتهم فيها الأغلبية السلفية في ثلاثينيات القرن الماضي بانعدام الخيال على عكس الحضارات المتقدّمة.
إنّ ما تقدّم من هذين المثالين المتقدّمين والساطعين في عصرنا القديم والحديث يبرهن – بما لا يدعو للشك – على أنّ ثقافة النقل قد غلبت ثقافة العقل في الفكر السلفي فكبّلت من جموح خيالنا وألزمت أجيالاً كثيرة بالركون إلى (وسائل الإيضاح) الملموسة فمازالوا (صبية) في إيمانهم، يخشون الغول المتربّص خلف الباب ويطمعون في قطعة الحلوى إن لم يشقّوا عصا الطاعة باستخدام عقولهم وخيالهم.
يكبر الخوف ويستفحل حين يغيب الأمان الذين يصنعه الإيمان من أوسع أبوابه، لا بفضل الوساطات الكاذبة والتي تحاول أن تحجز لنفسها غرفاً مفروشة في الحياة الآخرة فتبيع نفسها للسماسرة الكبار في لعبة الأمم ومراكز النفوذ…. أمّا الصوفي فيردّد مع ميخائيل نعيمة قصيدته التي قالها في فترة ما بين الحربين (سقف بيتي حديد، ركن بيتي حجر فاعصفي يا رياح وانتحب يا شجر فإذا الليل طال والظلام انتشر من سراجي الضئيل أستمد البصر)..
أخيراً.. ولكي لا تأخذنا العزّة بإثم المقارنات الجافة أحياناً، فإنّ المشروع العقلاني للدين والدولة قد وقع ليّ عنقه أثناء فترات التخلّف والاستعمار الغربي وقبله العثماني والمملوكي وحالياً الكيزاني، وغيره حتى فتحنا أعيننا على نموذجين مشوّهين للتديّن، واحد غيبي ساذج يناشد حلقات الدراويش باسم الصوفية وآخر غيبي أصولي تكفيري يدّعي استئصال الأول.. فمالك بكارثتين من بدّ..
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. نائل أيها الدكتور المفكر والصوفي المعتق ابن سجادة السادة اليعقوباب تعجبني مقارباتك الا متناهية نحن في فعلاً في حاجة لفكر تنويري تبشيري ثقافي يشكف هذا الزيف المتراكم على جوانب وطننا الحبيب، التي تحدق به النوائب والكوارث من جراء فكر أصولي ظلامي يعيش على فناء المجتمع والفكر والذائقة الإنسانية..
    نقول لك أمضي في كشف هذا الزيف الذي أفرزته حقبة ممعنة في الظلم والاستبداد،آن للشعب السوداني إن يعي هذه المخاطر.أستاذي نائل دمت مبدعا طواقاً للحرية والعدالة الإنسانية.

  2. نايل هوووووووووووووووي أرجع بينا لمقالاتك الهزلية انحنا ما دائرين فكر ووجع رأس دائرين نضحك ونفرفش، وأنتَ زول هزلي ساخر/ارجع ارجع دا طلب شعبي وشخصي سيبك من الصوفي والاصولي دا قرف هؤلاء القوم من شراذم الكيزان تخيفهم السخرية لأنهم مضحكة عن حق وحقيقة سلام يا رائع.

  3. الله يا نايل الله يا زول متفرد في وجدك وجدك وفلسفتك …الله يا خاي شهقت في غربتي راحة ما بعدها راحة …هذا رسالة شامله غير خامله متجددة معني وسلوك ظاهرا وباطنا ….كل عصر تجد الرسالة تجدد باليات يفتح مكنونات النصوص لتتفجر المعارف اللانهائية لذلك تنتفي عن هذه الرساله الكهنوتية وصكوك الغفران الا ما صنعته ايادي الشر للمصلحة الشخصية ……..تربت يداك ومتعك الله بالعلم النافع الذي تعمل ويعمل به ولك اجره واجر من عمل به ………….تجربة ربع قرن افسدت ولم تبق شئ كفاية من القرف الذي انتشر ليعود الوطن لسماحته وتسامحه هؤلاء حتي في سلفيتهم نسوا ان العهد المدني كانت الدولة والمجتمع اثني ذلك ان مبادئ الرسالة (التعارف بين الشعوب والقبائل )لتعرف قيم الرسالة وتسمع كلام لتهتدي وهذا في استجارة الكافر بالمسلم ليسمع كلام الله وتاتي حرية الارادة في حرية الاختيار ثم ابلغه مامنه …….وانظر لعودة الرسالة بعد فساد في الخليفة عمر بن عبد العزيز في ثلاثنين شهر فاضت الزكاة لماذا لانه بدا بنفسة واتهل بيته فانداح العدل ظل الله في الارض والحديث ذو شجون في محنتنا الراهنه بغلواء العراب الاصغر المراوغ !!!لك المودة والاعزاز علي هذا التداعي الوجداني انعشتنا وتنعشنا دوما من غربة رطبه !!!

  4. لك الله.

    قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76).

  5. (قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [سورة الكهف : 66]

    (قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) [سورة الكهف : 67]

    بواسطة @QuranAndroid

    صدق الله العظيم

  6. بروفسر عراقي في الزراعة صوفي التوجه روي كيف انهم في الغرب قطعوا مخ عالم الفيزياء الفلتة (انشتاين) بعد موته الي شرائح حسب وصيته ووزعوها الي مراكز ابحاث شتي في مختلف انحاء العالم عسي ان يكتشفوا سر عبقريته .جاءت النتائج مدهشة ومحيرة وهي ان مخ الاسطورة تشريحيا لايختلف عن مخ اي حمار ! فسر العراقي الحكيم انهم انما فحصوا ال ( الهارد وير) وكان عليهم فحص ال (السوفت وير) لو استطاعوا وعضد رأيه بقول شيوخه المتصوفة الحقيقيين :
    دُفن الجسم قي الثري
    ليس للجسم منتفع
    انما النفع في الذي
    كان بالجسم وارتفع
    اصله معدن نفيس
    والي اصله رجع
    لماذا يبهرنا الماورائي ونقف امام معناه الغامض مثل اطفال روضة يجرجرون الكتابة في الواحهم او ارضهم مالم نكن بدائيون في عذا الميدان مهما كان كسبنا في علوم الدنيا
    Understanding a secret of the universe …..Gregg Braden
    ان لم يمر عليك هذا الموضوع يا اخي العزير غفوقله لتري ثلاث تجارب لعلماء معمليين ادخلوا الماورائي الي معاملهم عنوة واقتدارا ولتعلم ان بعض اشياخنا لاحقين باذن من الله . لاني لا اعرفك فشهادتي غير مجروحة وهي ان ما تكتبع ممتع والاهم انها باضطراد تزداد امتاعا .بقي ان لي ملاحظة .قرأت كتاب الطواسين والذي اتذكره ان مفردها(طسم) وهي مفتتح بعض سور القراّن الكريم ولا ادري ان كانت كلمة طاسين هي مفرد ثانٍ لها .مع شكري

  7. بروفسر عراقي في الزراعة صوفي التوجه روي كيف انهم في الغرب قطعوا مخ عالم الفيزياء الفلتة (انشتاين) بعد موته الي شرائح حسب وصيته ووزعوها الي مراكز ابحاث شتي في مختلف انحاء العالم عسي ان يكتشفوا سر عبقريته .جاءت النتائج مدهشة ومحيرة وهي ان مخ الاسطورة تشريحيا لايختلف عن مخ اي حمار ! فسر العراقي الحكيم انهم انما فحصوا ال ( الهارد وير) وكان عليهم فحص ال (السوفت وير) لو استطاعوا وعضد رأيه بقول شيوخه المتصوفة الحقيقيين :
    دُفن الجسم قي الثري
    ليس للجسم منتفع
    انما النفع في الذي
    كان بالجسم وارتفع
    اصله معدن نفيس
    والي اصله رجع
    لماذا يبهرنا الماورائي ونقف امام معناه الغامض مثل اطفال روضة يجرجرون الكتابة في الواحهم او ارضهم مالم نكن بدائيون في عذا الميدان مهما كان كسبنا في علوم الدنيا
    Understanding a secret of the universe …..Gregg Braden
    ان لم يمر عليك هذا الموضوع يا اخي العزير غفوقله لتري ثلاث تجارب لعلماء معمليين ادخلوا الماورائي الي معاملهم عنوة واقتدارا ولتعلم ان بعض اشياخنا لاحقين باذن من الله . لاني لا اعرفك فشهادتي غير مجروحة وهي ان ما تكتبع ممتع والاهم انها باضطراد تزداد امتاعا .بقي ان لي ملاحظة .قرأت كتاب الطواسين والذي اتذكره ان مفردها(طسم) وهي مفتتح بعض سور القراّن الكريم ولا ادري ان كانت كلمة طاسين هي مفرد ثانٍ لها .مع شكري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..