الربيع العربي يفتح صفحة الأخوان؛ والسودان سيطويها (رسالة إلى الشباب البواسل)

نعم، نحن بصدد طيّها. وطيْ صفحتهم هذا لا بد وأن يعقبه طي صفحات عديدة، صفحات كانت بمثابة “التقديم” إلى ما آل إليه سِفْر الإسلام السياسي في السودان. فأشدّ ما يؤلمنا ــ بعد ربع قرن من فرية الإنقاذ وفشلها الذريع ــ أن تتعالى الأصوات العديدة متسائلة: ما البديل!
لقد بتّ أشكّ في نوايا كلّ من ينبري لهذا السؤال باحثا عن اجابة. سبع وخمسون عام مذ خرج جيش المستعمر ــ قلت جيشه فقط، لأنه ترك وراءه خارطة طريق لم تحد عنها كل أنظمة الحكم التي أعقبته، ما عدا “عام الرمادة” الذي أعقب أكتوبر بحكومة طيّب الذكر وعاطره: سر الختم الخليفة، ورفاقه الأكرمين، الذين حملوا (كما سيزيف) عبء الحكومة الإنتقاليّة فادحة الثقل..! لتأتي من بعدها كل تلك الأنظمة الخائبة.
ومن الغريب العجيب المحيّر، أن يتكعكع علينا كل عام كهول السياسة (حاكمين ومعارضين) ليحتفلوا بالثورة ــ المؤودة، بالغناء والطرب والخطب الجوفاء الرعناء؛ معدّدين لنا “مآثرهم” في اسقاط الديكتاتورية..! ولم يفتح عليهم الله مرّة كيْ يحدّثونا عن لمَ، وكيف، ومن أحرق الثورة وموقديها.. عن من قطف زهرتها اليانعة (حكومة سر الختم الإنتقاليّة) والتي أزعم الآن بأنّها لم تزل تمثّل إجابة شافية لسؤالنا الأبديّ، بأنّها بديلنا المرتجى/المرتقب..!
طبعاً،
هم لايريدون أن يفتحوا تلك الصفحة الوحيدة الناصعة في تاريخنا السياسي، كيما يقرأها “شباب الثورة” الثورة القزحيّة التي تتشكّل الآن في الأفق. صفحة حكومة أكتوبر الإنتقاليّة ــ مشروع دستورها، رؤيتها لمطالب السياسيين الجنوبيين، للفصل بين السلطات الثلاث (أسّ النظام الديمقراطي) للإعلام، لجيش وطنيّ محترف، للخدمة المدنيّة، لأمن البلاد والعباد.. لأنّ نعبد من نشاءْ
إنّ أكبر فرية مرّت علينا هي فرية “الحلقة الجهنّميّة” كما يحلو للبعض تسميتها ــ نظريّة التوالي من عسكريّة إلى ديقراطيّة وهلمّ دوراناً..! فنحن لم نُحكم، في كل عهودنا، سوى بالديكتاتوريّات المدنيّة والعسكريّة. ربما، نكن قد ذقنا طعم “علمانيّة” لبضع سنوات في عهد مايو بـ”دستور 73 ” ولكنّنا لم نذق طعم الديمقراطيّة، لا يومها ولا قبلها أو بعدها. وكما د/ محمد عابد الجابري: (هناك علمانيّات بدون ديمقراطيّة. ولكن، لا توجد ديمقراطيّة واحدة بدون علمانيّة) وبالطبع لن توجد، مهما تفقّه الفقهاء، وتمعلم العلماء، وتجهبذ السفهاء. فللديمقراطيّة مفهوم، ومفاهيم في غاية البساطة: دستور يساوي بين الناس كأسنان المشط، وسلطات ثلاث: تشريعيّة، تنفيذيّة، قضائيّة؛ مثلث متساوي الأضلاع، لا يتوازى أو ينعوج. وما عدا ذلك، فليتفقّه الناس في شكل الحكم.. فيدرالي ولائي سنديكالي، أو ما ستتفتّق عنه عبقريّة شعوبنا التي تقطن السودان.
فالمتكعكعون، كما الحوات، لهم جراب يُخرجون منه ما شاء لهم من طواقي الإخفاء مثنىً وثلاث ورباع. فالعورات كثيرة (والحمد لله) فلكل فشل طاقية، أو خوذة عسكريّة، لتخفيه: الشريعة السمحة (وهُوْ في شريعة شينة؟!) العرق الدسّاس، لماذا ما فلحنا نعمل دستور 57 سنة، نقد أحزاب المعارضة ده ما وكتو، هل من فرق بين الخوذة والطاقيّة والعمامة، جيشنا المغوار البطل المنحاز للشعب، سلّة غذاء العالم العربي (دي غايتو انا ما فاهمة ــ أفريقيا دي ما فيها جعّانين، وللا نحن من القارّة العربية) من باع حلفا، جنوب السودان العقدة التي خلّفها المستعمر (ألم أقل لكم أنّهم لا يحيدون عن خارطة طريقه التي تركها لهم) ليس في السودان تفرقة عنصريّة أو دينيّة أو لغويّة.. وهلم جرا. طواقي وخوذ لكل كذبة بلقاء،
إلا، أنّني أظنّ أنّ هذا الجراب قد خوى!

من سوء حظ الصادق المتمهدي أنّه لا يأتي إلى سدّة الحكم إلا بعد ثورات وهبّات الشعب السوداني، فهو يحمل وزر اجهاض ثورة وانتفاضة، ذهبت بطاغيتيْن. ولذا فهو لا “يطيق” الحديث عن الفترة الإنتقاليّة لأكتوبر، فهو يتحدّث كيف أنّ الشعب ثار، عن دوره ودور حزب الأمّة وكيان الأنصار فيها.. أم عن أجندّة الحكومة الإنتقاليّة، ولم لم تطبّق (يطرشني) ما سمعته ليهو حديثا مطوّلا عن مآلاتها، وهو الخطيب المسهب في القول دوما. في التانية (بعد مارس/أبريل أبى ووقف دُدْ ما يلغي قوانين الشريعة ( ودي قصة معروفة) فما يهمنا الآن، ما هي أجندة حكومة سر الختم، ما الذي أنجزته وما الذي عرقل انجاز مَهامها المجهضة..؟ والسؤال الأهم: هل “شباب الثورة” يعون ومطلعون على ما دار في الفترة التي أعقبت ثورة أكتوبر ــ تجربة الحكم الإنتقالي، وما دار خلالها؛ مؤتمر المائدة المستديرة (المعني بقضيّة الجنوب) وما دار فيه.. من الذي عرقله من الإنجاز..؟!!
ألف سؤال وسؤال، ليس من بينها ما “تفتخر” به الأحزاب الطائفيّة والعقائديّة..! ولذا انهالوا على تلك التجربة، والأحداث التي رافقتها، بالطواقي والخوذ والعمائم..!

وهذا هو الوقت، المناسب والملح لإثارة بعض تلك الوقائع ــ كمثال. وليعلم “شباب الثورة” أن الحديث عن غياب “القيادة” ما هو سوى فرية يراد بها القفز على أكتافهم.. ولكن هيهات/

كيف تعاملت الأحزاب الشماليّة مع قضيّة الجنوب

الحرب وويلاتها في الجنوب كانت من أكبر التحديات التي واجهت الحكومة الإنتقاليّة، والأحزاب السياسية. ومن طريقة تعاملها (التي لم تتبدّل أو تتغيّر) المتعالية، كيف أنّها دفعت الجنوبيين دفعا إلى حمل السلاح، وإلى ترقية مطالبهم إلى درجة المطالبة بحق تقرير المصير بما فيه حق الإنفصال ــ الذي تمّ بأيادي “الإنقاذيين” الآثمة.. لنقرأ في وقائع مؤتمر المائدة “المستديرة”:
كان للجنوبيين ثلاث كتل، تنادي بـ (1) وحدة بلا شروط (2) انفصال (3) حكم ذاتي ــ فيدرالي.
الأحزاب الشماليّة المشاركة في المؤتمر:
1- جبهة الميثاق الإسلامي.
2- الحزب الوطني الاتحادي.
3- حزب الشعب الديموقراطي.
4- جبهة المهنيين.
5- الاتحاد الوطني الأفريقي السوداني (سانو).
6- الحزب الشيوعي السوداني.
7- جبهة الجنوب.
8- حزب الأمة.

الذي حدث/ اقتباس:
{ دعا إلى انعقاده رئيس وزراء الفترة الانتقالية الثالثة في السودان، سر الختم خليفة. اتفقت هذه الأطراف على تقديم ثلاثة خيارات للمؤتمر تمثلت في الفدرالية والوحدة غير المشروطة مع الشمال والانفصال، وأبدى الجنوبيون رغبة في أن يكون البت في الخيارات الثلاثة عبر استفتاء عام، لكن الأحزاب الشمالية جميعها وقفت ضد تلك الرغبة، وأوضحت أن أقصى ما يمكن أن تمنحه للجنوب هو وضع خاص يشمل قيام مجلس تشريعي للإقليم ومجلس وزراء محدود تنحصر صلاحياته في أمور التعليم والصحة والزراعة. وبالطبع رفض الجنوبيون ذلك العرض وردوا بالمطالبة بالفدرالية}

كيف يقرأ، أيّا من كان، هذه الفعلة الخسيسة، الممعنة في العنجهيّة والتعالي وضيق الأفق والحس الإنساني القويم. إنّ “الإنقاذيين” لم يفعلوا شيئا سوى أنّهم ساروا على نفس الطريق المستوحى من تلك “المعالجة” وأوصلوا كلا من تلك “الخصال” إلى حدودها القصوى، لتقع الطامة الكبرى/ الإنفصال.
إنّ الإستهانة بالجنوبيين، وبالشعوب السودانيّة خارج “مثلث حمدي”، والتعامل معهم كقردة، ظلّ ديدن الأنظمة المتعاقبة على الحكم. وأنّها، تلك الأنظمة، من مهّد الطريق الطويل الوعر، ذو الويلات العظام ، الذي أودى بنا إلى التهلكة. انفصل الجنوب، وأوار الحرب والقتل والذراية بالإنسان لم تتوقفّ، ولن، ما دامت عصمة العار، والذين يناصروها في السر والعلن ــ ما لم يذهبون إلى الجحيم!
هم نفسهم، الذين حوّلوا أهداف “المؤتمر” إلى مهزلة؛ ومن ثمّ انبرت الأحزاب الطائفيّة/الدينيّة للإجهاز على ما خلّفته الثورة من آثار ــ فأجبرت حكومة سر الختم على الإستقالة..
البعض، من قادة الأحزاب المتكعكعون، يسعون إلى منسرب يودي بهم للسلطة ــ طمعا. والبعض، من نفس السلالة، يسعون لقيادة الإنتفاضة، معتقدين ــ حسب العقيدة ــ أنّ بمقدورهم، وعلى يدهم سنصل إلى جنان عدن التي هي فوق الأرض!
إنّ الثورة، في عيون الغالبة منهم، لا يرون في الثورة سوى الكعك!

قلتها من قبل:
يا “شباب الثورة” ليس من بين هؤلاء من يصلح لقيادة عربة كارو..وأنكم يا “شباب” بجسارتكم، بحسكم الرفيع بالوجع، بدمئكم التي تسيل على الأرصفة، بأرواح شهدائكم الرابضة فوق الساحات ـ تمتلكون أهمّ صفات القادة ــ الوقّادة: الإستقامة، وهذا الحزن النبيل الذي تشيّعون به الشهداء، وتواسون به المكلومين.. فلا تنساقوا لترّهات الأصوات المخمليّة، بفعلكم الثوريّ قد تجاوزتم مقدراتهم بقرون، ولذا هم جذعون..!
وليثق كلّ منكم، بأنّ الذي يسير بجواركم، أمامكم أو خلفكم ــ يصلح للقيادة/

فقط، نسّقواااااااااااااااا يا شباب!

مرجع/ المعرفة:
[url]http://www.marefa.org/index.php/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D8%B1%D8%A9_1965[/url]

عادل عبد الرحمن
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..