تأميم وزارة الخارجية السودانية

أصدر الرئيس عمر البشير قرارا جامعا جامحا بإعادة هيكلة وزارة الخارجية اداريا، ومنهجيا يشدد ” قبضة ” رياسة الجمهورية على شئون الوزارة كافة وعلى دبلوماسييها خاصة.
نص القرار علي إغلاق اثني عشر سفارة وقنصلية للسودان، زمرة منها في أفريقيا وأخريات متفرقات في أوربا واسيا واستراليا. كما تقرر إغلاق كل الملحقيات الإعلامية باستثناء لندن ومصر وقطر وأبقى القرار على الملحقيات العسكرية والأمنية.
وتقرر تخفيض الكادر الإداري في جميع السفارات بنسبة 50% علي أن تؤول مسؤولياته ومهامه لصغار الدبلوماسيين بالبعثة ثم ألغى القرار وظائف المحاسبين إلا في السفارات ذات الإيرادات المقدرة.
وجاء في القرار الجامح أن الرئيس هو الذي يختار السفير المرشح لأي سفارة عبر المفاضلة بين ثلاثة يرشحهم وزير الخارجية ويجوز للرئيس أن يختار من يراه مناسباً حتي من خارج القائمة الثلاثية تتوفر فيه كما جاء في صلب القرار ” الولاء السياسي القاطع للنظام السياسي القائم…. والالتزام بذلك في تحركاته الرسمية والخاصة.. وأن يكون المدافع الأول عن النظام السياسي،،، ” !
إن هذا النص السياسي يتجافى ويتعارض مع قانون السلك الديبلوماسي الذي يحظر علي السفراء التحزب والولاء السياسي والجهر بذلك، كما أن القسم الذي يؤديه السفراء عند تعينهم يدعو الولاء للوطن لا لنظام سياسي قائم فالدبلوماسية تبقى خدمة وطنية رغم تغير الأنظمة السياسية ويبقى السفير سفيرا للوطن يعظم مصالحه القومية والأمنية ويدافع عنها.
ثم جاء في الفقرة الأخيرة من القرار أن الرئيس سوف يعين سفراء من خارج السلك الدبلوماسي (ربما من بين الفاقد السياسي؟!) ومن” أصحاب الولاء السياسي القاطع.. ” سفراء في الدول الاتية: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، تركيا، بريطانيا، مصر، السعودية، الإمارات، الكويت، ارتريا، تشاد..( أغفل القرار دولتي الجوار ليبيا جنوب السودان؟ )
رمى هذا القرار الجامح في جانب منه إلى خفض وترشيد الإنفاق الحكومي علي بعثاتنا الديبلوماسية بينما تجاهل انفاقا باهظا آخر بالعملات الحرة علي سفر الوزراء والوفود وعلي المؤتمرات الإقليمية(الهايفة) المنعقدة يوما بعد يوم بالخرطوم…..
أما الجانب الآخر للقرار فهو تشديد القبضة الرئاسية الإدارية المباشرة علي وزارة الخارجية عوضا عن الإشراف العام المرن علي تنفيذ السياسة الخارجية والذي نصت عليه المادة 17 من الدستور الانتقالي لعام 2005.
لا شك أن القرار أهدر وألغى الاستقلال الذاتي Self-autonomy الذي شبت عليه الوزارة منذ تأسيسها فجر الاستقلال وتمتعت به ووظفته ناصحا مهنيا أمين لرياسة الجمهورية فباتت اليوم تابعا ذليل وهو اتباع بدأ في الواقع منذ نحو عام عندم انتزعت من الوزارة بضع ملفات هامة عن علاقات السودان مع البرازيل وروسيا والهند والصين وتركيا أودعت لدى رئاسة الجمهورية تحت إشراف احد مساعدي الرئيس.
لقد انطوى هذا القرار الجامع الجامح علي تحويل وزارة الخارجية إلى محض إدارة – وإن هي كبيرة وهامة- ضمن الإدارات الراتبة في القصر مما يرقى إلى تأميمها بل ربما مصادرتها.
د. حسن عابدين
سفير ووكيل اسبق لوزارة الخارجية.
[email][email protected][/email]