صورة السودان النمطية فى مخيلة الاعلام الغربى

الصورة الذهنية للسودان فى مخيلة الاعلام الغربى
ارتفاع اسعار اسهم الشركات السودانية فى بعض البورصات العالمية وانتعاش سعر صرف الجنيه السودانى. هذه نماذج من اخبار بدأت تنشرها الآلة الإعلامية العالمية عن السودان بعد رفع الحظر الاقتصادى الامريكى عن السودان . ويأتى ذاك على غير المألوف من النشر عن السودان من اخبار العزلة والعقوبات والصراعات الداخلية والحروب والبؤس والمفارقة للحداثة .. وهذا كان باستمرار عين الصورة النمطية عن السودان فى الاعلام الدولى . ولكن ثمة تحولات بدات فى التخلق . الصورة النمطية انت من تساعد فى نسج خيوطها عن نفسك بواقع الاوضاع فى بلدك على الارض من عدم تحقق الاستقرار السياسى واشتعال النزاعات المسلحة وعدم القدرة على مجابهة الكوارث الطبيعية من سيول وجفاف ومجاعات لهشاشة بنية الدولة والإخفاق فى الادارة . ثم يزيد الطين بلة انتهاج سياسة خارجية تميل للعزلة ومفارقة للامن والسلم الاقليمى مع فشل كبير فى التسويق الاعلامى ومخاطبة الغرب الذى يضع اجندة القيم السياسية والإنسانية والإعلامية خاصة فى مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية وبروز منظمة الامم المتحدة كأولى مؤشرات مظاهر العولمة .
والحكومة السودانية تمكنت بنجاح لا تحسد عليها ان ترتقى اعلى درجات الصورة النمطية السالبة فمنحت الفرصة ان يكون تسويقها كيفما اتخذت من سياسات . فبدءا وبدون مقدمات اتخذ النظام الجديد الذى اطاح بنظام ديمقراطى فى عام 1989 فى رفع شعارات معادية للغرب والشرق فى وقت واحد ” أمريكا روسيا قد دَنا عذابها ” . وبدون مراعاة لتوازنات تلك الفترة بالتحالف مع احد المعسكرين او التكتيك وحينئذ كان ذاك من وجوه مفارقة معايير السياسة الدولية. ثم كانت من بعد محاولة تغيير أنظمة الجوار ومحاولة تصدير واحتضان ما يعرف بالثورة الاسلامية ورموزها فى تسعينات القرن الماضى الذين بعد فترة قصيرة صنف العديد من هؤلاء الرموز فى الغرب بأنهم مجموعات ارهابية . فكانت تلك بداية سياسة العزلة فى المحيط الاقليمى والدولى بدون الاكتراث بالبحث عن الأحلاف او حتى مصالح الدولة السياسية والاقتصادية او الانتباه الى ان السياسة الدولية تقوم على سيقان توازن القوى ومعرفة مصادر قوتك ومصالحك فى مواجهة قوة ومصالح اللاعبين الرئيسين فى العالم وكيفية التعامل مع تقاطعات أمنك مصالحك ومصالح وأمن القوى الكبرى . وكانت هناك حرب الجنوب التى يتعاطف الغرب مع تواجد افارقة مسيحيون يواجهون حربا فى مواجهة عرب مسلمين وهكذا كانت الصورة الإعلامية ثم كانت الكارثة فى دارفور والتعثر فى احتواء الاوضاع سياسيا او انسانيا و التلكؤ فى التعاطى مع المبادرات الاممية ثم قبولها بعد ذلك تحت الضغوط فرسخت صورة نمطية بان الخرطوم لا تستجيب للتعاون ولكنها تستجيب للضغوط الدبلوماسية والإعلامية . فاضحت كل هذه العوامل مجتمعة تمثل رافعة مثالية لعكس صورة البلاد فى الخارج فكان السودان لا ياتى ذكره الا متزامنا مع النزاعات والعقوبات الاممية والأمريكية أسوة بكوريا الشمالية وزعيم زيمبابوي او مايعرف بالدول المارقة . وان كانت لبعض الدول المدرجة فى القائمة الامريكية للارهاب مقومات اقتصادية وتحالفات إقليمية تمدها بالطاقة لمواجهة الأنظمة الغربية او انها تمد حبال المصالح مع روسيا لمحاربة الإمبرالية او مايطلق عليه بهيمنة نظام القطب الواحد ولكن السودان وقتئذ افتقر لسياسة التوازنات الدولية . فكان الاعلام هى احدى الوسائل لعزلة الحكومة السودانية وباستمرار زودت الخرطوم الاعلام الدولى بمؤونة الصورة الذهنية من حروب داخلية دامية وكوارث إنسانية وحوجة مستمرة للغوث الإنسانى ورسائل سياسية متحدية بُدون مقومات تسندها وبدون تخطيط او صناعة للرسائل الإعلامية التى تبثها للعالم الغربى لمخاطبته بالأسلوب الذى يفهمه سواء بلغة المصالح لمتخذى القرار والشركات الكبرى أو مبادى حقوق الانسان لعامة الناس فكان الحصاد الحصرم .
منذ عام 2014 انطلق قطار تحالفات الخرطوم نحو معسكر السعودية ودوّل الخليج واشاحة الخرطوم بوجهها لإيران . ومن ثم كان افتراع تكتيك الحوار الوطنى وتشكيل حكومة بها بعض من رموز المعارضة لتخفيف الضغوط وتقليل حدة حمولة الاسلام السياسى لان الحلفاء الجدد لا يخفون ريبتهم من جماعة ومنهج الاخوان المسلمين . الى جانب الاتجاه الجدى للحوار مع أمريكا والإعلان المتكرر لوقف اطلاق النار فى مناطق النزاع وتزامن هذا باستعار أزمات دول الربيع العربى الأمنية وانزلاق الوضاع الأمنية فى جنوب السودان ودولة افريقيا الوسطى لحافة الهاوية وتصاعد نشاط الجماعات المتطرفة فى بعض مناطق القرن الافريقى وغرب افريقيا . بالاضافة الى بروز أزمة أوربا فى الهجرة غير الشرعية وتزايد هواجس الاٍرهاب والتطرف الإسلامى . فتلاقت رغبة الحكومة السودانية مع الشواغل الأمنية للولايات المتحدة الامريكية ودوّل أوربا مما فتح الباب للسودان للولوج لبوابة التحالف الامريكى- الأروبى . وهذا التحالف الحلف الجديد الطريق أمامه محفوف بمصاعب جمة لان ضفتى الاطلسى ماتزال تنتابها حالات من عدم الثقة فى الحكومة السودانية بفعل رواسب تسيعنات القرن الماضى وتأثيرات مجموعات الضغط على حواف الكونغرس . وهذا ما جعل التفاوض مع الخرطوم فى شان رفع العقوبات الامريكية يترواح بين التأجيل والرفع النهائى فى الشهور المنصرمة .
رغم التزام اجهزة الاعلام العالمية ووكالات الأنباء الغربية فى معظمها بالضوابط المهنية الصارمة والحرفية – وهى من تصنع وتطور هذه المعايير – ولكنها ايضا تفكر بذهنية القيم السياسية والأخلاقية والاقتصادية الغربية لانها نتاج هذا المجتمع فى حين ان العالم الثالث يظل مستهلكا لهذا القيم ولتقانة الاعلام الحديث والعالم الرقمى . نتحدث عن ثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعى وحرية تدفق المعلومات ولكن يظل السودان فى ضفة المتلقّى مع اخرين من نظرائه لا نصنع التقانة وليس هناك جهات تدير او تصمم الرسالة الإعلامية التى تبعث للعالم الخارجى وبعد ذلك يكون البكاء على اللبن المسكوب بان هناك استهداف . فأنت لا تنتج أية تقانة ولا تسعى لملمة جراحك النازفة فى الداخل او تتوصل لتسوية لتوحيد جبهتك الداخلية وفى صراع مع أمريكا واوربا ولا تبذل اى مجهود لمعرفة او كيفية تصميم الرسالة الإعلامية ولا تتقن معرفة وسائل عمل الاعلام الغربى ثم بعد ذلك تندب حظك اى بؤس ذاك .
الان تغيرت اتجاه الريح وأضحى السودان فى منعطف جديد فى علاقاته الخارجية يتحالف مع دول الخليج ويقترب من الولايات المتحدة وحلفائها الاروبيين. وتسعى الخرطوم بعد رفع العقوبات الاقتصادية لإزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للارهاب توطئة لتعبيد الطريق للتطبيع الكامل بين واشنطن والخرطوم عبر مفاوضات شاقة ومعقدة . وهذا يؤشر بان الخرطوم تدلف لمرحلة جديدة ستستبدل فيها علاقاتها الخارجية وحتى معادلات وتوازنات وتركيبة الحكم لان لكل مرحلة جديدة أولويات جديدة ووجوه سياسية وتنفيذية جديدة على غرار مراحل مابعد الإطاحة بعراب الإنقاذ الراحل حسن الترابى ومرحلة مابعد إتفاق نيفاشا للسلام و مرحلة بعد احداث سبتمبر 2013 وما تمظهر منها لدعوات للحوار الوطنى وقلب طاولة التحالفات السياسة الخارجية وخطب ود واشنطن للانتقال لحقبة جديدة . هذا الوضع الجديد والاتجاه نحو الغرب يتطلب الانفتاح على الداخل وانهاء النزاعات الدامية حتى ترتفع أشرعة الاستثمار الأجنبى للإبحار فى السودان فى مياه مستقرة لا تنتاشها سهام النزاعات الداخلية او الفساد وسؤ البيروقراطية . فالعجب ان تدعو الحكومة المستثمر من الخارج وكل يوم تتصدر اخبار الحروب صحف الخرطوم فهى بذلك تطرد الاستثمار بعكس ان الحروب تستعر وتظن انها تخدم الاجندة الحكومية وهذا ما اطلق عليه المؤرخ ابن خلدون عن الذهول عن المقاصد – فعدو عاقل خير من صديق جاهل – وهناك عدم مقدرة متنامية على عدم التنسيق بين الرسائل الإعلامية الموجهة للراى العام الداخلى وتلكم الموجهة للخارج او تلكم التى يمكن ان تلتقطها الآلة الإعلامية الغربية فيختلط الحابل بنابل الغفوة وعدم التخطيط فتزيد الصورة النمطية قتامة . ولكى تؤثر فى الاعلام الدولى وفى صناعة الصورة الذهنية عنك لابد اولا من توفر رؤية سياسية واقتصادية واضحة المعالم ، وان تكون حاضرا فى اجهزة الاعلام تلكم باستمرار لان الفراغ الذى تتركه يتحرك فيه الآخرين وأمر تصميم الرسالة الإعلامية يحتاج لدراسة ومتابعة وخيال وابداع وليس يتأتى بضربة لازب او من غير انفتاح ومرونة سياسية واعلامية بائنة هى امر تساعد انت – الصورة الذهنية – فى صنعها وتسقى ثمرتها كل يوم ولحظة بالاخبار على صفحات الصحف وشاشات التلفاز وفى الاعلام الحديث وينبغى ان يكون لك من أهل الاعلام والساسة والمسؤولين من يجيدون ذلك الضرب من العلم والفنون والمهارة .
خالد عبد العزيز
[email][email protected][/email]



